تحقيقات

روائعُ فنية دمَّرتْها الحرب الكبرى (1 من 2) بقلم الشاعر هنري زغيب

المصدر: بيروت- النهار العربي

في المقال الماضي (“النهار العربي”- 2 حزيران/يونيو الحالي) كتبتُ عن لوحةٍ ثمينةٍ (“كاترين دو ميديتْشي وأَولادها الأَربعة”) كانت ضائعة ثم عادت إِلى مكانها في قصر “تلة التُوت”.

من جديدٍ، أَعود إِلى روائع فنية خالدة ضاعت إِبَّان الحرب العالمية الثانية، بين كثير ما ضاع من كنوز فنية وأَدبية وآثار نادرة في أَجيج المعارك ونيران المدافع.

أَما اللوحات الفنية فمصيرُها بائس بسبب فشل أَدولف هتلر في أَن يكون رسامًا، وخصوصًا بعدما “أَكاديميا فيينا للفنون الجميلة” رفضَت قبولَه في صفوفها. لكنه ظل معاندًا ومدَّعيًا أَنه عارفٌ في شُؤُون الفن، وحين أَصبح الفوهْرر الحاكم المطلق، كان لديه حلْمٌ أن يؤَسس “متحف الفنون الأوروبي في لينْز” (لينْز يومها عاصمة النمسا العُليا، ولاحقًا – سنة 2009 – باتت “العاصمة الأُوروبية الثقافية”).

وبذاك الحْلم “الفوهْرريّ” كان ينوي الحصول على جميع روائع الرسم والنحت في العالَم. وبدأَ بجمْع تلك الكنوز من البلدان التي سيطر عليها الجيش النازي. كان من حظ بعض تلك الروائع المنهوبة أَن عادت إِلى أَماكنها بفضل مسؤُولين في مؤَسسات فنية متخصصة. لكنَّ المؤْسف أَنَّ بعضها المنهوب الآخَـر ضاع ولم يوجَد بعد. وما زالت محاولات دولية تجري لاستعادتها في حال انكشاف الأَماكن التي آلت إِليها، وإِعادتها إِلى أَصحابها الأَصليين وأُسَرهم وبلدانهم التي خرجَت منها.

من تلك الكنوز الضائعة، سأَعرض عشرة هي بين مئَات أُخرى لا تزال في كثافة النسيان أَو أَنها أُتلِفَت كليًّا في زمن الحرب العالمية الثانية.

هنا باقة أُولى من خمس لوحات.

1. رافاييل: “رسم شاب”

هذه اللوحة النادرة للإِيطالي المبدع رافاييل (1483-1520) هي من أَثمن وأَشهر اللوحات الضائعة من زمن الحرب العالمية الثانية. يرجِّح النُقَّاد أَنها رسم ذاتي لرافييل وضعَها سنة 1514، ثم آلت في ما بعد إِلى هاوي مجموعات فنية في بولونيا من أُسرة تْسَارتُوريسْكي في كراكوف. أَمر هتلر بمصادرتها من بولونيا لوضعها في “متحف الفوهْرر هتلر” سنة 1939. ضاعت اللوحة قبَيل نهاية الحرب، وتواترت أَخبار متعددة عن وجودها، أَخيرها أَنها موجودة في خَزْنة المحفوظات الخاصة لدى مصرف سويسري.

2. فان غوخ: الرسَّام يذهب إِلى عمله

هذه اللوحة للفنان الهولندي فان غوخ (1853-1890) وضعها سنة 1888 رسمًا ذاتيًّا له سائرًا بمحاذاة حقول الذُرة في بلدة تاراسكون (على الضفة اليسرى من نهر الرون، 16 كلم شمالي “آرل” حيث كان يسكن الرسام). وضعها متأَثرًا برواية أَلفونس دوديه “تارتاران الذي من تاراسكون”، وكان قرأَها وكتب عنها لشقيقه تيو. سرقها الجنود النازيون بأَمر هتلر، لكنها ضاعت تحت نيران مدافع الحلفاء التي قصفت مدينة ماغدبورغ  (وسط أَلمانيا عند نهر إِلْبْ)، ولا تزال اللوحة في الذاكرة بفضل نُسخ عنها بعدما ضاعت اللوحة الأَصلية.

3. غوستاف كوربيه: قصابو الحجارة

هذه اللوحة الرائعة بريشة الفرنسي كوربيه (1819-1877)، وضعَها سنة 1849 بأُسلوبه الواقعي، وعرَضها سنة 1850 في “معرض باريس” ولاقت نجاحًا كبيرًا لأَنها تصوِّر الحياة اليومية للفلاحين الكادحين. لكن مصيرها المشؤُوم كان أَنها احترقت في الحرب العالمية الثانية مع 154 لوحة أُخرى، فيما كانت شاحنة تنقلها إِلى قلعة كُونِنْغْشْتاين (قرب دْرِسْدِن عاصمة مقاطعة ساكسونيا الأَلمانية)، وأَصابتها قذيفة مدفعية من جهة الحلفاء في شباط/فبراير 1945.

4.  غوستاف كْلِمْتْ: الفلسفة، الطب، والقضاء

وضعها النمساوي كْلِمْتْ (1862-1918) سنة 1907، بتكليف من جامعة فيينَّا، لكنها قوبلت بنقد عنيف من النقاد والمتزمتين بتهمة أَنها لوحة خليعة ومنافية للحشمة والأَخلاق، فأَحجمَت الجامعة عن وضعها في القاعة الكبرى كما كان هدف طلبها من الرسام. عندئذ اشتراها كولومان موزِر (صديق الرسام) سنة 1911. وسنة 1938 استولى عليها النازيون، حتى إِذا انتهى معرضهُم سنة 1943، نقلوها إِلى قلعة شْلُوسّ في جنوب النمسا. وفي أَيار 1945 احترقت اللوحة حين عمَدَ النازيون المنسحبون إِلى إِحراق القلعة وتدميرها كي لا تقع تحت سيطرة الأَعداء. وكل ما يبقى منها اليوم: مخططات تحضيرية لها وبعض الصور الفوتوغرافية عنها تم التقاطها قبل وقوع الكارثة.

5. أَندرياس شْلُوْتِر: “غرفة العنبر”

شْلُوْتِر (1659-1714) نحات أَلماني من الزمن الباروكي. وغُرفة العنبر شهيرة عالَميًّا بأَنها كانت لدى قصر كاترين قرب سان بيترسبورغ. وهي مزخرفة بلوحات من العنبر مطلية بالذهب، وبمرايا على جميع جدرانها. تم بناؤُها في بروسيا أَواسط القرن الثامن عشر، بتصميم مبدع من أَندرياس شْلُوتِر، وكانت معتبَرَةً في زمانها “الأُعجوبة الثامنة” بعد عجائب الدنيا السبع. تم تدميرها إِبان الحرب العالمية الثانية، بنيران الفيلق الشمالي من الجنود النازيين عند قصفهم القصر. تم ترميمها سنة 1979 وأُعيدت إِلى قصر كاترين مجدَّدًا سنة 2003، وتقدير قيمتها اليوم يبلغ 500 مليون دولار.

في الجزء المقبل من هذا المقال: خمس لوحات أُخرى ضائعة بسبب الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى