عن الاحزاب المسيحية والمرجعيات الدينية: اي مشروع سياسي مسيحي اليوم ؟ بقلم الصحافي قاسم قصير

المتابع للواقع المسيحي السياسي اليوم يشعر بحجم المازق الكبير الذي تواجهه الساحة المسيحية في ظل المتغيرات السياسية الداخلية والخارجية والتطورات المتسارعة في المنطقة وعدم قدرة الاحزاب المسيحية والمرحعيات الدينية في مواكبة هذه المتغيرات وتقديم مشروع سياسي قادر على مواكبة هذه المتغيرات والسعي لتحقيق الاهداف التي ترفعها هذه الاحزاب او المرجعيات الدينية وكذلك تنتشر في معظم الأوساط المسيحية.
وطبعا لا يمكن الاحاطة بكل هذه الإشكالات والتحديات كون ذلك يتطلب دراسة شاملة وتفصلية ولكن من خلال تواصلي مع العديد من القيادات المسيحية الحزبية وكذلك المؤسسات الدينية المسيحية ومشاركتي في الحوارات والنقاشات المعلنة وغير المعلنة ساحاول تقديم بعض الملاحظات الاولية على امل ان اوفق لاحقا لتقديم معلومات تفصيلية عن هذه الاحزاب وبعض المؤسسات الدينية وكذلك بعض المؤسسات الناشطة في الحوارات وفي مؤسسات المجتمع المدني وبعض الهيئات العلمانية .
وهذه ملاحظات اولية للنقاش والحوار :
اولا : عدم وجود مشروع مسيحي واضح في هذه المرحلة يتم تبنيه من غالبية القوى المسيحية وعدم وجود خطة عمل مشتركة بين هذه الاحزاب والمرجعيات الدينية على غرار ما حصل في مراحل سابقة من تاريخ لبنان .
ثانيا : عدم التوافق بين ما تريده بعض الاحزاب المسيحية والمرجعيات الدينية وبين ما تريده القوى الدولية والإقليمية وهناك ثلاث قضايا يمكن الاشارة اليها ومنها الموقف من النازحين السوريين ورغم ان هناك موقف مسيحي يدعو لارجاعهم الى سوريا فالقوى الدولية والإقليمية ترفض ولا يمكن تطبيق ذلك والموقف من حزب الله وسلاحه فرغم وجود بعض الاصوات المسيحية التي تدعو لمواجهته فلا توجد حتى الان رغبة دولية وإقليمية بذلك وثالثا حول الازمة السياسية الداخلية فالقوى الدولية والإقليمية تدعو للحوار مع الثنائي حركة امل وحزب الله وحلفائهم للتوصل الى حل متكامل في حين ان القوى المسيحية الأساسية ترفض ذلك بحجج مختلفة وترفض التسوية .
ثالثا : وجود باطنية في المواقف المسيحية فرغم ان معظم الاحزاب المسيحية تدعو لتطبيق اتفاق الطائف وقيام دولة المواطنة فانه على ارض الواقع فان هذه الاحزاب تريد تعديل اتفاق الطائف وترفض إلغاء الطائفية السياسية وتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية وطبعا بكركي تتبنى ذلك لكنها ليس لديها الية عملية وبعض الأطراف المسيحية تطالب بالفيدرالية لكن لا وجود لرؤية واضحة حولها ولا الية عمل محددة .
رابعا : ترفع بعض الأحزاب المسيحية والمرجعيات الدينية بعض الشعارات الجذابة مثل الحياد ورغم ان كل الدراسات والمؤتمرات اثبتت عدم القدرة على تطبيق هذا الشعار فان هذا الشعار لا يزال مطروحا وهو يثير المزيد من النقاش .
خامسا: هناك غياب لمعظم المرجعيات الدينية عن الحضور السياسي الفاعل باستثناء حضور بكركي والمطران الياس عودة ولكن بقية المرجعيات وخصوصا الأرثوذكسية و الكاثوليكية ليست حاضرة وفاعلة في المشهد السياسي والشعبي رغم حضور شخصيات ومجموعات من هذه الطوائف تطلق ورشا حوارية كما جرى مؤخرا من قبل مؤتمر تجدد للوطن الذي يراسه الاستاذ شارل عربيد او جهود الدكتور ادونيس عكرة حول ثقافة المواطنة ووثيقة الاخوة الانسانية او مشروع الحبهة الوطنية لاطلاق حوار وطني او منصة المواطنة.
سادسا : الاصوات الحادة والخلافية تتقدم المشهد الاعلامي والسياسي وتغيب الاصوات العاقلة والحكيمة مع بعض الاستثناءات واما الشخصيات الفكرية والدينية التي كانت تحضر في المواقف الصعبة فهي تغيب عن المشهد السياسي والثقافي الا فيما ندر .
سابعا : تتميز المواقف المسيحية وخصوصا لدى الاحزاب بردة الفعل على الأحداث وتتغير المواقف مع تغير الأحداث وتغيب الخطة الاستراتيجية الواضحة وقد تكون لدى القوات اللبنانية خطة استراتيجية تعمل عليها ولكنها غير واضحة وتعتمد الباطنية واما التيار الوطني الحر فرؤيته تتغير حسب التطورات وحزب الكتائب من غير الواضح ماذا يريد اليوم .
ثامنا: يلاحظ التمايز في المواقف بين رؤية الفاتيكان ومواقفه وبين مواقف الاحزاب المسيحية وبعض المرحعيات الدينية المحلية ولا توجد استراتيجية موحدة .
تاسعا : غياب المشروع الوطني المشترك مع قوى اسلامية فاعلة وتراجع كل اللقاءات الوطنية السياسية المشتركة مع وجود شراكات ضعيفة وغير فاعلة مثل لقاء النواب المعارضين او لقاء سيدة الجبل او الجبهة السيادية .
عاشرا : تراجع دور الاحزاب الوطنية العابرة للطوائف وما بقي منها ليس له فاعلية كبيرة .
عاشرا : رغم وجود مؤسسات حوارية وبعض المجموعات التي تدعو للحوار واقامة نشاطات حوارية فانها لم تنجح في ايجاد مناخ وطني عابر للطوائف حتى الان لان الاحزاب المسيحية الفاعلة تعتمد خطابا شعبيا حادا يقطع الطريق امام اية مبادرة حوارية جدية .
حادي عشر: تشكل الجامعات المسيحية مساحة مهمة للحوار والنقاش وكذلك بعض الهيئات المدنية لكنها تقتصر احيانا على جمهور معين ولم تستطع اختراق الجمهور العام والمتنوع .
على ضوء كل ذلك نحن امام ازمة عميقة لا تعالج في انتخاب رئيس جديد للجمهورية او تشكيل حكومة او مقاربات جزئية بل هناك حاجة لحوار وطني عام واذا كانت الأحزاب المسيحية والمرجعيات الدينية جادة في الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية فانها معنية بقراءة الوقائع اليوم وكيفية تجاوز العقبات واذا كان الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لذلك فلماذا لا تتبنى هذه الاحزاب ذلك اذا كانت جادة بالوصول الى حلول عملية والا فان التشبث بمواقف معينة لا يفيد ابدا .
وما كتبته هو للنقاش والحوار وليس لتسجيل المواقف .