طوبى له… طوبى لها … وهنيئًا لهما بقلم الشاعر هنري زغيب

طوبى له… طوبى لها
… وهنيئًا لهما
“أَزرار” رقم 1338
“النهار”
الجمعة 15 تشرين الثاني 2024
بعد 93 سنة على غيابه في نيويورك (الجمعة 10 نيسان 1931)، و60 سنة على غيابها في سافانا-جورجيا (الجمعة 9 تشرين الأَول 1964)، ما زالا يستقطبان فضولًا لاكتشاف جديد. وفيما وقفَت هي إِلى جثْمانه مُسَجًّى في بوسطن وكان ذكَرَها في وصيَّته، أَوصَت هي بحرق جثْمانها في سافانا من دون وصية.
تلك هي العلاقة الخالدة بين العاصفة والعاطفة طيلة 27 سنة (1904-1931) بين جبران وماري هاسكل. ومع أَنَّ باربرة يونغ أَمضت معه في محترفه، بإِيقاع شبْه يوميّ، جُلَّ سنواته السبْع الأَخيرة (1924-1931) ووضعَت عنه سنة 1945 كتابَها “الهاجيوغرافيَّ” السياق: “هذا الرجل من لبنان” (“الهاجيوغرافيا”=كتابة سِيَر القدِّيسين)، تبقى ماري هاسكل ذاتَ الكَرَم الأَوسع في علاقتها بمسيرة جبران وسيرته وحياته الخاصة.
أَحدَثُ ما وصلَني عن هذه العلاقة: كتابُ الباحث سليم بدوي “هي و”النبي”…” (184 صفحة عن منشورات “الهالة” – تونس، وطباعةٍ في بيروت)، وفيه تتبَّع مسيرَتَهما منذ لقائهما الأَول (بعد ظهر الخميس 10 أَيار 1904 في محترف فْرِدْ هولنْدْداي) حتى غرفة عُزلتها في مستشفى “تلفير” (سافانا) عند سماعها الرئيسَ جون كيندي يومَ تنصيبه (الكابيتول، واشنطن، الأَربعاء 20 كانون الثاني 1960) يذكُر في خُطبته عبارةَ جبران “لا تقُلْ ماذا فعلَتْ لي أُمَّتي بل قُلْ ماذا فعلْتُ أَنا لأُمَّتي”.
بنى سليم بدوي كتابه على سيناريو واضح التقطيع التقْني والحوار الموثَّق، بدءًا من غرفة المستشفى، ثم استعاديًّا (فلاش باك) إِلى العمل الأَدبي بين ماري وجبران وصدور “المجنون” الذي وَسَمَهُ المؤَلِّف “أَول وليد لهما” (ص 138)، إِلى قراءَة جبران أَمامها مقدمةَ “النبي” في السابع من أَيلول 1920 (ص 147) – هل من علاقةٍ بين هذا التاريخ وما جاء في مقدمة “النبي”: “في السنة الثانية عشرة، في السابع من أَيلُول شهر الحصاد”؟ -. ويفصِّلُ المؤَلِّف كيف انكبَّ جبران على “النبي” بنهجٍ منتظم “جعل ماري تشعر بأَنهما يقومان معًا بعملٍ غيرِ عادي” (ص 148)، وتَوَاصَلَ عملُهما على “النبي” في “اعتنائهما بمولودهما الأَحَبّ” (ص157)، حتى إِذا صدَر “النبي” (أَيلول 1923) “بمعيَّةِ قابلةٍ تستحقُّ النصيبَ الأَوفرَ من جمال الأَرض والسماء”، أَرسل جبران النسخة الأُولى إِلى “أُم الصبي” (ص157 أَيضًا).. واستمرَّت علاقتُهما في جوٍّ (خاص وسرِّيّ) لم يعكِّره زواجُ ماري من زوج عمَّتها، ولا دخولُ باربرة يونغ على حياته إِثر حضورها قراءةً من “النبي” في كنيسة القديس مرقص (آذار 1924)، وترَدُّدِها إِلى محترفه بكثافة وتدوين ما يُملي عليها (“رمل وزبد” و”يسوع ابن الإِنسان”). وأَكمل المؤَلف سرد الأَحداث بعد وفاة جبران، وحضور ماري إِلى المحترف وتجميع موجوداته لشَحْنها إِلى بشرِّي تنفيذًا وصيةَ جبران، واكتشاف رسائلها إِليه (مخبَّأَةً في صندوقة تحت سريره)، وجلوسها في فندق تومسون قرب محطة “غراند سنترال” للقطارات (قبل مغادرتها نيويورك) إِلى صديقه الأَقرب والأَوفى ميخائيل نعيمه ليكتب عنه بيوغرافياه.. ويعود المؤَلِّف (من حيثُ بدأَ كتابه) إِلى غرفة ماري في مستشفى “تلفير” الذي توفيَت فيه عن 84 عامًا.
إِنه كتابٌ رصينُ التوثيق، سيناريو لفيلم وثائقي عن جبران، عوض الكثير مما صدر عنه مشوِّهًا شخصيتَه وأَحداثَ حياته.
طوبى لجبران، طوبى لماري، وهنيئًا لهما على كتابٍ عنهما بموضوعيةٍ رصينة.
شكرًا سليم بدوي على أَمانتكَ الجبرانية.
هـنـري زغـيـب






