*في عين الحلوة … ينهض المجد من بين الركام بقلم أحمد مراد]*
في عين الحلوة، حيث تنكسر رياح العالم على أعتاب المخيم ولا تنكسر إرادة أهله، أمس سال الجرح من جديد، جرح قديم قِدَم المخيم ذاته، يمتدّ ست وسبعون عاماً من الحصار والظلم والقهر والعدوان ، لكنه جرحٌ لا ينزف هزيمة، بل ينضح صموداً وعناداً وكرامة. هنا، في الأزقّة الضيقة التي تتسع للقلوب الكبيرة، ارتقى الشهداء، وتركوا خلفهم حكايات من نور، تعانق المجد كما تعانق أرواحهم سماء فلسطين التي لم تغادرها ذاكرتهم يوماً.
شهداء عين الحلوة لا يغيبون ، هم حُرّاس الحلم، الذين يسندون بدمهم جدار الذاكرة حتى لا يقع، ويرسمون بدمائهم طريقاً لأطفال المخيم كي لا يتيهوا عن العودة. صعدوا إلى المجد، لكن وجوههم بقيت بيننا، في العيون التي تدمع ولا تنكسر، في الأمهات اللواتي يعرفن معنى الفقد لكنهن يعرفن أيضاً معنى الوطن. لأرواحهم الرحمة، ولعوائلهم الشريفة المعطاءة كل الوفاء… هم الذين لم يساوموا يوماً على الحق، ولم يتخلّوا عن المبادئ والقيم، الذين حملوا الراية وواصلوا درب الكفاح لاستعادة الوطن وتحرير كل ذرّة تراب من أرض فلسطين الطاهرة.
أما المخيم، يا عين الروح، يا جرح الفداء، فباقٍ رغم العواصف والأنواء. ما زال أهله على العهد، يمسكون بجمرة الأمل، ويؤمنون أنّ الطريق إلى العودة يمرّ من هنا ، من الصبر، من المقاومة، من الصمود فوق الركام ، ومن بين أنقاض البيوت التي يعيدون بناءها كل مرة بإصرار لا يعرف التعب.
أمس، تلاقت روافد نهر الدم الفلسطيني المتدفق، فامتزجت دماء أبناء مخيم عين الحلوة بدماء شهداء مخيمات جباليا ورفح والنصيرات، وتوحدت مع دماء شهداء جنين وبلاطة والدهيشة ، لترسم معاً خارطة الوطن السليب الممتد من الناقورة حتى أم الرشراش. دم واحد، وطن واحد، وشهداء يعيدون رسم الحدود بالروح، ويثبتون أنّ فلسطين لا تتجزأ، وأن جراح مخيماتنا من الجنوب إلى الشمال ومن النهر الى البحر نبض واحد وقضية واحدة ، وشعلةً لن تنطفئ .
أما الشهداء فلهم المجد… لهم القدس .. والنصر وساحات فلسطين الواسعة التي تنتظر خطاهم.
ولكِ يا عين الحلوة، ولكل مخيمات شعبنا، عهدٌ ووعد ، وسيبقى المخيم عنواناً للصمود والثبات، ومرجلاً يغلي بالغضب والثورة… حتى تحرير فلسطين، كل فلسطين.
* مسؤول المكتب الإعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان





