طريق الآلام إلى القدس بين تضحيات جراح الأمة وأطماع الغزاة الصهاينة بقلم د. شريف نورالدين
بتاريخ: ٩ / ١٠ / ٢٠٢٤
تُعد قضية القدس إحدى القضايا الأكثر تعقيدًا وإلحاحًا في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تتداخل فيها الأبعاد السياسية والدينية والاجتماعية. خلال العقود الأربعة الماضية، شهدت المنطقة تحولات جذرية في التحالفات الجيوسياسية، مما أثر بشكل كبير على مسار الصراع ودور محور المقاومة. انطلقت شعارات مثل زحفا زحفا نحو القدس وعلى طريق القدس، لتُجسد العزيمة والإرادة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، تلعب ايران وأطراف غير تقليدية دورًا محوريًا،بينما تظل روسيا والصين قوتين محوريتين ذات مصالح استراتيجية في الشرق الأوسط.
يتزامن هذا التطور مع ظهور فرص وتحديات جديدة على الساحة الدولية، حيث تتجه بعض الدول إلى بناء تحالفات جديدة تستهدف تحقيق مصالحها الاستراتيجية، مع الالتزام بدعم القضية الفلسطينية. هذا الواقع يُشير إلى ضرورة إعادة النظر في الديناميات الجيوسياسية القائمة والتوجهات المستقبلية لدعم محور المقاومة، في الوقت الذي يواجه فيه التحديات الكبرى التي تشمل الصراعات المسلحة، الأبعاد الاقتصادية، والسياسات الخارجية.
وفي قلب الصراع الذي يمتد لعقود طويلة، تبرز القدس كرمزٍ للإرادة والمقاومة، حيث تتحول أسوارها إلى خيوط متشابكة من الآلام والآمال. تعيش المدينة المقدسة تحت وطأة الاحتلال، بينما تتردد في أروقتها صرخات الحرية من أجيال متعاقبة. هنا، تندلع الصراعات، وتتفجر الدموع، وتُكتب الأساطير.
في خضم هذا المشهد الدرامي، تنسج قوى العالم خيوطًا جديدة، حاملةً في طياتها مصالح متضاربة، حيث يصبح كل حليف أو عدو جزءًا من هذه المسرحية التراجيدية. القدس، التي كانت دومًا مركزًا للعدالة، تتحول إلى ساحة صراع بين الطموحات السياسية والمصالح الجيوسياسية.
مع كل جولة من جولات القتال، ومع كل تصريح سياسي، يُطرح سؤال مؤلم: متى ستعود القدس إلى أحضان أصحابها؟ في هذه الرحلة المتشابكة بين المقاومة والأمل، يسعى الجميع إلى كتابة فصل جديد من تاريخ المدينة، فصلٌ يمكن أن يكون في ذات الوقت مأساويًا ومشرقًا، يُعيد إلى الأذهان الأمل الذي لا يموت.
لذا؛ شعار زحفا زحفا نحو القدس وعلى طريق القدس، تمثلان شعارات مقاومة مرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وتستخدمهما حركات المقاومة مثل حزب الله وحماس للتعبير عن العزم على تحرير القدس. ورغم التشابه في الغاية النهائية بينهما، هناك اختلافات في السياق الزمني والمراحل التاريخية التي ارتبطت بكل شعار.
* الشعار الأول زحفا زحفا نحو القدس
– الزمن: هذا الشعار ظهر منذ حوالي أربعة عقود، وتحديدًا خلال فترة الثمانينات، في خضم تصاعد حركات المقاومة ضد العدو الاسرائيلي. كان الشعار جزءًا من الخطاب الثوري الذي استخدمته حركات المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي للبنان (1982-2000).
– السياق التاريخي: في تلك الفترة، كان العالم العربي والإسلامي يواجه نتائج احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وبيروت، وتوسعت حركات المقاومة التي وجدت دعمًا في الفكر القومي والإسلامي. هذا الشعار كان يرتبط أساسًا برغبة الجماهير في مواصلة الزحف والمقاومة مهما كانت الظروف الصعبة، بهدف نهائي هو تحرير القدس.
– المراحل التاريخية: في تلك الفترة، كانت مرحلة تأسيس المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتميزت بصعود حركات إسلامية مقاومة مثل حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين. الخطاب كان يركز على الصمود العسكري والشعبي، وتكريس فكرة تحرير الأرض على مراحل.
* الشعار الثاني على طريق القدس
– الزمن: هذا الشعار يُستخدم الآن بشكل أكبر من قِبل حزب الله في سياق الصراع مع إسرائيل في العقدين الأخيرين، خاصة بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000، والحرب اللبنانية الإسرائيلية عام 2006.
– السياق التاريخي: حزب الله في مرحلة ما بعد 2000 وبعد تحقيقه انتصارات عسكرية ضد إسرائيل، بدأ في تصدير هذا الشعار ليؤكد أن معركته لم تعد مجرد معركة محلية لتحرير جنوب لبنان، بل هي جزء من مسار أكبر يشمل تحرير القدس. هذا الشعار يعكس البعد الإقليمي والاستراتيجي للصراع، والذي يشمل المواجهة مع إسرائيل على مستوى المنطقة ككل.
– المراحل التاريخية: بعد تحرير جنوب لبنان والانتقال إلى مرحلة تعزيز القوة العسكرية والسياسية لـحزب الله، أصبح الحزب لاعبًا إقليميًا رئيسيًا في مواجهة إسرائيل. على طريق القدس يشير إلى أن كل التحركات العسكرية والسياسية للحزب ليست مجرد دفاع عن لبنان، بل هي خطوة على طريق تحرير القدس. هذا يتماشى مع رؤية أوسع للمقاومة كجزء من محور المقاومة الذي يشمل إيران وسوريا واليمن والعراق وحركات أخرى في المنطقة.
* المقاربة بين الشعارين
– التوجه المشترك: كلا الشعارين يعبران عن العزم على تحرير القدس، وهو هدف مشترك بين الحركات المقاومة. القدس تُعد رمزًا دينيًا وسياسيًا مهمًا، واستخدامها في الشعارات يعزز الشعور بالهدف النهائي لمواجهة إسرائيل.
– الزمنية والتطور: زحفا زحفا نحو القدس كان شعارًا يعبر عن الإرادة الجماهيرية والشعبية خلال فترة مقاومة الاحتلال المباشرة، بينما على طريق القدس يعبر عن تطور استراتيجي أكثر نضجًا ونظامية، حيث يربط مسارات المقاومة المتعددة نحو هدف مشترك.
– مراحل الصراع: الشعار الأول ظهر في فترة كانت المقاومة لا تزال في طور التأسيس والبحث عن طرق فعالة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. أما الشعار الثاني، فهو يعكس مرحلة أكثر نضوجًا في الصراع، حيث أصبح لحزب الله وحركات المقاومة الأخرى القدرة على التأثير في المعادلات الإقليمية والدولية.
* مراحل الصراع من أجل القدس
الجذور التاريخية للصراع
– الاحتلال الأولي: يعود الصراع على القدس إلى فترات تاريخية متعددة، حيث تعرضت المدينة للاحتلال من قبل عدة قوى. يعتبر الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 نقطة تحول رئيسية، إذ أدى إلى تغييرات ديموغرافية وسياسية في المدينة.
١- مرحلة المقاومة الشعبية
– انتفاضات الفلسطينيين: شهدت القدس عدة انتفاضات، بدءًا من انتفاضة 1987 إلى انتفاضة الأقصى في 2000، حيث تجسدت إرادة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال. تمثل هذه الانتفاضات محطات مفصلية في تاريخ النضال من أجل الحرية.
٢- الدعم الإقليمي والدولي:
– دور الدول في الصراع: تلعب الدول الداعمة، مثل إيران وحزب الله وغيرهم، أدوارًا مهمة في دعم الحركات المقاومة. تسعى هذه الدول إلى تعزيز مكانتها الجيوسياسية من خلال دعم القضايا العربية والإسلامية.
٣- التحولات الجيوسياسية الحديثة:
المتغيرات الدولية: التأثيرات الأمريكية والغربية على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تشكل جانبًا حاسمًا. كيف تؤثر مواقف الدول الكبرى على جهود المقاومة؟ وكيف تتفاعل هذه القوى مع تطورات المنطقة؟
– الزمن والروح المعنوية: يُعبر الشعار الأول عن استمرار الأمل والإصرار في مواجهة الاحتلال، بينما يمثل الثاني التزامًا استراتيجيًا طويل الأمد. الفروق الزمنية بين الشعارين تعكس مدى تطور الصراع وتغير استراتيجيات المقاومة.
– الأبعاد العسكرية والسياسية: كل شعار يُشير إلى مرحلة معينة من المقاومة، وتطور الجوانب العسكرية والدعائية. كيف يمكن أن تتجلى هذه الشعارات في الواقع العملي اليوم؟
* دور القوى الدولية في دعم المقاومة
١- الحلفاء التقليديون:
– إيران: دعم عسكري ومالي لحركات المقاومة.
– روسيا والصين: مواقف براغماتية، توازن بين العلاقات مع مختلف الأطراف.
٢- الحلفاء الجدد:
“قطر وتركيا”: تعزيز دورهما في القضية الفلسطينية.
– ماليزيا وكوبا: دعم سياسي ودبلوماسي، مما يعكس رغبة في دعم المقاومة على الساحة الدولية.
*التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للصراع
١- التكلفة الاقتصادية:تدمير البنية التحتية في غزة والقدس، وتأثير ذلك على الاقتصاد الفلسطيني.
– المساعدات الدولية وتأثيرها على الوضع الاقتصادي.
٢- التكلفة الاجتماعية: تأثير الصراع على المجتمع الفلسطيني، بما في ذلك التشرد وفقدان الهوية.
-“تعزيز روح المقاومة والانتماء.
*حزب الله ودوره الإقليمي ووضع الشيعة في لبنان قبل نشأته
١- التاريخ والخلفية الاجتماعية:
– الأوضاع التاريخية: لطالما كان الشيعة في لبنان أقلية مهددة، تعرضوا للتهميش السياسي والاقتصادي. شهد القرن العشرين تفاقم هذه الأوضاع، حيث كانت العديد من المناطق الشيعية تعاني من الفقر والنقص في الخدمات.
– الحرب الأهلية اللبنانية: خلال الحرب الأهلية (1975-1990)، كانت هناك حاجة ملحة إلى تمثيل سياسي للشيعة. تفاقمت الأوضاع، مما ساهم في تنامي الشعور بالغبن وفقدان الثقة في الدولة اللبنانية.
* مراحل تطور حزب الله
١- النشأة (1982-1990):
– التأسيس: تأسس حزب الله عام 1982 كاستجابة للاحتلال الإسرائيلي للبنان، مدعومًا من إيران. كان هدفه حماية لبنان، خصوصًا المناطق الشيعية، من الاحتلال والممارسات الإسرائيلية.
– الأيديولوجية: استلهم الحزب أفكاره من الثورة الإيرانية، واعتمد شعار المقاومة الإسلامية التي تمزج بين الديني والسياسي.
٢- التطور العسكري والسياسي (1990-2000):
– النمو والتوسع: بعد انتهاء الحرب الأهلية، بدأ الحزب بالتحول من جماعة مقاومة إلى كيان سياسي، حيث أصبح يمثل الشيعة في البرلمان اللبناني.
– تحرير الجنوب (2000): شكل اندحار إسرائيل عن جنوب لبنان نقطة تحول كبيرة في صورة الحزب، حيث أصبح يُعتبر رمزًا للمقاومة الوطنية، وزادت شعبيته بشكل ملحوظ.
٣- عدوان اسرائيل (2006):
– حرب تموز: أثبت حزب الله قوته العسكرية في مواجهة إسرائيل خلال حرب تموز 2006. تركت هذه الحرب آثارًا عميقة على المجتمع اللبناني، وأعطت الحزب سمعة قوية في مقاومة الاحتلال.
* دور إيران في دعم حزب الله
١- الدعم المالي والعسكري:
– التمويل والتدريب: تعتبر إيران الداعم الرئيسي لحزب الله، حيث قدمت له الدعم المالي والتدريب العسكري منذ بداياته. ساهم هذا الدعم في تعزيز قدرة الحزب على مواجهة التحديات العسكرية.
– التأثير العقائدي: إيران ساهمت أيضًا في توجيه الأيديولوجية الشيعية لدى الحزب، مما أدى إلى تعزيز الهوية الشيعية كجزء من نضال أكبر ضد الهيمنة الغربية والصهيونية.
٢- التحالف الاستراتيجي:
– التحالف الإقليمي: شكل حزب الله وإيران محورًا في مواجهة القوى التقليدية في المنطقة، مما زاد من تعقيد العلاقات بين الشيعة والسنة، في ظل صراعات إقليمية بدءا من حرب العراق على ايران عند انتصار ثورة الامام الخميني(قدس)، الى حرب التحالف العربي الدولي على اليمن والحرب على سوريا الكونية الكبرى المدعومة من كل ارهاب العالم وعلى رأسهم الصهيونية العالمية والصهيومسيحية والصهيوعربية.
* تأثير حزب الله على لبنان والمنطقة
١- التأثير على السياسة اللبنانية:
– الوجود السياسي: أصبح حزب الله قوة سياسية أساسية في لبنان، حيث شارك في الحكومات وأثر على تشكيل السياسات العامة.
– الاستقطاب الطائفي: وجود حزب الله عزز الاستقطاب الطائفي في لبنان، ولكن بعد اغتيال الحريري زاد من التوترات بين مختلف الطوائف مع حزب الله.
٢- التحديات الإقليمية:
– دوره في الصراعات الإقليمية: تدخل حزب الله في الصراعات الإقليمية مثل الصراع السوري، زاد من تعقيد المشهد السياسي في المنطقة.
– ردود الفعل الدولية: أدى دور الحزب إلى انتقادات دولية وفرض عقوبات على لبنان، مما أثر على الاقتصاد اللبناني واستقرار الدولة.
* السياق الحالي: يعيش لبنان في خضم صراع مرير مع العدو الاسرائيلي، حيث يواجه حزب الله تحديات غير مسبوقة مع تصاعد حدة الأعمال العسكرية، بما في ذلك الاغتيالات المستهدفة لقادته، مثل الأمين العام حسن نصر الله، وقادة آخرون، بالإضافة إلى الدمار الواسع في المناطق الشيعية. الخسائر البشرية والمادية والمعنوية الناتجة عن هذه الحرب تمثل محنة كبرى وتفرض على الشيعة إعادة تقييم استراتيجياتهم.
١- تحديات العصر الراهن:
– الخسائر البشرية والمادية: فقد العديد من القادة العسكريين للحزب حياتهم، مما يؤثر على القيادة والهيكل التنظيمي. هذه الخسائر تزيد من الحاجة لتأهيل قيادات جديدة قادرة على مواصلة المسيرة.
كما تتعرض المناطق الشيعية، لدمار هائل، مما يؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ويزيد من حدة المعاناة بين السكان.
– المعنويات والهوية:الحروب والتحديات قد تؤدي إلى تآكل معنويات الشيعة في لبنان، مما يتطلب إعادة بناء الهوية والتأكيد على قوة المقاومة والقدرة على مواجهة الاحتلال، والحفاظ على الروح المعنوية للمجتمع الشيعي سيكون أساسيًا في تجاوز هذه الأوقات العصيبة، مما يستدعي جهودًا متواصلة لتعزيز الأمل والتضامن.
* رؤية استراتيجية نحو المستقبل
١- المستقبل السياسي للحزب:
– التحديات الداخلية: قد يواجه حزب الله تحديات داخلية في المستقبل بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، مما قد يؤثر على شعبيته.
– إعادة الهيكلة: يمكن أن يُضطر الحزب إلى إعادة هيكلة نفسه للتكيف مع التغيرات السياسية والاقتصادية.
٢- التأثير الإقليمي:
– الحفاظ على التحالفات: سيسعى الحزب إلى الحفاظ على تحالفاته مع إيران وروسيا، مما قد يعزز موقفه في مواجهة الضغوط الخارجية.
– دور جديد في المنطقة: قد يتطور دور حزب الله في المنطقة ليصبح أكثر تعقيدًا، مع تزايد الانقسامات بين الدول العربية حول قضايا مثل فلسطين وسوريا.
٣- الاستقرار في لبنان:
– التوجه نحو المصالحة: يمكن أن تُشكل الظروف الاقتصادية والسياسية دافعًا نحو المصالحة الوطنية، مما قد يُفضي إلى توازن أكبر بين القوى السياسية في لبنان.
– أهمية الوحدة: إن تحقيق الوحدة بين الطوائف اللبنانية سيكون أمرًا حيويًا لاستقرار البلاد، وسيكون على حزب الله أن يلعب دورًا مركزيا في هذا الاتجاه.
– التركيز على القضية الفلسطينية: في ظل الأوضاع الحالية، تبقى قضية المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي أحد الأبعاد الأساسية لحياة حزب الله. سيتعين عليه تعزيز جهوده في دعم المقاومة الفلسطينية، مما يعكس التزامه بمسار العدالة.
– الندية مع إسرائيل: تجسدت مرحلة الندية بين حزب الله والعدو الاسرائيلي بشكل واضح في عدة محطات، من التهميش للشيعة والعجز الى مرحلة النهوض والقدرة ثم مرحلة استحضار القوة والدفاع عن نفسه الى مرحلة الندية وتعزيز القدرات والامكانيات.
* الخاتمة:
منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي الغاصب على أرض فلسطين، ولدت مأساة جديدة في قلب الأمة العربية والإسلامية. من احتلال الأرض وتشريد الملايين، إلى محاولات قمع كل صوت يقاوم، بدأت رحلة الألم الممتدة لعقود، حيث أصبح الزحف نحو القدس ليس مجرد شعار، بل صرخة مغروسة في وجدان شعوب بأسرها.
هذه المقاومة انبثقت من جراح الأمة، وامتدت في دماء الشهداء الذين سقطوا من غزة إلى الضفة، ومن جنوب لبنان إلى كل ركن في العالم العربي.
أما حزب الله، الذي نشأ من رحم هذه المأساة، جسّد التحول العميق في مواجهة هذا الاحتلال العدواني. خرج من بين أطلال الفقر والتهميش، ليصبح قوة مواجهة تتحدى جبروت الاحتلال. في ظل التهميش الذي عاشته الطائفة الشيعية لعقود، كانت الأرض تنبض بآلام شعب اختار المقاومة سبيلاً للتحرر. ومع الدعم الإيراني، استطاع الحزب أن يخرج من تحت الركام، ليقف كندّ في مواجهة إسرائيل التي لطالما اعتبرت نفسها قوة لا تُقهر في المنطقة.
لكن هذه الرحلة لم تكن سهلة. فقد كانت مليئة بالتضحيات الكبرى؛ من دماء القادة الذين اغتيلوا، كالأمين العام السيد حسن نصر الله الشهيد، إلى المقاومين الذين سقطوا في معارك الاستنزاف ضد الاحتلال. كما أن التضحيات لم تكن حكرًا على المقاومين، بل شملت المدنيين الذين دُمرت بيوتهم، ونُكبت حياتهم، وتحولت أراضيهم إلى ساحات حرب مفتوحة.
وفي فلسطين، حيث تقف غزة والضفة على خط النار، كان المشهد أشد مأساوية. عشرات آلاف الشهداء، مدن محاصرة، وبيئة لا تعرف إلا المعاناة والصمود.
إسماعيل هنية وقادة المقاومة الفلسطينية يقفون على أعتاب التاريخ، حيث استمروا في تقديم كل ما لديهم من أجل حق الشعب الفلسطيني في الحياة والكرامة، رغم الحصار والتجويع والقتل اليومي.
ومع كل تضحيات هذه الأمة، يبقى مصيرها مرتبطًا بهذا الصراع الوجودي الذي فرضه الكيان الإسرائيلي بفكره العدواني التوسعي. لم يكن الاحتلال مجرد اعتداء عابر، بل جزءًا من مشروع أوسع، يسعى إلى إقامة دولة كبرى من النيل إلى الفرات، دولة تُقيم مستوطناتها على أنقاض الشعوب، وتُكرّس وجودها على حساب حقوقهم ودمائهم.
لقد أراد هذا الكيان أن يفرض واقعًا جديدًا، واقع الهيمنة المطلقة، فكانت فكرة “الدولة الكبرى” حلمًا تراه إسرائيل ممكنًا من خلال الاحتلال والتوسع، لكن تضحيات هذه الأمة المقاومة أفشلت هذا الحلم مرارًا. من جنوب لبنان، الذي تحرر بدماء المقاومين، إلى غزة التي أبت أن تنكسر رغم الحصار، كانت الرسالة واضحة؛ المقاومة مستمرة، والزحف نحو القدس لا يتوقف.
وفي ظل هذه المعركة الطويلة والمستمرة، تواجه الأمة اليوم سؤالاً مصيريًا: ما هو مستقبل هذا الطريق المليء بالتضحيات؟ مع كل اغتيال، وكل دمار، وكل حياة تُفقد، يتجدد السؤال حول الجدوى، حول النتيجة. لكن الجواب يكمن في صلابة هذه الأمة التي آمنت بأن التحرير ليس خيارًا، بل مصيرًا.
إن مصير هذه الأمة بات مرتبطًا تمامًا بمصير الكيان الغاصب. فكلما اشتدت الهجمة، زادت المقاومة، وكلما حاول الاحتلال تكريس وجوده، ارتفعت راية التحرير أكثر.
هذا التلاحم بين الألم والأمل، بين التدمير والبناء، هو ما يُبقي روح المقاومة حيّة، ويؤكد أن الطريق إلى القدس، رغم طوله وآلامه، هو المسار الحتمي لهذه الأمة.
لذا؛ الكيان الإسرائيلي، الذي بُني على الفكر العدواني والاستيطاني، لن يتمكن من تحقيق حلمه في الهيمنة الكاملة، لأن تضحيات الشعوب، من لبنان إلى فلسطين، ستظل العقبة الكبرى في وجه هذا المشروع.
إن المقاومة ليست مجرد رد فعل عسكري، بل هي مقاومة شاملة لكل ما يمثله هذا الاحتلال من فكر استيطاني وإقصائي.
وفي هذه التراجيديا التي تمتد فصولها، لا ينتهي الطريق عند اغتيال القادة أو دمار المدن، بل يستمر.
إنه طريق من الألم والتضحيات، لكن نهايته حتمًا ستكون التحرير. فالقدس ليست فقط وجهة، بل رمزًا لصراع أبدي بين من يسعى للحرية والكرامة، وبين من يسعى للهيمنة والاستيطان.
ستظل القدس الوجهة والمآل، والطريق إليها محفور بالدماء، لكنه أيضًا مزهر بالأمل، أمل التحرير والكرامة لهذه الأمة التي آمنت بأن حقها لا يموت، وأنها مهما واجهت من خسائر، ستظل على طريق التحرير إلى أن يتحقق الوعد.
في النهاية؛ مع التحديات الكبيرة التي يواجهها الشيعة في لبنان لطمس هويتهم وابادتهم كما يحصل في فلسطين وأهلها.
يمكن لحزب الله والمجتمع الشيعي والشعب الفلسطيني مواجهة التحديات الماثلة بفعالية. على الرغم من الصعوبات الحالية، فإن الأمل في بناء مستقبل أفضل قائم، وسيظل النضال من أجل العدالة وحقوق الإنسان هو الدافع الأساسي الذي سيقود لبنان وفلسطين نحو غدٍ أكثر إشراقًا.