بأقلامنا

عصر التغيير في فكر الإمام الخميني واستشراف المستقبل بقلم د. شريف نورالدين

بتاريخ: ٢٣ / ٩ / ٢٠٢٤

عصر التغيير في فكر الإمام الخميني واستشراف المستقبل الإيراني ومحور المقاومة في إعادة تشكيل النظام العالمي وصراع القوى الجيوسياسية في الشرق الأوسط

التحولات العميقة التي يشهدها العالم، يتجلى فكر الإمام الخميني كقوة دافعة نحو تغيير معالم النظام الجيوسياسي في الشرق الأوسط. إذ تجسد رؤيته في إنشاء محور المقاومة كاستراتيجية لمواجهة الهيمنة الغربية وتعزيز الحقوق الفلسطينية، مما أضفى عمقًا على الصراعات الإقليمية.
اليوم، يتصاعد دور إيران كفاعل رئيسي يسعى لاستشراف المستقبل عبر تحالفات جديدة، مما يعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة ويؤسس لحقبة جديدة من التحديات والفرص في النظام العالمي المتغير.
ومع انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بقيادة الإمام الخميني، دخلت المنطقة والعالم مرحلة جديدة من التحولات الجيوسياسية العميقة، مستندة إلى رؤية استراتيجية شاملة ومشروع أيديولوجي غير تقليدي.
لم تكن الثورة الإيرانية مجرد حركة داخلية للإطاحة بنظام الشاه، بل كانت تحولًا جوهريًا في مسار السياسات الإقليمية والدولية، وهي تنطلق من مبدأ ولاية الفقيه الذي قدّم نموذجًا جديدًا للحكم الإسلامي، حيث يجمع بين السلطة السياسية والقيادة الدينية، ويتجاوز الحدود القومية لصالح مشروع إسلامي عالمي.

الفكر الخميني استند إلى معادلة ثلاثية المحاور: رفض الهيمنة الغربية، خصوصًا الأمريكية، ودعم المستضعفين والشعوب المضطهدة، وتصدير الثورة إلى العالم الإسلامي باعتبارها واجبًا إلهيًا ومسؤولية أخلاقية.
هذا الفكر الاستراتيجي اعتمد على بناء نفوذ إقليمي من خلال شبكات حلفاء، ما مكّن إيران من ممارسة تأثير عميق في مناطق النزاع مثل لبنان، العراق، اليمن، وسوريا، وجعلها طرفًا رئيسيًا في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
كما كان دعم حركات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي جزءًا أساسيًا من هذه الأيديولوجية، مما عزز مكانتها لدى الشعوب الإسلامية والمضطهدة.

على المستوى الدولي، استشرف الامام الخميني عصر تعددية الأقطاب، ورأى في التوازنات المتغيرة فرصة لإيران لتوسيع دورها عبر التحالف مع قوى مثل روسيا والصين، ومواجهة الضغوط الغربية بقيادة الولايات المتحدة، ومن خلال تطوير قدراتها العسكرية والتكنولوجية، بما في ذلك البرنامج النووي، وضعت إيران نفسها في موقع القوة القادرة على التحدي والمواجهة، وليس فقط الدفاع.

في هذا السياق، لا يمكن فهم الديناميكيات السياسية الراهنة في الشرق الأوسط والعالم دون إدراك العمق الاستراتيجي لفكر الامام الخميني الذي يواصل توجيه سياسات إيران اليوم بقيادة ولي الفقيه والمرشد الاعلى السيد علي خامنئي.
فهي لم تسعَ فقط لتأمين نظامها، بل لتغيير موازين القوى إقليميًا ودوليًا، وهذا المشروع المستدام الذي يقوم على المقاومة والتغيير سيظل محورًا رئيسيًا في صياغة مستقبل المنطقة، سواء من خلال الصراعات المفتوحة أو التحالفات الجديدة، مما يضع إيران في قلب التحولات العالمية الكبرى، القائمة على العلاقة بين الثورة وعصر التغيير الذي أحدثته بأبعاده التالية:

* العلاقة بين الثورة وعصر التغيير: يمكن القول إن الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني كانت علامة فارقة في عصر التغيير الذي شهدته إيران والمنطقة والعالم. هذا العصر شمل إعادة صياغة الأنظمة السياسية، والاهتمام المتزايد بالدور السياسي للإسلام، والتحولات الجيوسياسية الكبيرة التي أثرت في العلاقات بين القوى العالمية. الثورة لم تؤثر فقط على إيران، بل غيرت حسابات القوى الإقليمية والدولية، وكانت بمثابة شرارة أطلقت موجات من التغييرات الثورية في مناطق أخرى.

١- التغيير السياسي والديني: الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني أطاحت بنظام الشاه المدعوم من الغرب وأقامت نظام حكم جديد قائم على “ولاية الفقيه”، مما أدى إلى إعادة تعريف العلاقة بين الدين والسياسة في إيران، واعتمدالنظام الإسلامي الجديد على فكرة الحكم الديني المباشر في دولة حديثة، ما شكّل نموذجًا مختلفًا عن الأنظمة السائدة في العالم الإسلامي التي تعتمد على الفصل بين الدين والدولة أو التي تتبع الحكم الملكي أو الديكتاتوري.

٢- تأثيرها على العالم الإسلامي: الثورة ألهبت مشاعر المسلمين، خاصة الشيعة، في مختلف أنحاء العالم، وأصبحت مصدر إلهام للحركات الإسلامية الثورية التي تطمح للإطاحة بالأنظمة غير الإسلامية أو غير العادلة في بلدانها.
كذلك، نجحت إيران بعد الثورة في نشر تأثيرها السياسي والثقافي عبر ما يُعرف محور المقاومة، الذي يمتد من لبنان إلى العراق وسوريا واليمن.

٣- التغيير في العلاقات الدولية: الثورة الإسلامية جاءت في وقت كانت فيه إيران حليفًا استراتيجيًا للغرب وخاصة الولايات المتحدة. بعد انتصار الثورة، قطعت العلاقات مع الغرب واتخذت موقفًا معاديًا له، ما غيّر موازين القوى في المنطقة.
كماةتحولت إيران إلى لاعب أساسي في معادلة الصراع بين الشرق والغرب، وأثرت بشكل كبير على سياسات دول الخليج، بالإضافة إلى الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

٤- التغيير الثقافي والاجتماعي: بعد انتصار الثورة، تم إدخال تغييرات جذرية على المجتمع الإيراني، تشمل فرض القيم الإسلامية على كافة مناحي الحياة. تأثرت القوانين المدنية والدستور والجوانب الاجتماعية مثل حقوق المرأة، التعليم، الإعلام، والفنون، وكلها باتت تستند إلى الشريعة الإسلامية.
كذلك، انتشرت فكرة المقاومة الثقافية ضد التغريب وضد الهيمنة الثقافية الغربية.

* بما ان قيادة الإمام الخميني أحدثت تحولات جيوسياسية كبيرة على الساحة العالمية. لفهم التأثير العميق للثورة على النظام الدولي، بما في ذلك تأثيرها على السياسة الإقليمية والدولية، ديناميكيات القوى العالمية، النظام الدولي القائم، وتأثيرها على الحروب والصراعات في مختلف القارات، ينبغي تناول هذه التحولات من عدة زوايا:

١- التحول الجيوسياسي في الشرق الأوسط:
– إعادة تشكيل القوى الإقليمية: بعد انتصار الثورة، انقلبت إيران من حليف استراتيجي للغرب (الولايات المتحدة) إلى دولة تقود خطابًا ثوريًا معاديًا للإمبريالية والاستعمار، ما أدى إلى تغيير خريطة التحالفات الإقليمية.

– نهاية التحالف الإيراني الأمريكي: العلاقات بين إيران والولايات المتحدة كانت وثيقة في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، لكن الثورة أدت إلى قطع العلاقات وإعلان عداء واضح للولايات المتحدة، وهو ما عرف بـ “الشيطان الأكبر”.

– صعود الدور الإيراني في المنطقة: الثورة عززت نفوذ إيران كقوة إقليمية مؤثرة، حيث سعت لتصدير نموذج الثورة الإسلامية ودعمت حركات المقاومة ضد الهيمنة الغربية والإسرائيلية في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان وحركات المقاومة في فلسطين.

– الصراع السني-الشيعي وتأثيره الإقليمي: الثورة أطلقت شرارة توترات مذهبية بين السنة والشيعة في المنطقة.
سعى النظام الإيراني الى تجنبها على مدى العقود الاربعة، لكن المؤامرة الغربية على سياسة ايران الاحتوائية كانت اكبر منها، وما زالت تسعى جاهدة باتجاه حل النزاعات المذهبية بالتقرب من دول الخليج والعالم العربي والاسلامي، من خلال التحالفات والاتفاقيات والحوار المفتوح نحو بناء الحضارات، في اطار أيديولوجي عقائدي محمدي أصيل، مقابل التطرف والغوغائية والمبالغة والتحريف والتأويل، ومع ذلك، فرضت على ايران سياسات التطرف والانحراف والانعزال والاستسلام والتخاذل والتبعية لاميركا والغرب والتطبيع والتقارب مع الكيان ودعمه على حساب قضية فلسطين المركزية المحورية في فكر الامام الخميني ونظامه، في دعم القوى الشيعية بشكل كبير في بلدان مثل العراق ولبنان، وتبني قضية فلسطين وشعبها(السني)مما أدى إلى تفاقم الانقسامات الطائفية وزيادة التوترات في المنطقة. هذه الانقسامات أثرت على الديناميكيات السياسية في دول مثل العراق، البحرين، سوريا، واليمن، حيث كان للتقارب العربي الاسرائيلي صراع دور كبير في اندلاع الحروب والصراعات السنية الشيعية.

– الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988): واحدة من أبرز تداعيات الثورة على المستوى الإقليمي هي الحرب الإيرانية-العراقية المفروضة على ايران، والتي استمرت لمدة ثماني سنوات. خوفًا من تصدير الثورة الإيرانية إلى الدول المجاورة، خصوصًا العراق ذو الغالبية الشيعية تحت حكم صدام حسين (السني)، قام النظام العراقي بشن حرب على إيران. هذه الحرب التي أودت بحياة الملايين، أعادت تشكيل التحالفات الإقليمية ودفعت بالعديد من دول الخليج إلى دعم العراق، مما زاد من تعقيد المشهد الجيوسياسي في المنطقة.

٢- تأثير الثورة على النظام الدولي:
– التحولات في الحرب الباردة: جاءت الثورة الإيرانية في خضم الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
كانت إيران قبل الثورة جزءًا من المعسكر الغربي، ولكن بعد الثورة، أصبحت خارج هذا النظام واتبعت سياسة خارجية أكثر استقلالية ورفضًا للتدخلات الأجنبية ودور رسالة روح الله الخميني إلى ميخائيل غورباتشوف بعض منها:
حيث طريق النجاة للاتحاد السوفيتي ويقول: حملت رسالته «والتي جاءت في أعقاب انتهاء حرب الخليج الأولى»، دعوة إلى غورباتشوف إلى التخلي عن العقيدة الشيوعية والالتحاق بالإسلام والتوقف عن محاولة محو الهوية الإسلامية لمواطني جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية
«فإن القضیة الأولى التی ستکون یقیناً سببا لنجاحکم هي أن تعیدوا النظر فی سیاسة أسلافکم المتمحورة حول محاربة الله واستئصال الدین من المجتمع فهذه السیاسة بلا شك هی التی أنزلت أکبر وأهم ضربة على جسد الشعب السوفیاتي؛ واعلموا أن التعامل مع القضایا العالمیة لا یمکن أن یکتسب الصبغة الواقعیة إلا من خلال هذا الطریق.
يشير الامام الخميني في الفقرة التالية إلى عجز الرأسمالية الغربية التي يتوسل إليها الاتحاد السوفيتي في حل المشاكل الاقتصادية.
حضرة السيد غورباتشوف… والآن… أطلب منكم أن تحققوا بدقة وجدية حول الإسلام؛ ليس لأن الإسلام والمسلمين بحاجة إليكم؛ بل لما يتضمنه الإسلام من قيم سامية، ولما يمتاز به من شمولية بحيث يستطيع أن يكون وسيلة لراحة وإنقاذ الشعوب، وحل كافة الأزمات الأساسية التي تعاني منها البشرية. إن التدبر والتوجه الجادّ للإسلام يمكن أن ينقذكم من مشكلتكم في أفغانستان وأمثالها في العالم.
انه استشراف فكر الامام الخميني في زوال ونهاية الاتحاد السوفياتي، لذا جاءت رسالته التحذيرية قبل فوات الاوان.

– الولايات المتحدة وخسارة حليف استراتيجي: كانت إيران أحد أعمدة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط لمواجهة النفوذ السوفييتي، لكن بعد الثورة أصبحت مناهضة للغرب، مما اضطر الولايات المتحدة إلى إعادة ترتيب استراتيجياتها الإقليمية في المنطقة.

– تنامي دور الاتحاد السوفييتي في المنطقة: بينما ظلت إيران حذرة تجاه الكتلة السوفييتية بسبب اختلاف الأيديولوجيات، إلا أن موقفها المناهض للولايات المتحدة فتح مجالًا أمام السوفييت لتعزيز علاقاتهم مع الحركات اليسارية والثورية في المنطقة.

-:تأسيس نظام متعدد القطبية في الشرق الأوسط: الثورة الإسلامية أدت إلى زعزعة النظام الإقليمي القائم على المحاور الأمريكية، وخلقت توازنًا جديدًا بين القوى الإقليمية.
أصبحت إيران قوة مستقلة تسعى لتشكيل محور مقاوم للنفوذ الأمريكي والإسرائيلي، مما أدى إلى تعدد الأقطاب الإقليمية وظهور دول أخرى كقوى فاعلة مثل تركيا والسعودية.

– إثارة حركات الإسلام السياسي: الثورة الإسلامية ألهمت الحركات الإسلامية في العديد من الدول التي كانت تعاني من الاستبداد أو الهيمنة الغربية مثال:
الحركات الإسلامية في مصر، الجزائر، السودان ودول أخرى استلهمت من نجاح الثورة الإيرانية وطالبت بتغيير الأنظمة القائمة.

٣- التداعيات على الحروب في العالم:
* الشرق الأوسط:
– الانتفاضة الفلسطينية وصراع إسرائيل: الثورة الإيرانية دعمت المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وارتبطت بشكل وثيق مع حركات المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي. هذا الدعم أدى إلى تصاعد التوترات في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

– تسليح وتدريب حركات المقاومة: إيران قدمت مساعدات مالية وعسكرية لحركات المقاومة، ما جعلها فاعلًا رئيسيًا في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. هذا الدعم أسهم في تصاعد الصراع بين إسرائيل والمقاومة في غزة والضفة، وجعل من إيران لاعبًا أساسيًا في المعادلة الأمنية لإسرائيل.

– حزب الله في لبنان: أحد أكبر نتائج الثورة الإيرانية كان تأسيس حزب الله في لبنان، الذي أصبح لاعبًا رئيسيًا في الساحة اللبنانية والاقليمية ومؤثرًا في الصراع مع إسرائيل.
حزب الله يتلقى دعمًا عسكريًا وسياسيًا كبيرًا ومطلقا من إيران، وقد خاض عدة حروب ضد اعتداءات العدو الإسرائيلي منذ اجتياحه للبنان عام ١٩٨٢ ولا يزال في طليعة الصراع والمواجهة في التصدي له، ودعم فلسطين وغزة والضفة المطلق بالدم والانفس والمال وبكل ما اؤتي من قوة عبر جبهة الاسناد من محور لبنان، في ظل حرب العدو الوحشية على غزة والضفة

– الحرب في اليمن: حرب قبائل بداية بين الشمال والجنوب بمؤامرة وهيمنة سعودية على اليمن، واحداث توترات ونزاعات بين اهل اليمن، مما ادى الى تدخل سعودي عسكري مباشر وتحالفه الدولي للقضاء على الحوثيين وتغيير موازين القوى داخل اليمن لصالح الحكم والنظام التابع، مما استدعى الى تدخل ايراني لحل الازمة، ولكن كل المحاولات باءت بالفشل نتيجة الهيمنة والتعجرف السعودي الاميركي الغربي، مما أجبر ايران للوقوق الى جانب الحوثيين في الحرب الجائرة الظالمة عليهم ودعمهم.

– أفريقيا وآسيا: الثورة الإسلامية لم يكن لها تأثير مباشر كبير على أفريقيا، لكن مبادئها الثورية ألهمت بعض الحركات التحررية في مناطق مثل السودان وأفغانستان.

– أفغانستان: الثورة الإيرانية أثرت على المقاومة الإسلامية في أفغانستان ضد الغزو السوفييتي في الثمانينيات، حيث دعمت إيران الفصائل في أفغانستان في هذه الحرب، مما أدى إلى انسحاب السوفييت.

– أوروبا: تأثير الثورة الإيرانية كان محدودًا في أوروبا، لكنه أثر على سياسات الهجرة والنفط.التوترات التي نشأت مع الغرب دفعت بإيران إلى استخدام النفط كسلاح في علاقاتها مع الدول الأوروبية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا وتأثيرات سلبية على الاقتصادات الغربية.

٤- التداعيات على النظام الدولي:
– إعادة توزيع مراكز القوة: بعد الثورة، أصبحت إيران مركزًا لجذب الحركات المناهضة للغرب، مما أدى إلى ظهور محور المقاومة، الذي ضم دولًا وحركات مناهضة للهيمنة الأمريكية مثل سوريا وحزب الله وحماس. وهذا المحور كان أحد أسباب توتر العلاقات بين الغرب وإيران، وأسهم في تشكيل تحالفات دولية جديدة.

– تغيير ميزان القوى العالمية: الثورة ساعدت على إضعاف السيطرة الأمريكية المطلقة في الشرق الأوسط، وزادت من تعقيد العلاقات الدولية في المنطقة، مما حفز الولايات المتحدة على تعزيز تحالفاتها مع دول الخليج للحفاظ على توازن القوى وتوسيع الانقاسامات وتعظيم العداوة لديهم ضد ايران، مما أدى إلى دخول الولايات المتحدة في صراعات جديدة مثل حرب الخليج الأولى والثانية.

٥- الثورة الإيرانية والحرب في سوريا:
– الدعم الإيراني للنظام السوري: بعد اندلاع “الثورة” في سوريا عام 2011، كان دعم إيران للنظام السوري بقيادة بشار الأسد نتيجة مباشرة لتوجهات الثورة الإيرانية. سوريا كانت حليفًا استراتيجيًا لإيران في إطار محور “المقاومة” الذي يتبنى مواجهة النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.

– التحالف الإيراني-السوري: منذ الثورة الإسلامية، أصبح التحالف بين إيران وسوريا أقوى، حيث كان حافظ الأسد ثم ابنه بشار الأسد من أوائل الداعمين للثورة.
في الحرب السورية، كانت إيران أحد أكبر داعمي النظام السوري سياسيًا وعسكريًا، من خلال تقديم الدعم العسكري المباشر عن طريق حزب الله الذي تأسس بمساعدة ودعم ايراني مطلق، وأيضًا عبر الحرس الثوري الإيراني.

– المصالح الجيوسياسية: سوريا تشكل جسرًا استراتيجيًا لإيران للوصول إلى البحر المتوسط، وللحفاظ على تواصل مع حلفاء مثل حزب الله في لبنان، مما عزز أهمية بقاء النظام الحالي بالنسبة لإيران في وجه المشروع الاميركي الغربي العربي الدعم للكيان.

– التدخل الروسي: التدخل الروسي في سوريا في عام 2015 جاء أيضًا ضمن إطار التحالف مع إيران، حيث تشاركت موسكو وطهران في أهداف الحفاظ على نظام الأسد.
الثورة الإيرانية لم تؤثر بشكل مباشر على روسيا، لكنها أسهمت في تكوين محور إيران-روسيا-سوريا، حيث وجدت روسيا في إيران حليفًا إقليميًا مهمًا لمواجهة النفوذ الأمريكي والأوروبي بعد زيارة سليماني وروحاني لروسيا، التي تركت اثرا كبير في اقناع دور روسي في الحرب الجائرة على سوريا ونظامها .

٥- الثورة الإيرانية والتطبيع العربي-الإسرائيلي:
– اتفاقيات التطبيع: في السنوات الأخيرة، شهدنا توقيع عدة اتفاقيات تطبيع بين دول عربية وإسرائيل، مثل اتفاقيات أبراهام التي وقعتها الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، حيث تنظر العديد من الدول العربية بالعدائية والكره الاعمى إلى إيران على أنها التهديد الرئيسي وليس اسرائيل.

– إعادة توجيه الأولويات: الثورة الإيرانية ساعدت في تغيير أولويات الدول العربية، حيث أصبح التحالف مع إسرائيل في مواجهة الدور الإيراني أكثر إلحاحًا من الصراع التقليدي “العربي-الإسرائيلي”.
التطبيع مع إسرائيل كان جزءًا من استراتيجية احتواء إيران وتكوين تحالفات جديدة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

– التحالفات الإقليمية: بعد الثورة، أصبحت إيران مركزًا لمحور مقاومة يمتد من لبنان إلى العراق وسوريا واليمن، مما أدى إلى ظهور تحالفات غير تقليدية في المنطقة.
هذا المحور يقف في مواجهة التحالف الأمريكي-الإسرائيلي، والتحالف العربي الخليجي بقيادة السعودية.

– تداعيات على التحالفات الإقليمية: الاتفاقيات الدولية بين إسرائيل وبعض الدول العربية أدت إلى تشكيل محاور جديدة، حيث باتت دول مثل السعودية والإمارات تتعاون مع إسرائيل في قضايا الأمن والاستخبارات لمواجهة الدور الإيراني المتزايد في المنطقة.
هذه التحالفات الجديدة أعادت تشكيل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، وخلقت توازنات جديدة بين المحور الموالي لإيران والمحور الموالي للغرب.

٦- الثورة الإيرانية والحرب الروسية-الأوكرانية:
– العلاقات الإيرانية-الروسية: على الرغم من أن الثورة الإسلامية في إيران لم يكن لها تأثير مباشر على العلاقات الروسية-الأوكرانية، إلا أن العلاقات الإيرانية-الروسية أصبحت أقوى بعد الثورة بسبب تقارب مصالحهما في مواجهة الغرب.
كما ان روسيا وإيران يشتركان في العديد من الأهداف الاستراتيجية، في مواجهة الهيمنة الاميركية الغربية على العالم.

– الدعم الإيراني لروسيا في أوكرانيا: في الحرب الروسية-الأوكرانية التي اندلعت عام 2022، يُعتقد أن إيران قدمت دعمًا غير مباشر لروسيا، خصوصًا من خلال تزويد روسيا بطائرات بدون طيار. هذا التعاون يعكس التقارب بين البلدين في ظل العزلة الغربية لكل منهما، حيث تشترك إيران وروسيا في مواجهة العقوبات الغربية والبحث عن تحالفات بديلة لمواجهة النفوذ الأمريكي.

– العلاقات الإيرانية-الروسية والصينية: إيران، في ظل العقوبات الغربية المتزايدة، عمقت تحالفاتها مع روسيا والصين كجزء من استراتيجيتها لمواجهة الضغط الغربي. التحالفات الإيرانية-الروسية-الصينية تعتبر محاولة لبناء جبهة عالمية ضد الهيمنة الغربية.

– السياسة الأمريكية: الولايات المتحدة تبنت استراتيجيات لاحتواء الدور الإيراني وتوسعه وانعكاسه على مشاريعه ونفوذه وتواجده في المنطقة، من خلال فرض العقوبات الاقتصادية والدعم المباشر للتحالف العربي الدولي في اليمن، ومحاولات لاحتواء الدور الإيراني في العراق وسوريا من خلال تحالفات محلية وإقليمية، وخلق توترات مذهبية وبالخصوص دعم الحركات المتطرفة داعش وغيرها، تبقى ادوات تستخدمها ضد ايران ساعة تشاء.

* على ضوء التحولات الجيوسياسية المعقدة التي تلت الثورة الإيرانية وتداعياتها على النظام الدولي والصراعات الإقليمية، يمكن تقديم تحليل استشرافي لمستقبل العالم بناءً على المحاور الرئيسية التي تؤثر في العلاقات الدولية والتحالفات الكبرى، وتوجه العالم نحو مرحلة جديدة من التنافس العالمي المتعدد الأقطاب، مع تفاقم التوترات الإقليمية، تعميق الانقسامات، وتزايد التحديات الأمنية.
فيما يلي أبرز السيناريوهات الممكنة لمستقبل النظام الدولي:

١- التنافس العالمي المتعدد الأقطاب:
– نهاية الهيمنة الأحادية القطب: مع تراجع الهيمنة الأمريكية التقليدية منذ نهاية الحرب الباردة، برزت قوى جديدة تنافس على النفوذ الدولي. روسيا، الصين، وإيران، تسعى إلى تحدي النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.
العالم يتجه نحو مزيد من التنافس بين القوى الكبرى، حيث ستشهد السنوات القادمة منافسة متزايدة بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والمعسكر الشرقي بقيادة روسيا والصين وايران، مع بروز قوى إقليمية أخرى كتركيا والجزائر.

– الصراع بين الغرب وروسيا-الصين: الحرب الروسية-الأوكرانية تعتبر جزءًا من هذا التنافس المتعدد الأقطاب. موسكو تسعى لتعزيز وجودها في أوكرانيا وأوروبا الشرقية كجزء من استراتيجيتها للوقوف ضد التوسع الغربي وحلف الناتو. في المقابل، الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يستثمرون بشكل كبير في دعم أوكرانيا واحتواء روسيا.
الصين ستكون لاعبًا رئيسيًا في هذه المواجهة العالمية، حيث تتجه نحو تعزيز نفوذها ودورها في آسيا والمحيط الهادئ، وهي بالفعل في منافسة مع الولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي.

٢- التوترات في الشرق الأوسط:
– استمرار الصراعات الإقليمية: الشرق الأوسط سيظل منطقة مضطربة بفعل الصراعات الطائفية والسياسية المستمرة.
الصراع الإيراني-السعودي، الحرب في سوريا، الأزمات في العراق ولبنان واليمن، كلها قد تظل مستمرة أو تتصاعد.

– إيران ومحور المقاومة: إيران ستواصل لعب دور محوري في هذه الصراعات من خلال دعمها لمحور المقاومة (حزب الله في لبنان، الحوثيين في اليمن، حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين). هذا الدعم سيتسبب في تصاعد التوترات مع إسرائيل ومع دول الخليج العربي المدعومة من الغرب.

– التطبيع العربي-الإسرائيلي: موجة التطبيع الأخيرة بين إسرائيل وبعض الدول العربية، مثل الإمارات والبحرين والمغرب، ستزداد قوتها، ما سيخلق جبهة جديدة للتحالفات تهدف إلى مواجهة إيران ومحورها. هذا التطبيع قد يؤدي إلى مزيد من الصفقات العسكرية والاقتصادية بين إسرائيل والدول العربية.

٣- التحالفات الأمنية والعسكرية:
– تطور التحالفات الإقليمية والدولية: القوى الإقليمية، بما في ذلك تركيا وإيران، ستعزز علاقاتها مع القوى العالمية مثل روسيا والصين لمواجهة الضغوط الأمريكية والغربية. في المقابل، الولايات المتحدة ستسعى لتوسيع تحالفاتها مع دول مثل الهند، اليابان، ودول الخليج لموازنة النفوذ الروسي والصيني.

– التكنولوجيا العسكرية والصراعات بالوكالة: هناك توجه متزايد نحو الحروب بالوكالة، حيث تستخدم الدول الفاعلين غير الدول لشن حروب نيابة عن اميركا. مثال الصراع في سوريا واليمن وغزة يعتبر مثالًا على هذا الاتجاه. كما أن التكنولوجيا العسكرية الحديثة، مثل الطائرات بدون طيار (الدرونز) والهجمات السيبرانية، ستلعب دورًا متزايدًا في حسم الصراعات.

٤- الصراع على الطاقة والموارد الطبيعية:
– أزمة الطاقة العالمية: الطاقة، وخاصة النفط والغاز، ستظل مصدرًا رئيسيًا للتوترات الجيوسياسية، خصوصًا في الشرق الأوسط وأوروبا. التحولات في إمدادات الطاقة بسبب العقوبات على روسيا والبحث عن مصادر بديلة ستؤثر على الاقتصاد العالمي.

– التنافس على الطاقة البديلة: مع الاتجاه المتزايد نحو التحول إلى الطاقة النظيفة، ستسعى الدول الكبرى إلى السيطرة على التكنولوجيا والموارد اللازمة للطاقة المتجددة، ما قد يخلق تنافسًا جديدًا بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.

٥- التحديات الاقتصادية والجيوسياسية:
– الأزمات الاقتصادية والتضخم: التوترات الجيوسياسية ستؤدي إلى اضطرابات اقتصادية عالمية. العقوبات على روسيا بسبب الحرب الأوكرانية أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية، مما ساهم في زيادة التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. هذه الأزمات قد تزيد من التوترات السياسية داخل الدول.

– تنامي الاستقطاب الدولي: العلاقات الدولية ستشهد استقطابًا متزايدًا بين طرفي الصراع، حيث يسعى كل معسكر إلى تعزيز نفوذه ودعم حلفائه على حساب المعسكر الآخر.

٦- الصعود التكنولوجي والتحديات الأمنية الجديدة:
– الثورة الصناعية الرابعة: التكنولوجيا ستظل عنصرًا حاسمًا في التنافس الدولي. السباق في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، وتكنولوجيا الفضاء سيؤثر بشكل كبير على موازين القوى. الدول التي تتمكن من الهيمنة على هذه المجالات ستكتسب تفوقًا استراتيجيًا في المستقبل.

– الحروب السيبرانية والهجمات الرقمية: الهجمات السيبرانية ستصبح أداة أساسية في الحروب المستقبلية. الصراعات السيبرانية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين ستتصاعد، وسيتم استهداف البنية التحتية الحيوية، المؤسسات المالية، والشبكات الحكومية. هذه الصراعات قد تتسبب في زعزعة الاستقرار الدولي وخلق تهديدات جديدة للأمن العالمي.

٧- إعادة تشكيل النظام العالمي:
– نظام دولي متغير: النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية قد يشهد تحولًا جذريًا، مع تراجع الهيمنة الأمريكية وبروز قوى جديدة تسعى لإعادة تشكيل قواعد اللعبة الدولية. قد تتزايد الدعوات لإصلاح المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، مجلس الأمن، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لضمان تمثيل أكثر عدالة للقوى الجديدة الصاعدة مثل الصين والهند وايران.

– الدبلوماسية متعددة الأطراف: ستكون هناك محاولات لاحتواء الصراعات من خلال الدبلوماسية المتعددة الأطراف، لكن النجاح في تحقيق السلام والاستقرار سيتطلب تعاونًا بين القوى الكبرى، وهو ما يبدو صعبًا في ظل التوترات الحالية.

* مستقبل إيران في المنطقة والعالم:
إيران كقوة إقليمية مستدامة: رغم العقوبات والعزلة الدولية، من المرجح أن تظل إيران قوة إقليمية رئيسية بفضل شبكاتها من الحلفاء الإقليميين. طالما استمرت إيران في دعمهم، فإن دورها سيظل حاضرًا وتصاعديا في الشرق الأوسط.

– البرنامج النووي: مستقبل إيران على الساحة الدولية يعتمد على حنكتها وحكمتها السياسية و إلى حد كبير على تطورات برنامجها النووي.
إذا واصلت إيران تطوير برنامجها النووي دون التوصل إلى اتفاق دولي شامل، قد يؤدي ذلك إلى مزيد من التوترات والتصعيد العسكري.
من جهة أخرى، اتفاق نووي جديد قد يخفف من العقوبات ويسمح لإيران بالعودة إلى السوق العالمية للطاقة.

– التحديات الاقتصادية: اقتصاد إيران يواجه ضغوطًا كبيرة بسبب العقوبات، التضخم، وتدهور العملة.
قدرة النظام الإيراني على التعامل مع هذه التحديات الاقتصادية ستؤثر على استقراره الداخلي وقدرته على دعم حلفائه الإقليميين.

– العلاقات مع دول الخليج: من الممكن أن تشهد العلاقات بين إيران ودول الخليج بعض التهدئة إذا تمكنت هذه الدول من التوصل إلى تفاهمات أمنية إقليمية، لكن تظل التوترات قائمة بسبب التنافس على النفوذ في العالم العربي وبالخصوص الاميركي الغربي.

* تأثير إيران على إسرائيل والشرق الأوسط:
– التهديد المستمر لإسرائيل: إيران ستظل تشكل تهديدًا لإسرائيل ووجودها على المدى الطويل بسبب دعمها لحركات المقاومة وتطويرها برنامجًا نوويًا. أي تصعيد عسكري بين الطرفين قد يجر المنطقة إلى صراع أوسع.

– الدور الإيراني في المنطقة: إيران ستستمر في لعب دور رئيسي في الصراعات الإقليمية، سواء في سوريا، العراق، اليمن، أو لبنان. هذا الدور يجعلها لاعبًا أساسيًا في كل مفاوضات أو تحالفات تتعلق بمستقبل المنطقة.

* ايران الحاضر: تعتبر إيران حاليا لاعبًا محوريًا في العديد من القضايا الجيوسياسية التي تعيد تشكيل ملامح الشرق الأوسط والساحة الدولية منذ الثورة الإسلامية عام 1979. تعتمد إيران على استراتيجية دعم الحلفاء في مناطق النزاع، مما يتيح لها تعزيز دورها الإقليمي دون تدخل عسكري مباشر. يشكل الحرس الثوري الإيراني القوة الرئيسية وراء هذه الأنشطة، حيث يدير عمليات الدعم والمساندة لحزب الله والحوثيين والعراق وسوريا.
في سوريا، كان دعم إيران لحكومة بشار الأسد عاملاً حاسمًا في الحفاظ على النظام خلال “الثورة” والحرب الكونية عليها، بينما أصبح العراق ساحة رئيسية لإيران في دعمها له، بعد الإطاحة بصدام حسين، مما يمكنها من الضغط على الولايات المتحدة ووكلائها.

علاوة على ذلك، يُعتبر دعم إيران للحوثيين في اليمن جزءًا من صراعها الإقليمي مع السعودية، حيث تساهم المساعدات العسكرية في تهديد الأمن السعودي وتعزيز موقف إيران كقوة معارضة لهيمنة وتعجرف السعودي وتحالفه الدولي.
في السياق الإقليمي، تعد إسرائيل العدو الرئيسي لإيران، حيث يتصاعد القلق بشأن البرنامج النووي الإيراني والأنشطة العسكرية لحلفائها، مما يُشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل.

كما تتسم العلاقات بين إيران ودول الخليج بالتوتر، خاصة مع السعودية والإمارات، اللتين تسعيان، بالتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة، إلى احتواء الدور الإيراني. رغم التعاون المحتمل مع تركيا في بعض القضايا، إلا أن هناك تنافسًا واضحًا على دور كلاهما في المنطقة.

على الصعيد الدولي، تستمر العلاقة بين إيران والولايات المتحدة في التوتر، خصوصًا بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي، مما يترك تأثيرات سلبية على الاقتصاد الإيراني. في المقابل، تُعزز إيران علاقاتها مع روسيا والصين، حيث تعتبر روسيا شريكًا استراتيجيًا في سوريا، بينما تمثل الصين شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا.

ستظل إيران لاعبًا رئيسيًا في المشهد الجيوسياسي، تسعى لتوسيع دورها من خلال استراتيجيات متعددة ترتكز على دعم حلفائها وبناء تحالفات قوية. إن استمرار هذه الديناميكيات سيؤثر بشكل كبير على مستقبل الشرق الأوسط والنظام الدولي، مما يجعل إيران طرفًا فاعلاً في أي معادلة تتعلق بالأمن والاستقرار في المنطقة.

اذا؛ إيران ستستمر في تعزيز دورها الإقليمي والعالمي من خلال تحالفاتها الاستراتيجية ودعمها العسكري واللوجستي لحلفائها في المنطقة. رغم العقوبات والعزلة الدولية، تظل قوة مؤثرة في الشرق الأوسط، مما يخلق تحديات مستمرة لإسرائيل ودول الخليج والولايات المتحدة. مستقبل إيران سيعتمد على قدرتها على التعامل مع التحديات الداخلية، والوصول إلى تسويات دولية بشأن برنامجها النووي، وتحقيق توازن في علاقاتها مع القوى العالمية مثل روسيا والصين.

* خاتمة:
يمكن القول إن الثورة الإسلامية الإيرانية كانت المحرك الرئيسي للعديد من التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط والعالم. من دعم الحركات المسلحة والمقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا واليمن، مع سعيها الدؤب إلى تعزيز قدراتهم وحمايتهم، في وجه تصاعد التوترات مع إسرائيل، الدول العربية، والغرب.

كذلك؛ الثورة لم تؤثر فقط على العلاقات الإقليمية، بل ساعدت في إعادة صياغة التحالفات الدولية وعمليات التطبيع بين العرب وإسرائيل كجزء من استراتيجية إقليمية لاحتواء إيران. هذه التحولات الجيوسياسية كان لها تأثير كبير على توازن القوى في الشرق الأوسط وأدت إلى تعقيد المشهد الدولي الحالي.

وفي ظل التحولات الجيوسياسية الكبرى، واندماج المشاريع الفكرية والاستراتيجية لإيران في قلب الصراعات الإقليمية والدولية، تتجه المنطقة نحو إعادة تشكيل نظام عالمي جديد، يتميز بتعدد الأقطاب وانهيار تدريجي للهيمنة الأحادية التي قادتها الولايات المتحدة لعقود.
إيران، التي انطلقت من رؤية الإمام الخميني في بناء نفوذ إقليمي ودولي قائم على مقاومة الاستعمار الجديد والهيمنة الغربية، أصبحت لاعبًا محوريًا في تحديد مسارات المستقبل السياسي للشرق الأوسط.

في هذا السياق، يتضح أن الصراع بين إيران وإسرائيل أصبح جزءًا لا يتجزأ من التوجهات الاستراتيجية في المنطقة، حيث تسعى إيران لتعزيز محور المقاومة في لبنان وفلسطين، مما يشكل تهديدًا استراتيجيًا دائمًا لإسرائيل، التي تجد نفسها في مواجهة دور إيران وحلفائها المتصاعد على حدودها الشمالية والجنوبية.

كما ان دعم إيران لحركات المقاومة الفلسطينية، مثل حماس والجهاد الإسلامي، وتعزيز قوة حزب الله في لبنان، يمثلان حجر الأساس في مواجهة المشاريع الإسرائيلية، ليس فقط في فلسطين، ولكن أيضًا في إعادة تشكيل التوازنات العسكرية والسياسية في المنطقة.

في الوقت نفسه، تقف القضية الفلسطينية عند مفترق طرق حاسم، حيث تشكل إيران أحد أبرز داعمي المقاومة الفلسطينية، في وقت تسعى فيه بعض الدول العربية نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. هذا الواقع يضعف إلى حد ما جبهة الصمود العربي التقليدي، لكنه في الوقت ذاته يعزز دور إيران كلاعب بديل يتبنى بوضوح خيار المقاومة كوسيلة لاستعادة الحقوق الفلسطينية وهاذا ما اكدته عدوان العدو الاخير والمستمر على غزة .

لبنان، الذي يعاني من أزمات سياسية واقتصادية حادة وعدوان مستمر عليه من العدو الاسرائيل والذي يشكل تهديد استراتيجي على وجوده في ظل سياسة التوسع والاحتلال والاستيطان وفكره التلمودي الصهيوني وحلمه ببناء وطن قومي يهودي حدوده من البحر الى النهر(النيل والفرات) بل سيشمل الخليج كله من خلال التطبيع والتضييع للامة ومقدراتها والهيمنة عليها، يظل لبنان ساحة مهمة للصراع بين ايران والقوى الإقليمية والدولية الاخرى(اميركا والغرب)، والتي تحاول الحد من دورها في دعم لبنان عبر حليفها الاستراتيجي حزب الله.
وفي ظل تفاقم التوترات بين إيران وإسرائيل، سيبقى لبنان نقطة ارتكاز في هذه المعادلة المعقدة، حيث ستتحدد توازنات القوى المستقبلية بناءً على ما يحدث على الأرض اللبنانية.

في النهاية، يبدو أن النظام العالمي يتجه نحو نموذج تعددية الأقطاب، حيث ستستمر إيران في تعزيز موقعها عبر تحالفات جديدة ومعادلات إقليمية معقدة. سيكون لهذا التوجه تأثير عميق على مستقبل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وعلى الاستقرار الإقليمي بشكل أوسع.
وفي ظل هذا المشهد المتغير، تبقى إيران لاعبًا رئيسيًا يسعى إلى إعادة رسم خرائط القوة والنفوذ في الشرق الأوسط، وهي مستمرة في تقديم رؤيتها القائمة على المقاومة والتحدي كقوة دافعة في هذا التحول العالمي. حيث العالم يتجه نحو مزيد من التوترات والتعقيدات على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
التنافس بين القوى الكبرى (الولايات المتحدة، روسيا، الصين) سيستمر في تشكيل النظام الدولي، بينما ستظل الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط في تصاعد، منذ احتلال فلسطين، وبعدها انتصار الثورة الإيرانية وتداعياتها على العدو وكيانه وتبني قضية فلسطين، وهذا يعتبر جزءًا أساسيًا من المشهد الجيوسياسي، في تشكل التحالفات الدولية بناءً على المصالح المشتركة لمواجهة التهديدات المتزايدة، مع استمرار التنافس على الموارد، النفوذ السياسي، والتكنولوجيا المتقدمة.

يمكن القول إن الثورة الإسلامية الإيرانية أحدثت تحولات جيوسياسية واسعة في المنطقة والعالم. هذه التحولات لم تقتصر فقط على إيران بل امتدت لتشمل الشرق الأوسط بأسره، وأسهمت في إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية. كما دفعت الثورة إلى بروز قوى جديدة على الساحة العالمية، مما جعلها حدثًا محوريًا في تاريخ النظام الدولي.

في النهاية؛ يبقى فكر الإمام الخميني يمثل منارة هداية وإلهام لحركات التحرر والمقاومة في العالم، حيث انطلق من رؤية عميقة تتجاوز حدود الزمان والمكان.

أسس الامام الخميني(قدس) لفلسفة تحث على مواجهة الظلم والاضطهاد، مشددًا على أهمية الوقوف إلى جانب المظلومين في كل مكان.

لقد جسّد هذا الفكر الإيمان القوي بضرورة التحرر من كل تبعية، سواء كانت استعمارية أو اقتصادية، داعيًا إلى اتباع نهج الله الواحد الأحد في نصرة الشعوب المستضعفة.

في قلب هذا الفكر، نجد دعوة للتوحد ضد القوى الباطلة التي تسعى لفرض هيمنتها على إرادة الشعوب.

كانت كلمات الإمام ومازالت تأكيدًا على أن النضال من أجل الحق هو واجب إنساني وأخلاقي والهي قبل كل شيء، وأن السعي نحو الحرية لا يقتصر على أمة معينة، بل هو مسعى جماعي يتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية.

كما تتجلى رسالة الإمام في دعوته إلى الاستقلال والكرامة، مؤكدًا أن التحرر الحقيقي يأتي من خلال الوعي والالتزام بالقيم الأخلاقية والدينية.

من خلال هذه الرؤية، أصبح الإمام رمزًا لحركات المقاومة التي تسعى إلى استعادة حقوقها ومواجهة الظلم، مستلهمةً من نهجه في الإيمان بالله والعدالة.

لقد ألهم فكر الإمام الخميني الملايين من الأشخاص في شتى بقاع الأرض، محثًا إياهم على مقاومة الظلم ورفض الاستعباد.

من خلال هذه الرسالة العميقة، تظل أفكاره حية، تدفع الناس إلى اتخاذ مواقف شجاعة، وتحرير أنفسهم من قيود القهر والتمييز، في سعي دائم نحو تحقيق العدالة والمساواة والحرية وتحرير فلسطين والامة من عبودية لغير الله.

زر الذهاب إلى الأعلى