شارك بمسابقة شهر رمضان المبارك للعام ــ 1445 هـ . ـــ 2024 م . وأربح جوائز مالية نقدية Info@halasour.com
بأقلامنا

يوم الأَرزةُ اللبنانية أَقوى من الانتداب الفرنسي بقلم الشاعر هنري زغيب

يوم الأَرزةُ اللبنانية
أَقوى من الانتداب الفرنسي
“نقطة على الحرف” الحلقة 1604
“صوت كلّ لبنان”
الأَحد 22 كانون الثاني 2023

بعد حلقة الأَحد الماضي عن لبنان قبل ستين سنة وما آل إِليه لبنانُ اليوم بسبب جهل ساسته أو تآمرهم، اتصل بي زميلنا الكبير حكمة أَبو زيد معلِّقًا، أَسيفًا على ما بلغه الوضع الكارثي تقهقُرًا عامًا بعد عام، هو الشاهد على مرحلة دامت 32 سنة في مسؤُوليته الرسمية في السراي الحكومي مستشارًا إِعلاميًا لرئيس الحكومة أَيًّا يكُن، بين 1968 وتقاعُده سنة 2000. وروى لي ما حدَث له قبل ستِّين سنة في بون، حين كان في أَلمانيا عضوَ بعثة صحافية.
كان ذلك سنة 1962.. يومها، انتهَت فترة إِقامته، ونزل إِلى مكتب الاستقبال في الفندق يسدِّد ما عليه قبل المغادرة. وصدَفَ أَن كان حَدَّه زميل مغربي يغادر أَيضًا ويوَدُّ تسديدَ ما عليه، حتى إِذا قدَّم له الموظف حسابه سأَله المغربي إِن كان يمكنه تسديدُ المبلغ بالدرهم المغربي، فابتسم الموظَّف أَنْ بلى، فهو سليل الفرنك الفرنسي إِبان انتداب فرنسا على المغرب (1912-1956).
وحين جاء دور الزميل أَبو زيد، أَراد اختبار الليرة اللبنانية طالَما الموظَّف قَبِلَ بالعملة الوطنية المغربية، فقال للموظَّف أَنْ لم يعُد معه المبلغ الكافي بالمارك الأَلماني، وسأَله عن إِمكان أَن يسدِّد بالليرة اللبنانية. استمهَلَهُ الموظَّف ودخل يسأَل في إِدارة الفندق، حتى إِذا عاد أَجابه أَنْ بلى يمكن أَن يسدِّد بالليرة اللبنانية. وحين انتهى، رفعَ زميلُنا اللبناني جواز سفره وقال لزميله المغربي: “إِن الأَرزة اللبنانية أَقوى من الانتداب”.
تذكيرًا، جرى ذلك مع الزميل حكمة أَبو زيد سنة 1962.
واليوم، بعد 60 سنة من الليرة اللبنانية ذاك اليومَ في أَلمانيا، لم تعُد الليرة اللبنانية مقبولةً حتى في دكَّان الضيعة لأَن الدكَّنجي، حتى الدكَّنجي، بات يقلِب شفتَيه قاذفًا زبائنه بعبارة “فْرِشْ دولار يا خواجه”، لأَن قيمة الليرة اللبنانية باتت أَرخص من وزنها تَراكُمَ أَوراقٍ من فئة المئة ليرة مكدَّسةٍ في كيس ورق.
مرة أُخرى، هوذا لبنان يتدَحرج القهقرى بسبب مَن يُديرون شؤُونه جهلًا أَو غباء أَو تآمُرًا، وهُم السلالةُ ذاتُها من “بيت بو سياسة” يتناسلون على الحُكْم من أَبٍ إِلى ابنٍ إِلى صُهر أَو حفيد، كأَيِّ نظام توتاليتاري تتحكَّم به طبقةُ سياسيين مستريحين على أَكتاف أَزلامهم، مطمئنِّين إِلى أَنهم باقُون على الأَكتاف، باقون، طالما في شعبنا أَغناميون أَغبياء يجدِّدون انتخابَهم دورةً بعد دورة، ومع كل دورة يدُور البلد إِلى الوراء، هبوطًا إِلى الوراء، حتى فلا علاجَ لهذا الهبوط ليرةً واقتصادًا، ومجتمعًا بات معظَمُه تحت خط الفقر، وما زال “بيت بو سياسة” يتسلَّون بأُمور تافهة كوجوههم تخدم مصالحهم في روما من فوق، بينما روما من تحت تحترق بنيران الحريق الرهيب.
ولا خلاصَ، لا خلاص، إِلَّا بتوعية هذا البعض الغبي من الشعب، كي يعرف جلَّاديه فيُسقطَهم عن أَكتافه، لأَن خلاص لبنان لن يكون على أَيدي نيرونيِّيه بل مع طبقة لبنانيين جُدُد يتسلَّمون الحُكْم تدريجيًّا فينجَحون في إِنقاذه كما هم ناجحون في أَعمالهم الخاصة، هنا على أَرض الوطن أَو في أَيِّ وطن آخر أَثبَتُوا فيه نجاحَهم الباهر فَرَبِحَهُم ذاك الوطن و… خسِرَهُم لبنان.

زر الذهاب إلى الأعلى