بأقلامنا

نص كلمة المهندس السيد محمد شرف الدين خلال حفل تكريمه ضمن فعاليات معرض الكتاب العربي الخامي في صور

بسم الله الرحمن الرحيم

” إقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، إقرأ وربك الأكرم الذي علّم الإنسان ما لم يعلم ..”

وأنا أمام محراب الكتاب العربي في معرضه الخامس ، والذي تقيمه مشكورة جمعية “هلا صور” الثقافية والإجتماعية وراعيها الصديق عماد سعيد (مع حفظ الألقاب يا أبا   بشار) ، أقفُ حاجّاً لما للكتاب، أيامنا هذه، من أهمية وقدسية بعد تعرضه للإبعاد والإهمال من قِبَل الوسائل الإلكترونية ومواقعها مثل “غوغل” وأخواتها . إلا أنني، ومن على منبرٍ لموقع إلكتروني(هلا صور) أؤَكدُ إلتزامي المطبوعات الورقية ، كتاباً وصحافة وإعلام، ومطالعتها بفيضٍ من حنين، واستمتاعٍ أثير برائحة الورق المصنوع، وقد تلونت سطورُهُ بعطر الحضارة ومداد المعرفة. وكم أراني مشدودا الى أمل مرتجى، بأن تبقى له المكانة المفرَدة والأهمية المميزة ، بعيدأً عن أي تهميشٍ من هنا أو إلغاء من هناك. وهنا أبادرُ الى القول أنّ أمَلي هذا، لا يعني بالضرورة دعوةً الى إهمال عالم النشر الإلكتروني، أبداً.. فشئنا أم أبينا هو سمةُ العصر ومضمونٌ لحضارةٍ تتطور دون حدود . أمّا الإعلام ودوره المؤثر والخطير في آن معاً ، لما له من أثر كبير على غير صعيد، كونه يدخل الى مسام المجتمع في كل مرفق أو مجال : يقتحم عالم السياسة من بابها الواسع ، ويدخل المرافق الإقتصادية ، كما أنه بمتناول كل شرائح المجتمع ، فيشاركها صناعة الوعي اليومي ويبني مع غيره ثقافة مجتمع وجيل ، ناهيك عن تسلله الى البيوت والمدارس والمنتديات والمقاهي … حاملا معه الغث والسمين، ليفرض تغييراً كبيراً في حدود المسؤولية الإعلامية كمرفق حيويّ، بات من الضروري رصد آثاره، وتتبع إنعكاساته في كل مفاصل المجتمع وعلى قطاعاته المختلفة . فبعد أن كان الإعلام مسؤولية الإعلاميين فقط ، أصبح اليوم مسؤولية مجتمع بأسره . وهنا ، تلعب وسائل النشر الإلكترونية دورا بالغ الأهمية  والخطورة في تنكّبها للمسؤولية الملقاة على عاتق أصحابها، ضمن قوانين ناظمة عصرية ولا تخلو من حصافة هادفة . ويمكن أن يتجلى ذلك من خلال المواقع والحسابات الإعلامية والإجتماعية وفي طروحات شديدة التنوع والإختلاف، والتي يمكن لبعضها أن يتخطى حدود المسؤولية، ما يشكل تعدياً على الآخر بذريعة حرية الرأي والإعلام ..نعم، إن حرية الرأي والتعبير مقدسة، وبالتأكيد هي مصانة بموجب القوانين المرعية الإجراء، أي هي حرية نمارسها بمسؤولية بعيداً عن أي خِفّة أو ابتذال، ولا أضيف جديداً عندما أقول: إنها حرية تقف عند حدود حرية الآخرين، خصوصاً ونحن نعيش اليوم في زمن رديء، لا أجد توصيفاً أكثر دقة وأشدّ مطابقة له من قول سيد الكلام أمير المؤمنين (ع): “أيها الناس أنّا قد أصبحنا في دهر عنود، وزمن كنود ، يُعدُّ فيه المحسن مسيئاً والظالم فيه عتواً ، لا ننتفع بما علمنا ولا نسأل عما جهلنا “. كان ذلك منذ أربعةَ عشرَ قرناً فما أشبه الأمس باليوم ، إذ دعا أمير المؤمنين ، في الوقت نفسه ، الى التعايش السلمي بين أبناء الديانات والمجتمعات المختلفة ، وعدم التفريق والتمييز بين طبقات المجتمع ، لما في ذلك من قيم إنسانية ترعى السلام ، وتحفظ حقوق الرعية لجميع الشرائع والأديان ، وتعزز التعايش السلمي فيما بينها … وهنا تسعفني الداكرة في استحضار ما قالته إمرأة لشيخ القبيلة حين قالت :

” نداوي فساد اللحم بالملح ، فكيف نداوي بالملح إن فسد الملح ؟! .. في تلميح منها الى

ضرورة وأهمية أن يكون كبير القوم – شيخا او قاضيا أو حاكما – مسؤولا مستقيما

نزيها ، كي يتمكن من النهوض بمسؤولياته تجاه أهله ومجتمعه ورعيته .. فمن يصلح الولد إن فسد رب البيت .. من يصلح الجيل إن فسد المعلم .. ومن يصلح الناس إن فسد

الحاكم ؟ . ولكم أن تتخيلوا حجم الضرر ، بل الكارثة التي ستصيب البلاد والعباد في حال فسد كل راعٍ متحللاً من مسؤوليته نحو رعيته .

أما بعد …

يسعدني أن أقف بينكم بدعوة كريمة من جمعية هلا صور الثقافية ، والتي أسسها الصديق العصامي ” أبوبشار” ، ساعياً دون كلل أو ملل مع نخبة طليعية من الإعلاميين والشاعرات والشعراء وغيرهم من المهتمين ، الذين يواكبون الأجواء الإعلامية لمدينة صور وجبل عامل، الى جانب مواقع إعلامية عدة تتمتع بالمصداقية والإحترام ، وتعمل جاهدة للنهوض بقطاعَي الإعلام والإعلان ، في لبناننا الغالي عامة وفي جبلنا العاملي الأشم على وجه الخصوص .

في الختام ، أتوجه بجزيل الشكر الى جمعية هلا صور ، كما أشكر الأصدقاء الخطباء

الذين تعاقبوا على الكلام في هذه المناسبة ، مع فائق الإحترام لهم وللأهل والأصدقاء

والحضور الكريم… سدد الله خطانا ووفقنا في مسعانا وأخرج البلاد والعباد من غمة

كورونا وهو ولي التوفيق والسلام …

19/12/2020

 

زر الذهاب إلى الأعلى