بأقلامنا

الحرب المفتوحة: استراتيجية وحدة الساحات وصناعة التوازن الجديد في مواجهة الاحتلال بقلم د. شريف نورالدين

بتاريخ: ٧ / ١٠ / ٢٠٢٤

 

في ظل التصعيد العنيف الذي يشهده الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، تتبلور في الأفق معادلة جديدة تحمل في طياتها مفهومًا استراتيجيًا عميقًا يمزج بين قوة المقاومة وتضامن المحيط الإقليمي، ألا وهي وحدة الساحات وساحات الوحدة.

هذه المعادلة تُعبر عن تحول تاريخي في طريقة التصدي للعدوان الإسرائيلي، حيث لم تعد غزة تقف وحدها في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، بل باتت جبهات عديدة من لبنان إلى العراق، ومن اليمن إلى إيران، تتحرك ضمن إطار مشترك ومنسق يعيد تشكيل موازين القوى.

إن هذا التحول لا يمثل مجرد تضامن عابر، بل هو تعبير عن استراتيجية شاملة تقوم على تنسيق الجبهات وتوسيع نطاق المعركة، مما يفرض على إسرائيل تحديات جديدة في قدرتها على إدارة الحرب على عدة ساحات متزامنة. في الوقت نفسه، تعكس هذه الجبهات المتعددة روح الوحدة المتنامية بين الشعوب والقوى الإقليمية، التي تجتمع في ساحات الوحدة للتأكيد على رفضها للاحتلال ودعمها للقضية الفلسطينية.

وسط هذه التحولات، يبدو أن المقاومة لم تعد معزولة في جغرافيا محددة، بل أصبحت جزءًا من شبكة إقليمية مترابطة، حيث تعمل كل ساحة كحجر أساس في معركة أكبر ضد الاستعمار والظلم، لترسم ملامح مرحلة جديدة من الصراع.

أما المفهومان لوحدة الساحات وساحات الوحدة يمكن أن يساعدا في فهم الطريقة التي تتعامل بها المقاومة الفلسطينية وحلفاؤها في المنطقة مع التصعيد الإسرائيلي، سواء في غزة أو في مناطق أخرى مثل لبنان.

* وحدة الساحات: يشير هذا المفهوم إلى التنسيق بين جميع الجبهات التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي، سواء كانت في فلسطين أو خارجها، تحت هدف مشترك هو مواجهة إسرائيل وصدّ عدوانها.
في هذه الحالة، “وحدة الساحات” يمكن أن تمثل الجهود المشتركة بين مختلف القوى المقاومة في غزة، لبنان، العراق، سوريا، اليمن، وإيران.

١- على أرض الواقع:
– غزة: غزة هي الساحة الأساسية في هذا السياق، حيث تدور المعركة الرئيسية بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي.
ولكن غزة ليست وحدها، بل هي جزء من منظومة أوسع تحاول تعزيز قدراتها عبر دعم يأتي من ساحات أخرى.

– لبنان: مع تدخل حزب الله في المواجهات عبر استهداف المواقع الإسرائيلية من الحدود اللبنانية، يظهر دور لبنان كجزء من وحدة الساحات. لبنان يعتبر ساحة هامة في هذه الوحدة.

– إيران: الدعم الإيراني سواء اللوجستي أو المالي أو التسليحي للمقاومة الفلسطينية في غزة والمقاومة اللبنانية يبرز مفهوم وحدة الساحات. إيران تدعم القوى المقاومة على امتداد الجغرافيا لتحقيق الهدف المشترك.

– اليمن والعراق: حلفاء ايران في اليمن (مثل الحوثيين) أو في العراق (مثل الحشد الشعبي) قد تكون جزءًا من هذه الوحدة عبر التهديد بالتصعيد في مناطق أخرى أو الضغط على المصالح الإسرائيلية والغربية في المنطقة.

* ساحات الوحدة: هذا المفهوم يرتبط بالمناطق أو الساحات التي تعبّر عن تضامن الشعوب والقوى مع القضية الفلسطينية أو المواجهة ضد إسرائيل. في هذا السياق، ساحات الوحدة تعني أن هذه المناطق والجبهات المختلفة قد أصبحت منصات أو جبهات متضامنة تُظهر من خلالها الشعوب والقوى الإقليمية دعمها المشترك لفلسطين وغزة.

١- على أرض الواقع:
– لبنان، سوريا، العراق، إيران، اليمن: هذه الدول أ
أصبحت ساحات للوحدة من خلال دعمها للمقاومة، سواء عبر التحركات السياسية أو العسكرية أو حتى الرمزية، مثل المظاهرات الشعبية والبيانات السياسية الداعمة لفلسطين.

– دور الشعوب: هذه الساحات ليست فقط عسكرية بل أيضاً سياسية وشعبية.
الحركات الشعبية والتظاهرات المناهضة لإسرائيل والداعمة لفلسطين في مختلف الدول العربية والإسلامية والعالمية تؤكد هذا المفهوم.

* دور هذه المفاهيم في الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان:
– وحدة الساحات: تعتمد المقاومة على مفهوم وحدة الساحات لضمان أن إسرائيل لن تكون قادرة على التركيز على جبهة واحدة فقط، وبالتالي استنزاف طاقتها وتشتيت جهودها.
هذا يظهر من خلال إطلاق الصواريخ من لبنان وسوريا أو حتى العراق باتجاه إسرائيل، مما يعزز فكرة أن الجبهات متعددة والأطراف متحدة ضد عدو مشترك.

– ساحات الوحدة: المعركة ليست فقط عسكرية بل هي أيضًا معركة تضامن سياسي وإعلامي.
كل دولة أو مجموعة تسهم بدورها في التأكيد على وحدة الموقف ضد إسرائيل، سواء عبر الدعم اللوجستي أو السياسي أو حتى الرمزي، مما يعزز الجبهة الإقليمية ضد العدوان الإسرائيلي.

* تقييم الدور الإقليمي: الدول والقوى الإقليمية المتحالفة مع المقاومة الفلسطينية تعبر عن مفهوم وحدة الساحات بشكل استراتيجي لتوسيع نطاق المواجهة مع إسرائيل، بينما تستفيد من ساحات الوحدة لإظهار التماسك والتضامن القوي مع غزة والشعب الفلسطيني.

بهذا، يتم التحرك على مستوى متعدد الأبعاد: عسكريًا لتشتيت الجهد الإسرائيلي، وسياسيًا لتكريس فكرة الوحدة في مواجهة العدوان.

الخلاصة:
وحدة الساحات تدل على عملية توحيد الجبهات أو الساحات المختلفة للعمل معًا نحو هدف مشترك، وهي عملية تنظيمية وتنسيقية.

ساحات الوحدة تدل على الأماكن أو الميادين التي يتم فيها التعبير عن الوحدة أو التي تجمع الناس للتأكيد على التضامن والوحدة.

باختصار، وحدة الساحات هي عملية توحيد، بينما ساحات الوحدة هي أماكن تعبير عن الوحدة.

إسرائيل تواجه ليس فقط مقاومة محلية في غزة، بل مقاومة إقليمية منسقة تشمل جبهات متعددة، وهو ما يعكس مفهوم وحدة الساحات. في الوقت نفسه، الساحات التي تُظهر دعمها لغزة، سواء عبر العمل العسكري أو التضامن الشعبي والسياسي، تعبر عن ساحات الوحدة.

ومع تصاعد ألسنة اللهب وتزايد ضراوة المواجهة في الساحات المختلفة، تتشكل ملامح مرحلة جديدة من الصراع، تمتد تداعياتها إلى ما هو أبعد من المعركة العسكرية المباشرة.

إن استراتيجية وحدة الساحات وساحات الوحدة قد أعادت تعريف المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث لم تعد مجرد مواجهة بين غزة وإسرائيل، بل تحولت إلى معركة إقليمية ذات أبعاد متعددة الأوجه. باتت إسرائيل تجد نفسها محاطة بجبهات مفتوحة ومتزامنة، تقاتل ليس فقط على حدود غزة، بل على حدود لبنان وسوريا، وتحت تهديد مستمر من مناطق بعيدة مثل اليمن والعراق، وهو ما أدى إلى تغيير جوهري في توازنات القوة في المنطقة.

على الصعيد العسكري، فإن هذه الوحدة قد فرضت على إسرائيل واقعًا جديدًا يجعلها عاجزة عن تحقيق انتصار ساحق وسريع كما كانت تأمل. تكامل الساحات وتنسيق الجبهات يعمّق من مأزقها، حيث تصبح المعركة طويلة الأمد ومفتوحة على احتمالات متزايدة من الاستنزاف والضغط. وفي المقابل، تتعزز قدرات المقاومة بفضل الدعم الإقليمي والتعاون اللوجستي، مما يزيد من قدرتها على الصمود والتصدي.

أما على الصعيد السياسي، فقد أسهمت هذه المعادلة في توحيد صوت الشعوب العربية والإسلامية من جديد، في ظل مشهد كان يتسم بالتفكك والتشتت.

ساحات الوحدة التي تتجسد في التحركات الشعبية والدبلوماسية في العواصم المختلفة، قد أظهرت للعالم أن القضية الفلسطينية لا تزال جوهر الصراع في المنطقة، وأن العدوان الإسرائيلي لن يمر دون رد.
هذا الحراك الإقليمي والدولي يضع ضغطًا إضافيًا على إسرائيل، ويعيد تسليط الضوء على الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني.

على المستوى الاستراتيجي، بدأت تبرز نتائج أعمق قد تساهم في إعادة تشكيل المشهد الإقليمي لعقود قادمة. الانخراط المباشر لحلفاء المقاومة في المعركة يعزز من مكانتهم كأطراف فاعلة في التوازنات الجيوسياسية، ويضع تحديات أمام القوى الدولية الداعمة لإسرائيل.

لقد أصبح من الواضح أن أي تصعيد في المنطقة لن يكون معزولاً، بل سيلقي بظلاله على مختلف الأصعدة، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية، ما يهدد بجرّ المنطقة إلى صراع أوسع قد يصعب السيطرة عليه.
في النهاية، تداعيات هذا الصراع لن تتوقف عند حدود وقف إطلاق النار، بل ستمتد لتشكل حقائق جديدة على الأرض وفي السياسة.

إن وحدة الساحات وساحات الوحدة قد أحدثت تحولاً في بنية الصراع، وأظهرت أن المقاومة ليست مجرد فعل عسكري، بل هي قوة متجذرة في قلوب الشعوب، تنبض بالإرادة والعزيمة لإحداث تغيير جذري في معادلات القوة في المنطقة. هذا الصراع ليس مجرد معركة عابرة، بل هو فصل جديد في تاريخ طويل من الكفاح من أجل الحرية والعدالة، قد يرسم ملامح مستقبل مختلف لكل الأطراف.

زر الذهاب إلى الأعلى