بأقلامنا

التوازنات العسكرية والسياسية ودور ح زب الله ومستقبل الصراع الإقليمي. بقلم د. شريف نورالدين

بتاريخ: ١ / ٩ / ٢٠٢٤

 

في سياق التطورات الأخيرة، برز حزب الله كلاعب أساسي في المشهد السياسي والعسكري اللبناني، خاصة بعد العروض التي قدمتها له دول غربية وعربية كبرى. تعكس هذه العروض نجاح الحزب في فرض معادلة عسكرية قوية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، رغم الدمار الذي تكبده جنوب لبنان، وتُثار العديد من التساؤلات حول دور حزب الله والرئيس نبيه بري في أي مفاوضات مستقبلية تتعلق برئاسة الجمهورية، الحدود، تعديل القرار 1701، ومستقبل الصراع في المنطقة، خصوصًا في ظل الحرب الحالية في فلسطين.

* الوضع الراهن وتحليل القوى الفاعلة.
– حزب الله القوة العسكرية والسياسية: أثبت حزب الله قدرته على فرض نفسه كلاعب رئيسي في الساحة اللبنانية والإقليمية، حيث نجح في تحويل قوته العسكرية إلى نفوذ سياسي يعزز موقفه في أي مفاوضات مستقبلية، في ظل ضعف خصومه في تقديم استراتيجيات بديلة قابلة للتطبيق.

– الرئيس نبيه بري شريك استراتيجي: يلعب الرئيس نبيه بري دورًا محوريًا في المشهد السياسي اللبناني كحليف أساسي لحزب الله، مما يجعله شريكًا لا غنى عنه في أي مفاوضات تتعلق بمستقبل لبنان على الصعيدين الداخلي والخارجي.

– البيئة السياسية الداخلية: يواجه لبنان حالة من الاستقطاب السياسي الحاد، حيث تفتقر القوى المعارضة لحزب الله إلى استراتيجية واضحة ومتماسكة للتعامل معه، مما يزيد من تعقيد الأمور داخليا في المرحلة القادمة وما ستؤدي حرب غزة واسنادها الى نتائج تحدد طبيعة التسويات.

– إعادة الإعمار : يعتمد مستقبل القرى الجنوبية اللبنانية على قدرتها على العودة إلى الحياة الطبيعية، وهو ما يرتبط بشكل وثيق بوقف الحرب على غزة وبعودة سكان الجليل نوعا ما إلى مناطقهم، وتحقيق هذا الهدف قد يتطلب اتفاقًا أوسع برعاية دولية يشمل إعادة إعمار المناطق المتضررة وضمان الأمن على الحدود.

* الحلول المقترحة.
– تطوير استراتيجية وطنية شاملة: تحتاج القوى السياسية اللبنانية إلى تبني استراتيجية وطنية شاملة تأخذ في الاعتبار التوازنات الداخلية والإقليمية، وتقدم رؤية موحدة حول سلاح حزب الله بطريقة تحفظ استقرار لبنان وسيادته وحمايته من العدوان.

– تعزيز التفاوض برعاية دولية: من الضروري الدعوة إلى مفاوضات مباشرة بين الأطراف اللبنانية والإقليمية، برعاية دولية، بهدف الوصول إلى تفاهمات حول الملفات الشائكة مثل ترسيم الحدود وتعديل القرار 1701.

– الاستثمار في إعادة الإعمار والتنمية: يجب أن تركز الحكومة اللبنانية، بالتعاون مع المجتمع الدولي، على إعادة إعمار المناطق المتضررة وتقديم الدعم اللازم لسكان الجنوب، مما قد يساهم في تعزيز الاستقرار والحد من التوترات.

* الانتقال إلى الواقعية والخروج من زمن الشعارات.
– تبني مقاربة واقعية: يجب على جميع الأطراف اللبنانية تبني مقاربة واقعية تأخذ في الاعتبار المخاطر الحالية وتعمل على تقليلها من خلال حلول عملية وقابلة للتنفيذ، الابتعاد عن الخطاب الشعبوي والتركيز على تقديم بدائل استراتيجية مدروسة هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة تحت سقف التقارب والتفاوض والتنازل والحوار البناء.

* الأبعاد الإقليمية والدولية للصراع.
– استراتيجية إلكيان: الاستنزاف والاغتيالات: يعتمد إلكيان على سياسة الاستنزاف ضد حزب الله من خلال عمليات محدودة واغتيالات تستهدف قياداته، في محاولة لتقويض قوته دون الدخول في حرب شاملة، ومع ذلك قد تكون هذه السياسة غير فعالة على المدى الطويل، خصوصًا إذا لم تأتِ الانتخابات الأميركية المقبلة بما يخدم المصالح الإسرائيلية.

– الدور الأميركي وساطة أم تصعيد؟ تلعب الولايات المتحدة دورًا مركزيًا في التأثير على مسار الأحداث، سواء من خلال الضغط على الأطراف للوصول إلى تسوية سياسية أو من خلال دعم السياسات الإسرائيلية في المنطقة، ويعتمد مستقبل الصراع بشكل كبير على الموقف الأميركي وما إذا كانت واشنطن ستتبنى سياسة الوساطة أو التصعيد.

– انعكاسات الوضع السوري على الداخل اللبناني: يشكل الصراع في سوريا جزءًا من المعادلة الإقليمية الأوسع، حيث يحتفظ حزب الله بنفوذ كبير في الساحة السورية، وهو ما يعزز موقفه التفاوضي في لبنان والمنطقة.

* السيناريوهات المحتملة.
– تسوية عبر الوساطة الدولية: قد تضغط القوى الدولية بقيادة الولايات المتحدة، للوصول إلى تسوية سياسية تضمن استقرارًا نسبيًا، هذا السيناريو يتطلب تقديم تنازلات من جميع الأطراف بما في ذلك حزب الله، وهو ما قد يكون صعب التحقيق دون ضمانات أمنية واقتصادية للبنان.

– تصعيد عسكري وتوسيع نطاق الصراع: في حال فشل التسوية، قد يتجه حزب الله والكيان إلى تصعيد عسكري واسع يشمل مناطق جديدة في جنوب لبنان وشمال فلسطين، هذا السيناريو يحمل مخاطر كبيرة على الاستقرار الإقليمي وقد يؤدي إلى مشاركة أو تدخلات دولية واسعة.

* سقوط حكومة نتنياهو المتطرفة والأزمات الداخلية:
– تداعيات الأزمة الاقتصادية قبل الحرب على غزة وبعدها: عان الكيان في السنوات الأخيرة من تباطؤ اقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة، وتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، هذه التحديات أثرت سلبًا على شعبية حكومة نتنياهو وزادت من حدة الاحتجاجات بداية وتفاقمت بشكل اكير مما يهدد الكيان برمته في ركود وبطالة وتضخم تصل الى الركود والكساد حتى حافة الانهيار في حال استمرار المواجهة او توسعها الى حرب…

– الانقسامات السياسية: تسببت السياسات المتشددة لحكومة نتنياهو في تعميق الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، خاصة بين التيارات العلمانية والدينية، وبين اليمين واليسار السياسي. هذه الانقسامات قد تساهم في ضعف التأييد الشعبي للحكومة.

– تداعيات سياسات الإصلاح القضائي: أدى سعي حكومة نتنياهو إلى تمرير إصلاحات قضائية مثيرة للجدل إلى إشعال الغضب الشعبي، اعتبر كثيرون هذه الإصلاحات تهديدًا لاستقلالية القضاء وتراجعًا عن (المبادئ الديمقراطية)، مما دفع مئات الآلاف للخروج إلى الشوارع للاحتجاج سابقا، وقد يعاد فتح ملفات الفساد لنتنياهو في ظل العدوان على غزة دون تحقيق اهداف حربه، مع تعطيله الى اي اتفاق او هدنة يحول دون الوصول الى حل…

– عدوان على الضفة: هو الرد على الرد الاخير لحزب اله ، حيث استطاع تكبيل الكيان وجيشه من المغامرة الكبرى مع المقاومة واعادة حساباته في فتح حرب تتعدى حدود وجغرافيا المنطقة، وهذا ما دفع نتنياهو للهروب من مأزقه لفتج جبهة الضفة والعدوان عليها، وفي ظل حرب غزة، قد يشهد الصراع في الضفة الغربية تصاعداً في العنف بسبب التوترات المتزايدة، يمكن أن يؤدي هذا إلى تدخل دولي أكبر، مع جهود دبلوماسية لمنع التصعيد، وهذا ما أدى الى قتل المئات من اهل الضفة بما يقارب ٦٠٠ شهيد منذ اندلاع المواجهة في غزة قد تع، مع ارتفاع حدة التوتر التوترات مع اهل الضفة ومقاومتها، وهذا بدوره يؤثر سلباً على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية و اضعاف السلطة الفلسطينية.

– الضغط الشعبي والإعلامي: خروج مظاهرات حاشدة ضمت شرائح واسعة من المجتمع ، بما في ذلك الطبقة الوسطى، والذين عبروا عن رفضهم لسياسات نتنياهو من عرقلة المفاوضات ووقف الحرب.

– دور وسائل الإعلام: تلعب وسائل الإعلام، سواء التقليدية أو الرقمية، دورًا كبيرًا في تأجيج الاحتجاجات من خلال تسليط الضوء على حقيقة ما يجري في غزة والضفة ولبنان وشماله ودعم الحركات الاحتجاجية.

* التداعيات السياسية لسقوط حكومة نتنياهو.

– إعادة تشكيل الخارطة السياسية: سقوط حكومة نتنياهو سيؤدي إلى تغييرات جوهرية في المشهد السياسي للكيان، حيث تبرز قوى جديدة، مع تراجع نفوذ الأحزاب التقليدية التي تدعم نتنياهو.

– علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة: قد يؤثر موقف نتنياهو من الحرب على العلاقات الإسرائيلية-الأميركية، خاصة في ظل إدارة أميركية تختلف في توجهاتها السياسية عن نتنياهو مع كل الدعم المطلق لكيانه بالمال والسلاح وبمشاركة مباشرة وفاعلة في خوض حربه في المنطقة، هذا التغيير قد يؤدي إلى تعديل في السياسات تجاه الملفات الحساسة مثل الملف النووي الإيراني وعملية السلام.

* السيناريوهات المستقبلية للكيان.
– تصعيد الاحتجاجات: قد تستمر الاحتجاجات الشعبية، مما قد يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار السياسي وتفاقم الازمات والضغوط على نتنياهو وحكومته المتطرفة، للرضوخ والاستجابة لوقف الحرب .

– انتخابات مبكرة: زادت احتمالية إجراء انتخابات مبكرة بسبب الانقسام السياسي الذي خلفه العدوان على غزة ولبنان والن الضفة ، ما يفتح الباب أمام صعود قيادات جديدة وإعادة ترتيب التحالفات السياسية.

– تشكيل حكومة جديدة: قد تسعى القوى السياسية المختلفة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع بين الأطياف السياسية المختلفة لتجاوز الأزمة الحالية وتحقيق الاستقرار السياسي.

* خلاصة: يشكل سقوط حكومة نتنياهو حدثًا محوريًا في تاريخ إلكيان السياسي، حيث يعكس تحولًا كبيرًا في المزاج الشعبي والإرادة السياسية، وما يحمل أيضًا من مخاطر تتعلق بالاستقرار السياسي والاجتماعي في ووجود كيانه وموت الحياة والعيش فيه، وتعتمد المرحلة المقبلة على قدرة القوى السياسية على التكيف مع المتغيرات واستجابة الكيان المهزوم المأزوم، في ظل تسوية مزعومة رغما عنه، لا تؤدي به الى اي تحقيق من اهداف عدوانه او اي انتصار ولو وهمي…

وهذا ما يشهده الكيان في الآونة الأخيرة وتداعيات هذا السقوط والفشل على المشهد السياسي في إسرائيل وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي.

وفي ظل التحديات الكبيرة التي تواجه لبنان، يبقى الحل الأمثل هو التوصل إلى توافق داخلي قبل كل شيء مع امكانية دعم وجهود إقليمية ودولية، لذا يتطلب من جميع الأطراف المعنية إظهار مرونة واستعداد لتقديم تنازلات متبادلة، بما يضمن استقرارًا مستدامًا للبلاد ويجنبها مخاطر التصعيد العسكري والازمات المتتالية من اقتصادي ومالي في ظل الوضع الراهن لما يجري في المنطقة من صراع وفساد داخلي متجذر وفراغ سلطة وانقسام حاد وعقوبات خارجية صهيواميركية عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى