سيد المقاومة الذي لا يغادر ولا ينحني/ د. محمد حسن خليفة
إنه سماحة السيد، العنيد في مقاومته، الملتزم في حروبه بإنسانيته، كان جمهوره وخصمه وعدوه يصدقون ما يقول، وكان يوفر عليهم عناء البحث عن الحقيقة، لأن قوله الصدق والفصل والحق.
إنه المؤمن المتنور المتفقه المتبحر التقي الورع العالم العارف الطاهر الصادق الصدوق المؤتمن، والمجاهد المرابض المقاتل المقاوم العسكري القائد المحارب الصامد المنتصر.
ظل يقارع المحتل حتى صرعه، وأخرجه ذليلاً عام 2000، متابعاً إنجازات قادة المقاومة، من محمد سعد وخليل جرادي إلى راغب حرب وعباس الموسوي، حتى رسم علامة النصر باسمه، مرسخاً عهد المقاومة في صناعة التاريخ، كقوة حق رادعة، تقلق العدو وتحول ترسانته إلى منظومة دفاع، في انتظار فعل المقاومة.
إنه سماحة االسيد، الذي أصبح ظلاً للمقاومين، يمشي بهامته معهم، صار خبزهم، ملح حياتهم، أيقونة عشقهم، ملاذ خوفهم، شارة نصرهم، بحر احلامهم، جمال وطنهم، مهد اعمارهم، سر قيامتهم، لحظة انتظارهم، قبلة غدهم، مسك ختام أحلامهم، فاتحة نهاراتهم، مفتاح عبورهم، ضحكة مساءاتهم، جوهرة ارواحهم، تسبيحة صلاتهم، وموطن عيونهم، وكتابهم ودفترهم ومدرستهم ولغتهم وكلمتهم وصوتهم ودعاءهم ووعدهم.
كان في كل عاشوراء يعيد انتماء المقاومة لثورة كربلاء، وكانت الجماهير تنتظر إشارته لتلبي نداء الحسين، وظل حسينياً حتى آخر لحظة من عمره، فاستشهد مع الخلص القادة، فكان قائد الشهداء القادة.
إنه المحارب الذي لا يستريح، القابض على السلاح، والضاغط على الزناد، أنه أنظروا إليها تحترق، أنه سورة النصر في كتاب الجهاد، الثابت الذي لا يتزحزح ولا يترنح ولا يهادن ولا يخون ولا يغدر ولا يعبث ولا يطعن ولا يهرب ولا يتراجع ولا يسقط، أنه القائد القدوة، كل أهل الأرض يصدقونه بدون تردد، إنه اليقين للكل، يتواجد معنا من حيث نحتسب ومن حيث لا نحستب، كما يباغت العدو من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب، وسيظل هذا سلاح المحاربين من بعده، بل معه وفي ظل عباءته وطلته.
غريب ذلك السيد، يطل في كل مناسبة ليطمئن من معه، يثلج صدورهم في عزّ قلقهم وخوفهم وحيرتهم ويأسهم وضياعهم، فيعيد لهم الأمل، بل صار الأمل الذي لا يخيب، وصارت ساعتهم تُضبط على عقارب زمنه، حتى أيقنوا بأنه معهم ومرافقهم وظلهم الذي لا يفارق أرواحهم، ونبض قلوبهم الغارقة في عشقه، وباتوا لا يتخيلون حياتهم بدونه، وهم على موعد قادم لطلته، ينتظرون بلهفة عيونهم رفع يده، وإصبعه، وتكرار وعده لهم بالنصر، ومسح لحيته بوقار خجلاً من البعد عنهم، وهو الذي قتله الشوق لمصافحة أياديهم المقاومة.
ها نحن في لحظة شوق، وسنظل ننتظر، بل سنظل نلتقي، ولن نقول وداعاً، بل سنستقبلك يا سيد المقاومة بنصرك هزّ الدني.