بأقلامنا

الحرب المفتوحة وتوازنات القوة والاستخباراتية بين حزب الله والكيان في مواجهة مكشوفة بقلم د. شريف نورالدين

بتاريخ: ٤ / ١٠ / ٢٠٢٤

 

في ظل الصراع المتجدد بين العدو إلاسرائيلي وحزب الله، تتكشف أبعاد جديدة للصراع تتجاوز مجرد المواجهات العسكرية إلى أبعاد استراتيجية واقتصادية.
حيث تشن إسرائيل هجمات مكثفة على لبنان، مستهدفةً مناطق الجنوب والبقاع وصولًا إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، مستخدمةً سلاحًا وصواريخ متطورة قادرة على اختراق أقوى التحصينات. هذه الهجمات، التي تترافق مع خسائر فادحة في أرواح المدنيين، تُظهر القوة التدميرية الهائلة لإسرائيل وتُعزز من تعقيدات المشهد الإقليمي.

إلى جانب ذلك، تمتد العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى سوريا، حيث تُستهدف مواقع مرتبطة بحزب الله والقوى الإيرانية، مما يعكس عدم الاستقرار المتزايد في المنطقة.
تهديدات إسرائيلية مباشرة لإيران تضيف عنصرًا جديدًا من التعقيد، في ظل وجود حلفاء يدعمون المحور الإيراني. في حال ردت إسرائيل على الهجوم إلايراني، قد يتحول الصراع إلى مواجهة أوسع نطاقًا، تهدد بتفجير الأوضاع في المنطقة بأسرها، وتجعل من الصراع بين الطرفين قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.

* ضربة إسرائيلية نوعية – اغتيال السيد حسن نصر الله وقيادات من حزب الله في حرب استخباراتية متقدمة.
في سياق حرب استخباراتية متقدمة وغير مسبوقة، استطاعت إسرائيل توجيه ضربة نوعية إلى قلب قيادة حزب الله، مستفيدة من تقدمها التكنولوجي والاستخباراتي. هذه العملية التي غيرت مجرى الأحداث، نجحت في استهداف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وعدد كبير من قادة الحزب في عمليات دقيقة استهدفت مقراتهم المحصنة تحت الأرض.
استندت إسرائيل في هذه العمليات إلى بيانات استخباراتية متقدمة، تم جمعها عبر مراقبة طويلة المدى لأنفاق حزب الله وشبكاته السرية. باستخدام مزيج من الأقمار الصناعية، الطائرات بدون طيار، والهجمات السيبرانية، تم رصد تحركات قيادات الحزب بدقة غير مسبوقة. وفي ضربة خاطفة، دمرت إسرائيل العديد من المباني التي كانت تخفي الأنفاق، مما أدى إلى انهيار هذه الأنفاق ومقتل العديد من القادة الرئيسيين والكثير من المدنيين.

تمثل هذه العملية نقطة تحول في الصراع بين ااعدو وحزب الله، حيث أثبتت تفوق العدو في مجال الحرب السيبرانية والاستخباراتية. وكشفت العملية عن قدرة العدو على اختراق أكثر الأنظمة الدفاعية تعقيدًا، مما جعل الحزب يتكبد خسائر فادحة على مستوى القيادة، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مستقبل الحزب ودوره في المنطقة.
هذه الضربة تُظهر تحولًا جذريًا في موازين القوى، وتؤكد أن الحرب بين الطرفين لم تعد تقتصر على المواجهات التقليدية، بل انتقلت إلى مستوى جديد من الحرب التكنولوجية والاستخباراتية.

* كشف بنية حزب الله:ت يسعى العدو إلى استهداف حزب الله منذ عقود، سواء عبر الغارات الجوية في سوريا أو عبر عمليات استخباراتية داخل لبنان.
الكشف عن بنية حزب الله يُعتبر جزءًا من الجهود الإسرائيلية لمحاولة تفكيك التنظيم من الداخل أو تقليص قدراته. غالبًا ما تشمل هذه العمليات:
– رصد وتحليل هيكلية التنظيم: عبر المعلومات الاستخباراتية، تسعى إسرائيل إلى فهم خريطة قيادات الحزب، شبكة علاقاته الداخلية، وتنظيمه العسكري والاستخباراتي.
– استهداف قيادات رئيسية: تهدف إسرائيل إلى تقليص تأثير حزب الله من خلال عمليات تصفية قيادات عسكرية أو أمنية بارزة.
– تفكيك شبكات التهريب والتمويل: إسرائيل تُحاول عزل حزب الله عن موارده المالية من خلال استهداف شبكات التهريب والتمويل، بما في ذلك شبكات تهريب الأسلحة
– دور حزب الله في سوريا: مشاركة حزب الله في الحرب السورية شكّلت نقطة تحول رئيسية في تاريخه. من جهة، حصل الحزب على خبرات قتالية واسعة، لكن في المقابل، تكبّد خسائر في الأرواح والعتاد، وأصبحت بنيته العسكرية مستنزفة نسبيًا. كما أن هذه المشاركة وسّعت من انخراطه الإقليمي وجعلته مكشوفا بشكل كبير وعرضةً لهجمات استخباراتية من عدة أطراف إقليمية ودولية.

* الجهود الأمنية والاستخباراتية:
– الدعم الاستخباراتي الغربي: تسعى إسرائيل إلى تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تشاركها العداء لحزب الله وإيران. يتم تبادل المعلومات الاستخباراتية حول تحركات الحزب، سواء في لبنان أو سوريا، بهدف إضعافه. أميركا تقدم دعمًا لوجستيًا واستخباراتيًا كبيرًا لإسرائيل في هذا السياق.
– التعاون مع الدول العربية المطبعة: في ظل تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، خاصة الخليجية، تتسع دائرة التعاون الأمني والاستخباراتي. يُعتبر حزب الله عدوًا مشتركًا لهذه الدول وإسرائيل، حيث تُسهم المعلومات التي تجمعها الاستخبارات الخليجية في استهداف مصالح الحزب وتضييق نطاق عمله. ويُرجح أن يكون هناك تعاون سري في هذا المجال بهدف إضعاف الدور الإيراني، الذي يُمثل الحزب أحد حلفائها الرئيسية.
– استغلال الظروف الإقليمية: تستغل إسرائيل وخصوم حزب الله الإقليميون ضعف التنظيم الناتج عن انخراطه في الحرب السورية واستنزاف قدراته هناك. هذا الجهد الأمني يُركز على تقويض العلاقات اللوجستية بين إيران وحزب الله، كما يعمل على استهداف عمليات التهريب عبر سوريا ولبنان.
– الدعم العربي والاستخباراتي السري: بالإضافة إلى الدعم العلني من بعض الدول العربية، يُرجح أن يكون هناك تعاون سري مع دول عربية أخرى لم تُعلن تطبيعها مع إسرائيل، بهدف مشاركة المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات الأمنية ضد حزب الله وإيران. هذه الجهود تتركز في ملاحقة أنشطة حزب الله التجارية والاستخباراتية، خاصة في أفريقيا وأميركا الجنوبية والكوكب بمجمله مستغلة العقوبات عليه وعلى لبنان.

* العمل الاستخباراتي وقدرته على رصد التحركات في الجغرافية والطبوغرافية اللبنانية.
العمل الاستخباراتي، خاصةً في الحروب غير التقليدية التي تعتمد على الوحدات المتخفية والمواقع السرية مثل حالة حزب الله في لبنان، يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا المتقدمة وأساليب الرصد والتحليل الحديثة. مع تطور وسائل المراقبة، أصبح من الممكن رصد معظم الأنشطة على الأرض اللبنانية، بما في ذلك عمليات الحفر، بناء الأنفاق، بناء المنشآت السرية، وتحركات الأفراد والمعدات عبر الطبوغرافيا المعقدة في لبنان.

كيف يمكن للأجهزة الاستخباراتية الحديثة، مثل تلك التي تمتلكها إسرائيل، رصد كل شيء تقريبًا على الجغرافيا والطبوغرافيا اللبنانية، باستخدام تقنيات متطورة مثل الأقمار الصناعية، الطائرات بدون طيار، الرادارات الأرضية، وأدوات التحليل السيبراني؟

١- الأقمار الصناعية والاستخبارات الفضائية ورصد الجغرافيا والطبوغرافيا:
– أقمار التجسس: تمتلك إسرائيل مجموعة من أقمار التجسس المتطورة مثل سلسلة الأقمار “أوفيك” (Ofek)، التي تستخدم تقنيات التصوير عالية الدقة، مثل التصوير بالرادار (SAR) والاستشعار الطيفي المتعدد. هذه الأقمار تستطيع رصد تغييرات الأرض في الوقت الحقيقي، حتى في المناطق الجبلية الوعرة في لبنان.
– القدرة على كشف التحركات الصغيرة: الأقمار الصناعية قادرة على كشف التحركات الدقيقة، مثل الحفريات التي تُجرى لبناء أنفاق أو مخابئ تحت الأرض. تقنيات التصوير بالرادار تستطيع تحديد الفجوات والفراغات تحت الأرض بناءً على التغيرات في انعكاس الإشارات الرادارية من سطح الأرض.
– كشف المنشآت: الأقمار الصناعية تستطيع تتبع بناء المنشآت الجديدة، حتى لو كانت تحت الأرض، عبر رصد التغيرات الطفيفة في التضاريس. على سبيل المثال، بناء مداخل أو مخارج أنفاق، يمكن كشفها بسهولة باستخدام تقنية “SAR” لأنها تتعقب الانعكاسات الأرضية.

٢- تحديد مواقع الأنفاق والتحصينات تحت الأرض:
– التصوير الراداري متعدد النطاقات (Multispectral Imaging): يمكن استخدام هذه التكنولوجيا لتحليل الطبقات الجيولوجية والتغيرات الطبوغرافية بشكل دقيق. إذا حدث حفر أو بناء تحت الأرض، فإن هذه التقنيات قادرة على رصد تلك الأنشطة من خلال اكتشاف تغيرات في الانعكاسات الجيولوجية.
– تكنولوجيا الرصد الحراري: الأقمار الصناعية المزودة بأجهزة استشعار حراري يمكنها تتبع الأنشطة البشرية بناءً على حرارة الأجسام أو الآليات المستخدمة. على سبيل المثال، الآلات الثقيلة المستخدمة في الحفر تنتج حرارة يمكن رصدها.

٣- الطائرات بدون طيار (الدرونز)والمراقبة المستمرة والتفصيلية:
– الاستطلاع المستمر: الطائرات بدون طيار (الدرونز) تقدم ميزة رئيسية تتمثل في قدرتها على التحليق فوق مناطق محددة لفترات طويلة من الزمن. تستطيع الدرونز المجهزة بكاميرات حرارية وكاميرات عالية الدقة مراقبة الأنشطة النهارية والليلية على مدار الساعة.
– رصد التحركات الفردية: الدرونز المتقدمة يمكنها تعقب حركة الأفراد والمركبات عبر التضاريس المختلفة، حتى في المناطق النائية والوعرة. تتمتع هذه الطائرات بقدرات تكبير هائلة تسمح برؤية التفاصيل الدقيقة، مثل الأفراد الذين يقومون بحفر أو بناء مواقع جديدة.

٤- كشف الأنشطة تحت الأرض:
– تقنية الرادار الأرضي المخترق (Ground Penetrating Radar – GPR): بعض الطائرات بدون طيار مزودة برادارات أرضية قادرة على اكتشاف التغيرات في طبقات الأرض، مما يمكنها من اكتشاف الأنفاق أو أي نشاط تحت الأرض. يتم ذلك عبر إرسال موجات رادارية تخترق التربة وتكشف عن الفجوات أو الأنشطة البشرية أسفل السطح.
– الرادارات الأرضية (Ground-Based Radars) ورصد الأنشطة البشرية والرادارات الأرضية المتقدمة: تتمكن من رصد الأنشطة على الأرض من مسافات بعيدة، وهي قادرة على اكتشاف التغيرات الدقيقة في حركة الأفراد أو الآليات الثقيلة مثل الحفارات أو الشاحنات. هذه الرادارات تستطيع تتبع النشاطات البشرية، حتى لو كانت داخل منشآت محمية أو خلف الحواجز.
– الكشف تحت الأرض ورادارات كشف الأنفاق: تم تطوير أجهزة رادار محمولة تستطيع اكتشاف الأنفاق أو التحصينات الموجودة تحت الأرض. هذه التكنولوجيا مفيدة للغاية في تحديد مواقع الأنفاق العابرة للحدود، والتي يستخدمها حزب الله لتهريب الأسلحة أو التحرك بين نقاطه العسكرية.

٥- الهجمات السيبرانية والاستخبارات الإلكترونية (Cyber Intelligence)واستخدام الأدوات السيبرانية لتحديد الأنشطة:
– التجسس الإلكتروني: يمكن لإسرائيل استخدام القدرات السيبرانية لاختراق شبكات الاتصالات التي يستخدمها حزب الله. من خلال اعتراض المحادثات الهاتفية والبيانات الإلكترونية، يمكن معرفة مواقع البناء أو الأنفاق أو التحصينات الجديدة.
– الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة: تستخدم إسرائيل الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الضخمة التي تجمعها من مختلف المصادر (مثل الطائرات بدون طيار، الأقمار الصناعية، التنصت على الاتصالات). الذكاء الاصطناعي يمكنه ربط المعلومات مع بعضها البعض للتوصل إلى صورة واضحة حول الأنشطة السرية التي قد تكون جارية على الأرض.
– التشويش والتعطيل الإلكتروني والهجمات السيبرانية: يمكن استخدام الهجمات السيبرانية لتشويش أو تعطيل الأنظمة الإلكترونية المستخدمة في الحفر أو البناء. على سبيل المثال، يمكن تنفيذ هجمات لتعطيل المعدات المستخدمة في بناء الأنفاق أو لتحليل البيانات المسروقة حول تحركات المعدات الثقيلة.

٦- الأدوات الاستخباراتية البشرية (HUMINT)والتغلغل البشري في المنظمات:
-“الجواسيس والعملاء المحليون: إسرائيل تعتمد أيضًا على جمع المعلومات من خلال العملاء المحليين. يمكن تجنيد الأفراد الذين يعملون في البناء أو النقل أو حتى في صفوف حزب الله لجمع معلومات حول التحركات السرية مثل بناء الأنفاق أو نقل الأسلحة.
– التعاون مع شبكات التهريب وتجنيد المهربين: العديد من عمليات التهريب التي يعتمد عليها حزب الله تتطلب وجود جهات اتصال متعددة على طول خطوط التهريب، وهنا يمكن لإسرائيل تجنيد بعض هذه الجهات أو حتى زرع عملاء داخل شبكات التهريب لمراقبة عمليات الاستيراد، البناء، والتسليح.

٧- التقنيات الحرارية والليلية (Thermal and Night Vision Technologies)والتكنولوجيا الحرارية:
– استخدام الكاميرات الحرارية: الكاميرات الحرارية التي تستخدمها الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار يمكنها رصد الأنشطة الليلية أو تحت الأرض من خلال اكتشاف الفروقات في درجات الحرارة. على سبيل المثال، عندما يتم حفر أنفاق أو نقل أسلحة تحت الأرض، فإن حرارة الأدوات المستخدمة أو التجمعات البشرية يمكن اكتشافها.
– الرؤية الليلية المتقدمة: تكنولوجيا الرؤية الليلية تمكن الطائرات بدون طيار والقوات البرية من مراقبة المناطق ليلاً. حتى في حالة العمليات السرية التي تحدث بعد غروب الشمس، يمكن للأدوات المزودة بتقنيات الرؤية الليلية رصد التحركات بدقة.

٨- التحديات والمحددات:
– التضاريس الوعرة: على الرغم من تطور التقنيات، فإن التضاريس اللبنانية، وخاصة المناطق الجبلية والكهوف، تشكل تحديًا كبيرًا. قد يتمكن حزب الله من استغلال هذه التضاريس الطبيعية لإخفاء بعض منشآته عن الأنظار.
-“التمويه العسكري: يمتلك حزب الله خبرة واسعة في استخدام التمويه العسكري. يمكن للحزب أن يبني منشآت تبدو كأنها مدنية أو يستخدم مداخل مخفية للأنفاق، مما يصعب على الأدوات الاستخباراتية اكتشافها.
-“التدابير المضادة: يمكن لحزب الله استخدام تقنيات مضادة، مثل أجهزة التشويش أو الأنظمة السيبرانية لتعطيل المراقبة الإسرائيلية أو خداعها عبر أنشطة مضللة.

* الصراع المعقد بين حزب الله والكيان : حرب مفتوحة، توازنات القوى، ومستقبل المواجهة.
في ظل اشتباكات ضارية تدور على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، يشهد الصراع بين حزب الله والعدو تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق. مع محاولات مكثفة لعمليات توغل من قبل الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية، الذي يدفع بستة ألوية من نخبة قواته في محاولة لتوجيه ضربات حاسمة ضد مواقع حزب الله، إلا أن القوات الإسرائيلية تتكبد خسائر هائلة في صفوف جنودها، مما يضع إسرائيل أمام تحدٍ استراتيجي كبير.

حزب الله، الذي أثبت قدرته على الصمود واستيعاب الهجمات، يعيد تأكيد دوره كقوة مقاومة صامدة وثابتة وبارزة في لبنان وعلى حدوده وفي المنطقة في ظل اغتيال السيد حسن نصرالله وعدد كبير من قادته.

– إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عدم وقف إطلاق النار، بالرغم من الخسائر الكبيرة التي يتكبدها جيشه، يعكس تعنتًا إسرائيليًا وتصميمًا على تحقيق مكاسب ميدانية بأي ثمن.
هذا الموقف المتصلب يضع إسرائيل في مواجهة مع قوى محور المقاومة الممتد من لبنان وسوريا والعراق واليمن إلى إيران، حيث شهدت الأيام الأخيرة هجومًا صاروخيًا إيرانيًا مكثفًا على إسرائيل، شمل إطلاق 200 صاروخ باليستي باتجاه مواقع استراتيجية إسرائيلية، مما زاد من تعقيد المشهد العسكري والسياسي.

* التحدي الاستخباراتي: كشف بنية حزب الله مقابل بنية المقاومة السرية.
أحد أبرز عوامل استمرار الصراع هو نجاح إسرائيل في كشف جزء كبير من بنية حزب الله العسكرية، لكن رغم التفوق الاستخباراتي والتكنولوجي الإسرائيلي، فإن بنية المقاومة السرية لحزب الله ما زالت عصية على الكشف.
هذه المقاومة المعتمدة على خلايا صغيرة ومستقلة، لا تزال قادرة على إلحاق ضربات نوعية بالعدو، وتستمر في العمل تحت الأرض بشكل غير مرئي تقريبًا للأدوات الاستخباراتية الإسرائيلية.
– الاعتماد الكبير على التكنولوجيا، مثل الأقمار الصناعية، الطائرات بدون طيار، والذكاء الاصطناعي، ساعد إسرائيل في توجيه ضربات دقيقة ضد أهداف عسكرية معلنة لحزب الله، ولكن الفشل في كشف بنية المقاومة السرية جعلها عاجزة عن تحقيق حسم عسكري نهائي.
هذه المجموعات التي تنتشر على نطاق واسع داخل الأراضي اللبنانية، تعمل بأساليب هجينة بين التقليدي والحديث والتكنولوجي وبدون الحاجة إلى، مما يجعل رصدها صعبًا ويزيد من فعالية عملياتها في مواجهة جيش مدجج بتكنولوجيا عالمية.

* وحدة الساحات: مواجهة إقليمية متعددة الأبعاد.
من السمات البارزة لهذه الحرب المفتوحة، هو اتساع رقعة المواجهة لتشمل عدة جبهات في إطار ما بات يُعرف بوحدة الساحات.
لم تعد المعركة محصورة بين إسرائيل وحزب الله فقط، بل امتدت إلى سوريا وإيران. هجوم إيران الأخير بالصواريخ الباليستية على إسرائيل يعد تطورًا خطيرًا في سياق المواجهة، ويظهر عمق التحالف بين مكونات محور المقاومة، التي ترى في التصعيد العسكري وسيلة للضغط على إسرائيل ومحاولة كسر هيمنتها العسكرية في المنطقة.
– كما أن التنسيق بين الفصائل الفلسطينية في غزة، وحزب الله في لبنان، والفصائل المدعومة من إيران في سوريا والعراق، يشير إلى توحد استراتيجي في المواجهة مع إسرائيل.
هذا التوحد يعزز من قدرة محور المقاومة على المناورة العسكرية والسياسية، ويزيد من الضغوط على إسرائيل التي تجد نفسها أمام خصوم متعددين ومتزامنين على أكثر من جبهة.

* السيناريوهات المحتملة: مواجهة مفتوحة أم تسوية سياسية؟
في ظل استمرار الدعم الأميركي والأوروبي، إلى جانب دعم بعض الدول العربية المطبعة لإسرائيل، يبقى السؤال المطروح هو إلى أين سيقود هذا التصعيد.
التدخل الأميركي يأتي عبر تقديم مساعدات عسكرية ومخابراتية هائلة لإسرائيل، وكذلك الضغط الدبلوماسي على الساحة الدولية لتأمين شرعية التحركات الإسرائيلية. من جانب آخر، تحاول بعض الدول العربية المطبعة أن تلعب دور الوسيط لتخفيف التوتر، مع حفاظها على علاقات استراتيجية مع إسرائيل، مما يخلق توازنًا هشًا في المنطقة.

– السيناريو الأول: تصعيد عسكري أوسع مع احتمال اندلاع حرب إقليمية شاملة. إذا استمرت إسرائيل في محاولاتها لاختراق الأراضي اللبنانية والقضاء على حزب الله، فإن الرد العسكري من محور المقاومة، وبالأخص من إيران وحزب الله، قد يتصاعد ليشمل هجمات أوسع على إسرائيل، وربما على مصالح أميركية وغربية في المنطقة.

– السيناريو الثاني: توازن الرعب واستمرار المواجهات المحدودة. قد تسعى إسرائيل ومحور المقاومة إلى إدارة الصراع بشكل محدود لتجنب اندلاع حرب شاملة. هذا السيناريو يعتمد على قدرة الطرفين على تحمل الخسائر دون السعي إلى تصعيد أكبر، مع التركيز على تعزيز الردع المتبادل.

– السيناريو الثالث: تسوية سياسية تحت الضغط الدولي. في ظل الضغوط الدولية المتزايدة والجهود الدبلوماسية التي تقودها بعض الدول الكبرى، قد يتم الوصول إلى نوع من التسوية السياسية المؤقتة، التي تسمح للطرفين بوقف التصعيد دون تنازلات كبيرة.

* رؤية استراتيجية للصراع المستمر.
إن الصراع بين إسرائيل وحزب الله اليوم هو أكثر من مجرد مواجهة عسكرية، بل هو اختبار لقوة محور المقاومة وقدرته على الحفاظ على وحدته وصموده في مواجهة التحالف الإسرائيلي-الأميركي-الأوروبي. ومع تعنت نتنياهو وإصراره على استمرار العمليات العسكرية، يبدو أن الصراع سيتجه نحو مزيد من التصعيد قبل الوصول إلى أي حل سياسي.

* خلاصة:
الحرب الاستخباراتية بين إسرائيل وحزب الله هي واحدة من أكثر الصراعات تعقيدًا في المنطقة، حيث تتداخل فيها الأساليب التقليدية مع التكنولوجيات الحديثة. على الرغم من القدرات الهائلة التي تتمتع بها إسرائيل في مجال الاستخبارات الفضائية والسيبرانية، إلا أن حزب الله نجح في تطوير تكتيكات مضادة بفضل دعمه الإيراني واستفادته من التضاريس الجغرافية اللبنانية.

هذه الحرب المتقدمة على الصعيد التكنولوجي والاستخباراتي ليست مجرد مواجهة بين أسلحة وجيوش، بل هي معركة عقول تتضمن الابتكار والتطوير المستمر لكسب أفضلية في ساحة المعركة، سواء كانت على الأرض أو في الفضاء السيبراني.

رغم التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي وكشفه لجزء كبير من بنية حزب الله العسكرية، يبقى الفشل في اختراق بنية المقاومة السرية أكبر تحدٍ لإسرائيل. قدرة حزب الله على المناورة من خلال هذه المجموعات السرية، واستمرار محور المقاومة في تعزيز تماسكه الإقليمي، يجعل من الصعب على إسرائيل تحقيق نصر حاسم.

الرؤية الاستراتيجية تشير إلى أن هذا الصراع قد يظل طويل الأمد، مع احتمالية اندلاع مواجهات أكبر على مستوى إقليمي إذا لم يتم التوصل إلى حلول دبلوماسية. وفي الوقت نفسه، ستظل الحرب الاستخباراتية والتكنولوجية هي المحرك الأساسي للصراع، حيث يتنافس الطرفان على تفوق استخباراتي قد يحدد شكل الصراع في المستقبل.

ومع تصاعد الدعم الأميركي والأوروبي لإسرائيل، وكذلك التواطؤ من بعض الدول العربية المطبعة، يبدو أن الحرب ضد محور المقاومة تتعزز بشكل متزايد، مما يعكس واقعًا دوليًا معقدًا. ومع ذلك، فإن الوضع الجيوسياسي في المنطقة يشهد تفاعلات متعددة، حيث تلعب روسيا والصين أدوارًا متزايدة في إطار دعم حلفاءهم، ما يضيف أبعادًا جديدة إلى الصراع.

ومع استمرار الجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين في لبنان وغزة، تتزايد الضغوط الدولية على إسرائيل، لكن يبدو أن هذه الضغوط لا تعيقها في تنفيذ خططها العسكرية. إذا استمرت الأوضاع في هذا الاتجاه، فقد نشهد انفجارًا أكبر من الصراع، يهدد بتغيير معالم المنطقة بأسرها، مما يتطلب من جميع الأطراف، بما في ذلك المجتمع الدولي، اتخاذ خطوات عاجلة نحو الحلول السلمية.

زر الذهاب إلى الأعلى