أخبار لبنان

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بالأخذ بهدي الصَّفوة الطيّبة الَّتي أخلصت لرسول الله(ص) وأحسنت صحبته، ومن هؤلاء أبو دجانة؛ هذا الصّحابيّ الّذي شهد معركة أُحُد؛ المعركة الّتي حصلت فيها انتكاسة للمسلمين، أدّت إلى فرار الكثيرين منهم، هرباً إلى دنياهم، وخوفاً من الموت.
ولكنَّ هذا الرّجل بقي ثابتاً مع قلّة من الصّحابة، فدفع عن رسول الله(ص) سيوف قريش ورماحهم وحجارتهم. يومها، أشفق عليه رسول الله(ص) وقال له: “يا أبا دجانة، إلحق بقومك وانجُ بنفسك، فأنت في حلٍّ من بيعتي”. عندها، بكى هذا الصّحابي وقال: “لا والله، لا جعلت نفسي في حلٍّ من بيعتي لك، إنّي بايعتك ولن أتخلّى عنك، فإلى من أنصرف يا رسول الله؛ إلى زوجةٍ ستموت، أو ولدٍ لن يبقى، أو دارٍ تخرُب، أو مالٍ يفنى، أو دنيا ستزول، أو أجل يقترب؟ أبقى معك يا رسول الله حتّى أموت دونك، لأحظى بصحبتك في الدّنيا وفي الآخرة”.
وبقي أبو دجانة يقاتل، وحوّل جسده إلى ترسٍ يقي به رسول الله(ص)، حتى أُثخن بجراح السّيوف والرّماح والحجارة، وما إن سقط على الأرض، حتّى حمله عليّ(ع)، وجاء به إلى رسول الله(ص)، فقال له: “يا رسول الله، أوفيت حقّك؟ فقال له رسول الله(ص): “نعم، أنت معي في الجنّة، كما كنت معي في الدّنيا”.
أيّها الأحبَّة، بمثل هذا الثّبات وهذه التَّضحية وهذا السموّ، استطاع المسلمون أن يواجهوا التحدّيات، وأن يحقّقوا الانتصارات، وببقاء هذه الرّوح، نضمن أن نواجه التحدّيات.
والبداية من الوضع المعيشي والحياتي الذي يستمر في التأزم بفعل الارتفاع المستمر في الأسعار لعدم وجود رقابة الدولة على الأسعار ولقلة الموارد والإمكانات لدى اللبنانيين، والذي بات يهدد قدرة القطاع العام على الاستمرار.. وقد يصل إلى القطاع الخاص، والأخطر من ذلك هو ما نشهده من التفلت على الصعيد الأمني من ازدياد منسوب السرقات حتى في وضح النهار، رغم كل الجهود المش

المشكورة التي تبذلها القوى الأمنية على هذا الصعيد.
لقد بات واضحاً أن الحل لن يحصل بالترهل الذي نشهده على الصعيد السياسي والانقسام الحاصل بين مكوناته، بل بملء الفراغ على صعيد رئاسة الجمهورية أو الحكومة أو بقية المواقع، لكننا ونحن ندعو إلى ذلك، فإننا لا نريد له أن يملأ بأي كان، بل برئيس للجمهورية يكون على مستوى طموح اللبنانيين، وقادر على قيادة سفينة البلد إلى شاطئ الأمان، وحكومة تأخذ على عاتقها العمل لأجل النهوض بالوضع الاقتصادي والنقدي من خلال خطة تعاف على هذا الصعيد، وبسد منافذ الفساد والهدر وإعادة الأموال المنهوبة، تعيد الثقة المفقودة بالدولة على المستويين الداخلي والخارجي.
إن من المؤسف، أن لا يدعو كل ما يجري على صعيد البلد وإنسانه القوى السياسية أن تقوم بالدور المطلوب منها والذي يقع على عاتقها، بعدما أصبح واضحاً أن القرار بيدها وأن كلمة السر التي كان ينتظرها البعض من الخارج لن تأت وأن الكرة باتت في ملعب هذه القوى، والذي لن يتم إلا بتعاونها وتوافقها على من يكون الأولى بقيادة البلد وإدارته…

وفي انتظار ذلك، نجدد دعوتنا للحكومة إلى القيام بمسؤوليتها في التخفيف من الأعباء على المواطنين بدلاً من السياسة التي لا تزال تعتمدها بزيادة الأعباء عليهم من خلال زيادة الضرائب والرسوم لتأمين احتياجاتها. في الوقت الذي لا تقوم هي بالدور المطلوب منها تجاههم، فالدولة التي تأخذ لا بد أن تعطي مقابل ما تأخذه.
وعلى الصعيد القضائي، فإننا أمام ما يجري في القضاء نجدد دعوتنا إلى العمل لحماية القضاء وإبقائه بعيداً عن التدخلات السياسية وغير السياسية، وأن لا يكون مطية لأحد، بل سيفاً مسلطاً على رؤوس الفاسدين والمفسدين والناهبين للمال العام والمتلاعبين بمقدرات الدولة والناس وكل من لا يريد خيراً لأمن هذا البلد واستقراره.
لقد قلناها ونقولها الآن؛ أن البلد لا يبنى إلا بقضاء نزيه وعادل وبقضاة يكونون على مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم وأحرار في قراراتهم…
وبالانتقال إلى العلاقات العربية والإسلامية، فإننا ننظر بعين الإيجابية، لأي لقاء عربي أو إسلامي جرى ويجري، وندعو إلى تعزيزه والبناء عليه لكونه الطريق الأسلم لمعالجة الأزمات التي يعاني منها العالم العربي والإسلامي بروح اللقاء والتعاون والتنسيق.
وفي هذه الأجواء، نجدد الدعوة للدول العربية والإسلامية إلى أن يكونوا على مستوى التحدي لدعم السودان في وحدته وثروته الوطنية، ولإيقاف نزيف الدم المستمر والعودة إلى لغة الحوار والتفاهم بين مكوناته.
وأخيراً تستمر معاناة الشعب الفلسطيني من خلال استمرار العدو باعتداءاته على الضفة الغربية وقطاع غزة، وما يحصل في سجون العدو من ظلم وامتهان للأسرى، والذي تجلى مؤخراً في الإهمال المتعمد لإضراب الأسير الشيخ خضر عدنان عن الطعام كتعبير أراد من خلاله التركيز على معاناة الأسرى ورفع الصوت لإنقاذهم من سجانهم…
إننا في الوقت الذي نؤكد فيه على ضرورة التضامن مع هذا الشعب ومع عنوان الاستشهاد الذي جسده الشيخ خضر عدنان في مواقفه وصلابته، نحيي المقاومة الباسلة والمتواصلة ضد العدو، وندعو الجميع لتحمل مسؤولياتهم حيال القضية الفلسطينية وهذا الشعب الحي الذي أعادها إلى دائرة الضوء على الرغم من أنف العدو وكل من ساعده في عدوانه واحتلاله وفي التغطية على جرائمه المتلاحقة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى