بأقلامنا

وجدتك أخيراً تغادرنا بقلم الدكتورة سلوى الخليل الأمين

ثقافة
وجدتك أخيرا تغادرنا

الشاعر الراحل محمد علي شمس الدين.

13-09-2022 | 00:00 المصدر: “النهار”

الدكتورة سلوى الخليل الامين

وجاءني الخبر الحزين… فصعقت، فإله الموت جاءه منادياً، ولبّى النداء.

رحل الشاعر الكبير #محمد علي شمس الدين، والجنوب راية خوف في برديه، والعروبة قهره المزمن، وقضيّة فلسطين هي الوجع الذي لا ينسى.

رحل الشاعر الكبير حاملاً أوجاع الفصول التي توالت على وطننا لبنان… فأدمته، وتركت في الجسد أوجاعاً لا تُحتمل، حملها شاعرنا ضميراً حيّاً مصغياً لطيور السماء، وأنين المتعبين المشلوحين على بيادر الوطن، كأنين نايات حزينة، تغطّ على حاضر ملوّث بالتعب.

من “قصائد مهرّبة إلى حبيتي آسيا”، أول إصداراته ال#شعرية، وقف محمد على شمس الدين على قمّة الجبل منادياً: أنا شاعر الزمن المتلفع قهر الموج، وتعب السنين، ودخان جبل عامل، وقهر المظلومين في الوطن، السابحين خلف تيارات الغربة، يحاولون رسم الحياة بأحرف نورانية جديدة، تحرث في الأرض صدى السنين الملوّثة بالغضب.

أنا الشاعر المكلوم الغاضب على أمّة، محت حضارتها وباتت تستجدي حضارات الغرب الأرعن، بل أنا العاشق المتعب بعشقي، الحامل جمرات الريح انحدارات سماء تبوح للمطر، بما يحمل هذا القلب من تعب المسارات وهموم الوطن.

 

0 seconds of 30 seconds
‏سينتهي هذا الإعلان خلال 20

محمد علي شمس الدين، يا راية ارتفعت فوق هضاب عاملة، ووقفت تقول: أناديك يا ملكي وحبيبي، أن تمسك هذه “الشوكة البنفسجية” وتهديها “طيور إلى الشمس المرّة”، وترسمها “غيم لأحلام الملك المخلوع”، ثم تقول بعد أن تتعب من النداء والرسم بالكلمات: “أما آن للرقص أن ينتهي”، ونعود معك إلى حلبات الشعر لنأنس بما تخطّه يراعاتك الذهبية، ونقرأ: أميرال البحر، ويحرث في الآبار، ومنازل النرد وممالك عالية، إلى أن تتحفنا بشيرازايات والغيوم التي في الضواحي… وغيرها من دواوينك التي حطّت فوق كل الأمكنة كطائر مسافر لا يهدأ عن الدوران، يمسك الغيم بين أصابعه كي يحيله بين الشفتين أنشودة للمساء، وللأفق الذي تجلى فوق السماوات السبع الطباق، ولمزامير تنتظر في حقول القصب، ورايات ترتفع فوق صواري الوطن، ترفع النشيد حرّية لا تهجر ولا تنحني ولا تغيب.

تقول: “يموج خصرها الندي/ مثل البحر موجتين: فموجة تودع السفن/ وموجة تكفن الغريق/ وبين مدّها وجزرها/ رميت رمح رغبتي”.

هل رغبت بوطن آمن تعلو مساحاته قصائد الشعراء؟ أم رغبت بوطن فيه حرية الفرد مؤمنة وعيشه مأمون؟ هل رغبت بوطن لا كالأوطان مكلّل بالغار والبنفسج، وزهر النرجس البري خلف صخور جبل الريحان وجبل سجد، تسرح فيه الحسان بدلال وهي تستمع لقصائدك الغزلية؟
آه زينب، ثم آه ثم آه، كم أتعبتك هذه القصيدة، وأنت ترى زينب تحت عجلات دبابة إسرائيلية، تلوّح لوطن الغياب والهجرة والموت والفقر والجوع والدواء الذي لا يشفي المرضى أمثالك، أيها الشاعر الذي خطفك الموت، كي تستأنف البحث في الهناك، عن مآسينا وأسبابها، وتسأل: هل كنّا خطّائين، هل نسينا أن نتعلم الحب.ّ.. ونمنحه جماليات الكون والإله؟

هذا ما بدأته حين كنت شاعراً وأديباً، وهذا ما ورثناه منك حين قرّرت الرحيل، لكأن الموت كان أسرع، لكن سنبقى معك على موعد القيامة لهذا الوطن… وطنك لبنان.

زر الذهاب إلى الأعلى