“نتنياهو إكزينوفيليوس”وحرب القيامة الإبادة الشاملة في الفكر الصهيوني المعاصر بقلم د. شريف نورالدين
بتاريخ: ٨ / ١٠ / ٢٠٢٤
“إكزينوفيليوس: تجسيد الوحشية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.
“حرب الإبادة: إعادة تشكيل الشرق الأوسط تحت وطأة العنف”.
“الوحشية الكونية: صراع الهوية في زمن القيامة الصهيونية”.
“الإيديولوجية القاتلة: كيف تعيد حرب القيامة تعريف الصراع في الشرق الأوسط”.
في ظل تصاعد العنف المتجدد بين العدو الاسرائيلي والفلسطينيين، وبالأخص في قطاع غزة والضفة الغربية، وحرب القصف المستمر على لبنان، يقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في طليعة مشهد وحشي غير مسبوق، مدعوماً بخطاباته العدوانية والإيديولوجية.
الحرب التي أطلق عليها اسم “السيوف الحديدية” في بدايتها، كُتب لها أن تأخذ بعداً جديداً ومروعاً عندما دعا نتنياهو في جلسة الوزراء الطارئة إلى تغيير اسمها إلى “حرب القيامة”، في تعبير عميق ومتعمد عن الرؤية الصهيونية المتطرفة التي يسعى نتنياهو لترسيخها.
هذه التسمية ليست مجرد تغيير في المسمى، بل تأتي مع دلالات رمزية وإيديولوجية تحمل أبعادًا تاريخية ودينية. “حرب القيامة” توحي بقيام إسرائيل من جديد، في مشهد يُجسد ما يعتبره نتنياهو “الانبعاث الإسرائيلي” العظيم، وهو مصطلح يسعى من خلاله إلى تعزيز مكانته كرمز صهيوني مؤسس على غرار ديفيد بن غوريون، مؤسس الدولة، مستندًا إلى فكرة الخلاص اليهودي التي تلهمه وتبرر وحشيته.
لقد مرت سنة على ما أسماه الفلسطينيون “طوفان الأقصى”، حيث شهدت غزة سلسلة من الاعتداءات المتوحشة التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين ودمرت البنية التحتية بشكل مروّع.
الآن، وفي ظل استمرار القصف الوحشي على لبنان وغزة والضفة، يهدف نتنياهو من خلال هذه “القيامة” إلى تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط وإعلان بداية “مرحلة جديدة” كما يصفها.
في خطابه، يعبر نتنياهو عن تصور لنظام إقليمي جديد تحت الهيمنة الإسرائيلية، حيث يُمجد هذه الحرب على أنها جزء من يوم الانبعاث الذي يحلم بأن يشهد “إسرائيل الكبرى” تفرض سيطرتها الكاملة، ليس فقط على الأرض، بل على الرواية التاريخية ذاتها.
لكن هذا المشهد الملحمي الدموي لا يُخفي الحقيقة المظلمة “حرب القيامة” ، ليست قيامة للأمل أو المستقبل، بل هي تجسيد لما يمكن تسميته “الوحشية الكونية”—نزعة لإبادة الآخر بشكل شامل، لا تقتصر على الجسد بل تمتد لتدمير الروح والهوية والثقافة.
هذه الحرب تهدف ليس فقط إلى القضاء على الشعب الفلسطيني، بل إلى محو كل ما يختلف عن التصور الصهيوني المتطرف لإسرائيل ككيان استعماري مطلق.
إن تغيير الشرق الأوسط الذي يسعى إليه نتنياهو، في واقع الأمر، هو تدمير لكل أشكال التنوع في المنطقة، وتحويلها إلى مسرح لإبادة جماعية ثقافية وسياسية تتجاوز مجرد الاحتلال.
إنها رؤية تُعيدنا إلى أسوأ نماذج الإمبريالية والتطهير العرقي، لكنها مغطاة بعباءة دينية وسياسية تحمل طابع “القيامة” كما يراه نتنياهو.
تحت ظل هذه الحرب، يواجه الشرق الأوسط مرحلة جديدة بالفعل، لكن هذه المرحلة ليست تلك التي تمجد إسرائيل، بل تلك التي ستدخل التاريخ كواحدة من أحلك فترات الإجرام العنصري والإرهاب الممنهج في العصر الحديث. “حرب القيامة” التي يتحدث عنها نتنياهو قد تكون فعلاً قيامةً لأفكار الفناء والدمار الشامل، وليست قيامة للحياة أو العدالة، بل هي القيامة المظلمة لأقصى درجات الوحشية الصهيونية.
ولتقديم رؤية شاملة وأعمق حول صفة إجرامية واحدة تتجاوز كل ما تم وصفه في تاريخ البشرية، تحتاج إلى توحيد عدة عناصر فلسفية وإيديولوجية، حيث يجب أن تكون الكلمة معبرة عن الكمال السلبي لكل صفات الإجرام، الوحشية، والعنف المتجاوز للأخلاق الإنسانية. لذلك سأطرح مصطلحًا جديدًا مستندًا إلى المقاربة الشاملة التي تمثل تجسيدًا لأعلى درجات الإجرام على مر العصور:
* “إكزينوفيليوس” (Xenophilous) – جامع الكراهية الشمولية:
– مفهوم “إكزينوفيليوس”: كلمة “إكزينوفيليوس” تأتي من الجذر الإغريقي “إكزينو” (Xeno) بمعنى الغريب أو الآخر، و*”فيليوس”* (Philous) بمعنى الحب أو الولع. ولكن في هذا السياق، الكلمة لا تعبر عن الانجذاب للغرباء بشكل إيجابي، بل تشير إلى استغلال هذا الولع بتحويله إلى كراهية شمولية لكل ما هو “آخر”. هذا الكائن أو النظام الذي يوصف بـ”إكزينوفيليوس” هو تجسيد للكراهية المتعمدة والمنهجية لكل ما هو مختلف، بما في ذلك البشر، الأفكار، الثقافات، الحياة نفسها.
ان كلمة “نيكروفيليوس” (Necrophilous) لا تعبر عن “القيامة” بمعناها الديني أو الروحي، بل تشير إلى ارتباط بالموت والدمار، وهي تمثل نزعة تدميرية تتعلق بالموت والخراب بشكل شبه فلسفي.
بينما القيامة في الأديان تشير إلى إحياء الحياة بعد الموت أو العودة إلى الحياة بعد نهاية معينة، أما النيكروفيليا تشير إلى افتتان أو انجذاب نحو الموت، وليس إلى فكرة التجدد أو البعث.
لذا؛ كلمة تعبر عن الوحشية والإجرام المرتبط بشيء أشبه بـ”القيامة السوداء” أو الفناء التام الذي قد يعقبه دمار لا نهائي، لا بد من استحضار تعبيرات أكثر رمزية مثل “أناركيّة القيامة” أو “نيكروفيليا” (Necrophilia)أو “قيامة الخراب”، لتعبر عن فكرة الدمار الشامل الذي يتجاوز الموت نفسه، وكأنه قيامة للفوضى والعدم.
* لماذا “إكزينوفيليوس”؟
– وحشية شاملة ومتعددة الأبعاد: “إكزينوفيليوس” يشير إلى نوع من الإجرام المتعدد الأبعاد، الذي لا يستهدف فقط الجسد البشري، بل يتجاوز ذلك ليشمل العقل، الهوية، الثقافة، والأفكار. إنه كيان يمارس الإبادة والتدمير على كل ما هو مختلف أو متنوع في الحياة، ويجد متعة في السيطرة المطلقة على كل شيء لا يشبهه.
– تدمير منهجي على المستوى الفكري والبيولوجي: بخلاف الوحشيات التقليدية، “إكزينوفيليوس” لا يسعى فقط إلى القتل أو التدمير المادي، بل يعمل على القضاء على التنوع البشري والفكري وحتى البيولوجي. إنه يستهدف تدمير كل ما يجعل الحياة غنية ومعقدة—الأفكار، الثقافات، الأعراق، والنظم البيئية.
– الإرهاب العنصري والفكري: يدمج “إكزينوفيليوس” بين العنصرية والتعصب الفكري، بحيث يكون كل ما هو مختلف—سواء من ناحية العرق، الدين، الفكر، أو الأسلوب الحياتي هدفًا للإبادة والهيمنة.
يمثل ذلك تطورًا خطيرًا للإرهاب، إذ لا يقتصر الأمر على مجموعة أو دولة، بل يشمل العالم كله من خلال فرض تصور أحادي، وإبادة كل ما هو خارج هذا التصور.
– البعد الفلسفي العميق: على المستوى الفلسفي، “إكزينوفيليوس” يعبر عن نزعة لإلغاء الآخر بالكامل من خلال تدمير الحياة والتنوع فيها، وهو انعكاس لرغبة في العودة إلى حالة من العدمية المطلقة، حيث يبقى الكائن المتسلط الوحيد ويُسحق كل ما يهدد وجوده أو يعارضه.
* أمثلة تاريخية:
– النازية: بينما أطلقت النازية عملية إبادة ضد اليهود والأعراق الأخرى، كان هدفها النهائي هو تدمير كل من يقف في طريق تفوق العرق الآري. كان هذا النوع من الإرهاب الإيديولوجي تجسيدًا للوحشية الممنهجة، إذ سعت النازية إلى خلق عالم أحادي، خالٍ من التنوع الثقافي أو العرقي.
– الصهيونية المتطرفة: بعض الأجنحة المتطرفة في الصهيونية مارست نفس النهج تجاه الفلسطينيين، حيث تم العمل على طردهم ومحو هويتهم الثقافية والجغرافية من أجل بناء دولة أحادية الهوية.
في هذا السياق، يتجسد “إكزينوفيليوس” في تطهير الآخر من أجل الحفاظ على النقاء.
– الإرهاب الداعشي: في مقاربة مماثلة، سعت داعش إلى تدمير كل من يختلف عن فكرها أو مذهبها، سواء كانوا من أديان أخرى أو حتى مسلمين لا يتبعون نهجها.
كان الهدف النهائي ليس مجرد السيطرة، بل فرض رؤية متطرفة أحادية تتجاهل كل أشكال التنوع الفكري والديني.
* مستقبل “إكزينوفيليوس”: في المستقبل، قد نرى تطورًا للوحشية “الإكزينوفيليوسية” في أشكال أكثر تكنولوجية، حيث تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيولوجيا لخلق أنظمة تدميرية تستهدف السيطرة على العقول والجينات البشرية. هذا قد يشمل:
– إبادة الجينات: من خلال التلاعب الجيني لتطهير الأعراق أو حتى التحكم في الخصائص الوراثية للبشر، ما يؤدي إلى إلغاء التنوع البشري بشكل نهائي.
– السيطرة على الأفكار: باستخدام التكنولوجيا المتقدمة للتحكم في العقول وفرض نظام فكري عالمي موحد، حيث يتم القضاء على أي فكر يخالف الإيديولوجيا المسيطرة.
– تدمير النظم البيئية: في سياق أكثر شمولية، قد تسعى الأنظمة “الإكزينوفيليوسية” إلى تدمير البيئة والعالم الطبيعي في سبيل السيطرة على الموارد الطبيعية وفرض سيطرتها المطلقة على كل شيء حي.
* “إكزينوفيليوس” والوحشية المستقبلية: ما يجعل “إكزينوفيليوس” مصطلحًا أقوى وأكثر تعبيرًا عن الوحشية المستقبلية هو أنه لا يقتصر على العنف التقليدي، بل يتضمن السيطرة الكاملة والشاملة على الوجود البشري بكل أبعاده. إنه يتجاوز القتل والإبادة المادية ليشمل القضاء على التنوع الثقافي والفكري وحتى البيولوجي، ليبقى العالم في صورة أحادية خالية من أي اختلاف.
* خاتمة:
أن “إكزينوفيليوسية نتنياهو” هو المصطلح الذي يمكن أن يعبر عن أعمق درجات الوحشية عبر التاريخ والمستقبل. إنه تجسيد لفكرة القضاء التام على الآخر، ليس فقط كفرد أو مجموعة، بل كفكرة، كهوية، وكوجود. إنه التهديد الأكبر للإنسانية، حيث يُلغى التنوع، وتُفرض سيطرة تامة على الحياة بأكملها، بما في ذلك الفكر، الثقافة، والبيولوجيا.
هذا المفهوم يتجاوز الإجرام التقليدي ليشمل رؤية فكرية وإيديولوجية تمثل أكبر خطر على الحضارة والوجود البشري ككل.
وفي ظل هذه الحرب المتجددة التي أطلق عليها نتنياهو اسم “حرب القيامة”، يواجه العالم مرحلة جديدة من النزاع، تتجاوز الصراع التقليدي بين إسرائيل والفلسطينيين لتصبح جزءًا من إيديولوجية إبادة شاملة.
غزة والضفة الغربية، ومعهما الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، يقفون في مواجهة ليس فقط عدوانًا عسكريًا، بل مخططًا منهجيًا لطمس الهوية والمطالبة بالحق في الوجود.
هذا النهج، إذا استمر، يهدد بمحو القضية الفلسطينية من الوعي الدولي، وفرض واقع جديد يجعل من الفلسطينيين شعبًا دائمًا في المنفى والتشرد.
على الجانب الآخر، المجتمع الإسرائيلي نفسه لن يظل محصنًا أمام تداعيات هذا الصراع.
إن إطالة أمد هذه الحرب وتكريس العنف كأداة رئيسية للسيطرة سيخلق جيلًا إسرائيليًا يعيش في خوف دائم، مع تزايد الانقسام الداخلي بين القوى المتطرفة والعلمانية، مما يهدد بزعزعة استقرار المجتمع الإسرائيلي من الداخل.
إقليمياً، سيظل لبنان وسائر دول الشرق الأوسط في مرمى نيران هذا الصراع، حيث ستتحول المنطقة إلى ساحة لصراعات متداخلة تشعلها النزاعات الطائفية والمصالح الإقليمية.
ستؤدي هذه الحرب إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، ما يعزز من احتمالات نشوب مواجهات أوسع، ويدفع المنطقة نحو سنوات من التوتر وعدم الاستقرار.
الأخطر من ذلك، أن هذا التصعيد يعكس إيديولوجية تدميرية شمولية تتجاوز المنطقة، وتهدد القيم الإنسانية على مستوى عالمي.
“حرب القيامة” ليست مجرد معركة عسكرية، بل هي تجسيد لنزعة لإبادة كل ما هو مختلف، تكرس العنف كسبيل وحيد للتفوق والسيطرة.
إذا تركت هذه الإيديولوجيا تنتشر، فإنها ستمهد الطريق لفاشية عالمية جديدة تضع القوة والعنف فوق القانون الدولي والقيم الأخلاقية.
في ظل هذا المشهد، فإن استمرار هذه الحرب لن يؤدي إلى “قيامة” إسرائيل كما يروج لها نتنياهو، بل قد يقود المنطقة والعالم إلى دوامة من الفوضى والإبادة.
إن مستقبل المنطقة، بل والعالم، يعتمد على التراجع عن هذه الإيديولوجيا المتطرفة، والبحث عن حلول سياسية ودبلوماسية تضع حدًا لهذه النزعة المدمرة.
انه اوكزينو نتنياهو أو نتنياهو اوكزينو.