بأقلامنا

لبنان وقبرص مشكلتان في سلة واحدة بقلم د. شريف نورالدين

بتاريخ: ٢١ / ٦ / ٢٠٢٤

 

قدر لبنان وقبرص منذ فجر التاريخ يعيشان نفس المشكلة مع المستعمر والمحتل وهذا ما يؤكده التاريخ والوثائق الموثوقة في مسار ومصير واحد، صورة واحدة منسوخة شكلا ومضمونا، ان من حيث موقعهما الجغرافي او دورهما في الملعب السياسي الاقليمي والدولي.

من حيث الشكل يملكان نفس المناخ والمساحة الجغرافية المتقاربة والطبيعة من حيث الارض وجبالها وبحرها والفضاء التكاملي والحدود البحرية فيما بينهما، فرض عليهما ان يكونا كل واحد منهم ظهيرا للاخر وعلى كل المستويات( الاقتصادية والمالية والجيوسياسية)و كذلك من حيث الثقافة والعادات والتقاليد المتقاربة جدا، والدين نوعا ما وتنوعه الطائفي والمذهبي(مسيحيون ومسلمون) والتي تختلف بها عن محيطها في منطقة الشرق الاوسط، مع مركزهم ومحورهم بين القارات.

من حيث المضمون لدورهما جعل منهم اهمية كبرى في نظر الاخرين لموقعهما، مما أثار حفيظة الكثيرون لهذان البقعتان من الارض، وهذا ما أتاح للبنان ان يصبح بوابة للقارات الثلاث وقبرص ان مفتاحه لمنزل واحد لا يملكانه، من حيث التبعية والسيادة كونهما مركز لصراعات الامبراطورية مثال(العثماني والبريطاني) وما قلهماعلى مدى الزمن ولايزالان في دائرة هذا الصراع المتجدد وفي قلب الحدث لتنفيذ سياسات اقليمية دولية، حيث اطماع تركيا بالنسبة لقبرص واسرائيل بالنسبة للبنان، وهذا لايختلف عليه احد مع ما حدث ويحدث في المنطقة، من غزو تركي للجزيرة واحتلالها وتقسيمها وحروب واحتلال اسرائيلية مستمرة على لبنان، وهذا ما هو الا ثمن باهظ وكبير يدفعه كل واحد منهما نتيجة للاطماع والسياسات العالمية وأيضا ضعفهما من حيث صغر حجمهما و الانتاجية والقوة لديهما، مما أفقدهم السيطرة مقابل قوة الاخرون المفرطة مثال(اسرائيل وتركيا) وهذا ما أدى بهما الى تخبط وارباك وعدم امان واستقرار اقتصادي وسياسي وامني وعسكري وغيره، مما ذاد من القلق وعدم اليقين لرؤية المستقبل للمقيمين في هذه الارض وكذلك للاجيال القادمة، وهذا ما ادى بهما الى خلل في ديموغرافيا الهجرة والنزوح المتكرر والخطر ، السوري والفلسطيني في لبنان وكذلك قبرصوالاخطر لها بسبب سهولة وصول اللاجئ اليها كدولة تعنيهم في الاتحاد الاوروبي، وهذا يستدعي التنبه له والغمل عليه قبل فوات الاوان وبالخصوص على أصولية شعب قبرص لبنان ووجودهم على هذه الارض، بعد فقدانهم للسيادة…

نعم! لنكن واقعيون والنطرح على انفسنا هل لنا دولة وسيادة؟

في ظل القوانين والنظريات المعتمدة لمفهوم الدولة والسيادة هل لنا حدود حقيقية غير مباحة؟

هل لنا مفهوم دولة أم وصاية أم حكم ذاتي وهوالاقرب للواقع في الاطار الدولي للدول؟

هل نحن من نقرر مصيرنا ومستقبلنا ومستقبل اطفالنا بحياة رغيدة سعيدة امنة ام هجر هذا الارض؟

هل نحن فعلا شركاء في رسم وتحديد سياسات الدول العظمى على مسرحنا؟

هل نحن من يحدد نوع وشكل واهداف الصراعات التي لا تنتهي ولن تنتهي ليس عاجلا ولا اجلا بسبب الجشع والهيمنة العصرية المتوحشة التي سبقت كل حيوانات الارض المفترسة قتلا وفتكا واستغلالا دون رحمة وانسانية واخلاقية اذا وجدت او ما تبقى منها في هذا العصر المخزي المشين لكل اصحاب المؤامرات والطهاة في المطبخ السياسي العالمي؟

هل نحن من يحدد ساعة الصفر للحروب المفروضة علينا اما اصحاب القوى العظمى؟

نعم! المطلوب التفكر بهدؤ وبعلانية متناهية امام ما يحصل وما ينتظر المستقبل، حيث الحاضر يستشرقه ويطلعنا عليه، الغيرمطمئن أبدا لنا ولأولادنا…

لذا كلام نصرالله عن قبرص ودورها في قلب الصراع الاسرائيلي الفلسطيني اللبناني شاءت أم أبت، هو موجه للاوروبي الداعم لاسرائيل في حربه على غزة من ارسال اسلحة ومشاركة امنية كما تؤكده التسريبات الاعلامية وغيرها، والاميركي والبريطاني الداعم المطلق لاسرائيل لسياساتها وحروبها والمشارك بشكل مباشر في العمليات العسكرية والامنية برا وبحرا وجوا في حرب اسرائيل في المنطقة من البحر الاحمر الى بحر المتوسط وعلى ارض غزة بما فيهم جزيرة قبرص وهذا واضح للعيان للقريب والبعيد ولا يخفى على احد من اعلامي ومراقب ومتابع وباحث وقارئ ومحلل ومطلع على حيثية الحرب الدائرة مع نفي حكومة قبرص في هذا الشأن مع شكوك احزابها وجزء كبير من مجتمعها حول هذا الموضوع، كما ذكر سابقا في الاعلام القبرصي بمطالبة حكومتها توضيح حول استخدام مطارات على ارضها للطائرات الحربية الاميركية البريطانية في هذا الصراع، وللاسف كان رد الحكومة ضعيفا جدا وغير دبلوماسي وسيادي حيث قالت ان لا علم لها بذلك، وهذا الكلام لا يعبر عن دولة ذات سيادة في مفهوم الدول، وهذا عذر أسوء من ذنب لايتقبله العقل والمنطق.

من هنا جاء كلام نصرالله مستبقا الاحداث وفي سياق الردع المسبق لسياسة اوروبا واميركا وبريطانيا ودورهم في هذه الحرب، وما تتجه اليها الامور من تطورات متسارعة لاتساعها والتي حتما ستؤدي الى انفجار كبير على مستوى كل المنطقة وما ستشكله من خطر داهم ومرتقب قريب على اهلها وبالخصوص قبرص ولبنان بعد غزة…

حديثي ليس دفاعا عن كلام نصرالله انما جاء في اطار التحليل الاستراتيجي والقراءة للمرحلة الراهنة وما بعدها في ظل ما يجري وما يحصل.

ويبقى السؤال الاهم عن كلام نصرالله حول قبرص في هذا التوقيت بالذات؟

بكل تاكيد ان رد وموقف رئيس جمهورية قبرص السيد Nikos Christodoulides العقلاني والمتميز بالرد على كلام نصرالله هو محل تقدير واحترام وبالخصوص لدور قبرص كممر انساني للمساعدات الى اهل غزة، وهذا يبرهن عن اطلاعه العميق الواسع لهذه الحرب وفهم المرحلة القادمة المعقدة جدا واهمية دور قبرص فيها كشريك في الحل وليس التصعيد…

لكن السؤال! هل باستطاعة الرئيس القبرصي وحكومته مواجهة الضغوط التي ممكن ان تفرض عليهم في حال اتساع الحرب وعدم تورط دولة قبرص فيها، حيث سياسة الاتحاد الاوروبي الداعم والمتفرج والساكت على ما يحدث في غزة، او الهيمنة الاميركية على جزء كبير من العالم وبالخصوص منطقة الشرق الاوسط وتحديد السياسات وشكل الحرب القائمة…

مع احترامي الكامل لقبرص ودولتها حكومة وشعبا المشكلة ليس في الكلام من هنا وهناك، رأيي ورأي الكثير في هذا العالم شعوب ومجتمعات وحكومات ودول وعلى كل الاصعدة، نعلم ويعلمون اين تقع، هي! عند نتنياهو وحكومته المتطرفة التي تتحدى وتستعلي وتدهس بقدمها وتضرب في عرض الحائط كل العالم وقوانينه ومؤسساته الدولية الحقوقية والانسانية من هيئة الامم المتحدة الى محكمة لاهاي وغيرها، في عدم الاستجابة الى مقترحات الحلول لانهاء هذه الحرب، بل مع اكثر تعنتا وعنادية لتوسيعها…

هنا يكمن الحل مع وضع حد جذري نهائي لهذه المجزرة الدائرة بحق اهل غزة، والتي يستطيع الاميركي قبل الاوروبي وغيره بوقفها اذا ارادوها بجد، وهي حقيقة لا تخفى على احد عاقل…

كلمة اخيرة؛ ان شعب قبرص ولبنان شعبا واحدا تحكمه نفس الظروف والسياسات الاقليمية والعالمية وفي بيئة واحدة متوترة دائما وجفرافيا واحدة، وهذا ما يؤكده السياق التاريخي على انسجامهم وتوافقهم ووحدة معاناتهم من هجرة ونزوح ولجوء معاصرة وازمة اقتصادية ومالية واحتلال واستعمار…

لطالما كانا ظهيرين لبعضهم البعض حيث لا حدود انسانية بينهما وهذا ما برهنته الايام والاعوام من زيارات واقامة واستثمارات متبادلة مع كل ازمة وصراع وحروب طوال هذا الزمن، حيث لا عدائية وعدوانية واطماع او حروب أو تنازع وخصام بينهما في أي وقت من الاوقات.

لقد خط القدر لكما قدرا واحدا وحياة واحدة من المعانات وظلم الاخرون لكم، وان تبقوا دائما ابدا في سلة واحدة لمواجهة التحديات والازمات والاطماع الخبيثة من هنا وهناك شرقا وغربا…

لذا؛ كلام نصرالله ليس عدوانية وتهديد، بل بعيدا كل البعد عنه، وهو العالم العارف باهمية قبرص وشعبها ومصيرهما ومسارهما الواحد تاريخيا وحاضرا ومستقبلا، وهو الذي قاتل ويقاتل وحزبه في سوريا عدو الجميع (الداعشي والتطرف المدعوم من عدوكم التركي وغيره الكثير ) والكل يعلم من اين اتى هذا التطرف ومن يدعمه ويموله ويديره اقليميا ودوليا…

كلام نصرالله ما هو الا من باب الضغط على الاوروبي والاميركي والبريطاني لوقف الحرب على غزة وحماية لاهل قبرص من توريطهم في حرب لا علاقة لهم فيها استباقا لتطور الاحداث وما تؤول اليها الامور من مخاطر خطيرة جدا جدا تحضر لها اميركا واسرائيل واتباعهم، وخير دليل التصريحات والتسريبات الاخيرة لبايدن ولفريقه السياسي للافراج عن ٥٠ طائرة حربية حديثة وتسليمها لنتنياهو وحكومته المتطرفة مع ضوء اخضر بالحرب على لبنان، وهذا ليس كلام عابر هذا ما تحدث عنه الاعلام الاميركي والاسرائيلي قبل غيرهم في الساعات الماضية وأيضا زيارة هوكشتاين الاخيرة للبنان واسرائيل مع تعنت نتنياهو وحكومته لوقف الحرب واتساعها والتي اصبحت قاب قوسين اوادنى بعد حل كابينت الحرب المصغر…

مما لا شك فيه ان شعب قبرص ولبنان في سلة واحدة عند الاميركي امام مصالحه ومصالح اسرائيل الكبرى ومع ان هناك تعاون امني وغيره بين قبرص واسرائيل، تبقى مصالح الكبار فوق حياة “الصغار،”

وهذا ما يشهد عليه التاريخ، ولا استبعد اي حلول وتسويات في المستقبل على حساب قبرص ولبنان كما حصل لفلسطين، يكون الثمن فيه اخر ما تبقى من ارض لهم بعد مصادرة الدولة وقرارها وسيادتها، لبناء وطن بديل تركي في القسم المحتل واحتلال اسرائيلي على ما تبقى من غزة والضفة والغربية ولبنان اذا استطاع فعل ذلك.

هي السياسات واحدة بواحدة بين الكبار كما حصل في اتفاقية سايكس بيكو الملغومة الشرق اوسطية بين الفرنسي والبريطاني وتقسيم الارث العثماني، وهذا ما ادى الى وجود اسرائيل في قلب المنطقة وجعلها ساحة صراعات وحروب تلقى عليها من لاميركي والبريطاني والاوروبي، وهذا ما يشهد عليه احتلال تركي المنهكة والضعيفة من الحرب العالمية لقبرص في ظل دولي وبريطاني بالخصوص، ولولا التحرك اليوناني السريع لدعم قبرص وتضحيات اهلها لكانت قبرص اليوم اقليم ومقاطعة تخضع لتركيا ووصايتها.

فالحل موجود ولا يحتاج الى جهود في معالجة الاسباب لا النتائج، والسبب واضح والنتيجة واحدة…

لذا لا بد من التبصر؛ فاعتبروا يا أولي الألباب…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى