بأقلامنا

. إلـى أُمّـي بقلم الشاعر إبراهيم عز الدين

بينما كان الأنس بأسرتنا يجود والحنان مترع يعود في حياة أمي إذ وهي تزود العائلة بالحب والودِّ والألفة فنلوذ في كنفها لننهل العطف والحُبّ، وقبل رحيل أمي بعام تقريبًا نظمت لها بعض أبيات من الشعر في عيد الأم “أعايدها” بها كهدية، وعندما أنشدتها لها تعبيرًا عن حبي وعربون وفاء لها وأنا أعلم أنّ لا شيئًا يَفي حق الأم. فقالت لي:
(( بني إقرأ لي هذا الشعر عندما أفارق هذه الدنيا))
حينها أدمعت عيناي وأجهشت بالبكاء وسجدت أقبل قدميها وقلت لها أطال الله في عمرك أمي، فلم تغيب عن ذهني تلك الكلمات بل تراودني في كل حين إلى أن رحلت ومعها الحب كله والعطف جله والحنان جمه، فتذكرت ما قالت لي بشأن قصيدتي تلك فأزمعت على تكملة القصيدة لتكون رثاءً يليق بها فبللت أوراقي والمداد من حبري بأدمعي وأحدى أبيات القصيدة جاءت
( مِنْ أدْمُعِ العَينِ قد رَصَّعتُ قَافيَتي
وَمِنْ سَحابَةِ قَلْبي يَهْطلُ المَطَرُ)
وإذ كان المطر يساقط حينها. فانتهيت من نظم القصيدة خلال أيام ثلاث فأنشدتها في ذكراها وهذه الأبيات من قصيدتي بمناسبة الذكرى السنوية السابعة لوفاتها رثاء لها.
…………

………….

أُمّي لها الوردَةُ البيضاءُ تَعتذِرُ
أَيقونةٌ في جنانِ الرَّوضِ تَنتظرُ

إِلى أَناملِها النّجلاءِ في خَجَلٍ
فَيَنتَشي العُطرُ بالأنفاسِ والزَّهَرُ

عَطْفُ الأُمُومَةِ مِنْ نْورِ السَّماءِ أَتى
لِيَزْدَهِي في سناها البَدْرُ والسَّحَرُ

أُمّي التي أَرضَعَتني الحُبَّ جاهِدَةً
شاءَ الإِلَهُ بِأنْ أَحيا ولا أَذَرُ

فَإنْ تَضيقُ بِيَ الدُّنيا تُساوِرُني
فَيَنجَلي الهَمُّ عَنْ فِكري، فَأصْطَبرُ

طَفِقْتُ أَحبو على الأطلالِ مُلتَمِسًا
أَطيافَ أُمِّي، وَبالأَشواقِ أَعتَمِرُ

أَسْتافُ مِنْها العابِقات شَذًا
وَأرشِفُ الحُبَّ مِنْ أُمِّي وأفتَكِرُ

أُمِّي إِليكِ جُموعُ النّاسِ قد وَفَدَتْ
وَالدَّمعُ مِنْ أَعيُنِ الأحداقِ يَنهَمِرُ

فَزُرتُكِ اليَومَ يا مهدَ الحَنانِ هَوًى
وَقَدْ نَعَتْكِ السَّما وَالشَّمْسُ تَنْدَثِرُ

دَمعي أُكَفكِفُهُ – أشتاقُ رُؤيَتها
لَكَمْ أَحِنُّ لَها ! لِلْعَطْفِ أفْتَقِرُ

وَكُنْتِ لي سَكَـنًا في المَهْدِ ساهِرَةً
كي تُسكنِي فِيَّ آلامي، فَأَعتَبِرُ

فَكُنْتِ لي في الأَسى عَونًا أُكابِدُهُ
ألدَّمْعُ يَنْضُبُ والأَهدابُ تَعتَصِرُ

وَكُنْتِ لي رَمَقَ الأنْفاسِ أفقِدُهُ
بِأَيِّ ظُلمَةِ لَيْلٍ هَدَّنِي خَبَرُ

وُكُنْتِ لي جَنَّةَ الباري وَمُنقِذَتي
فَأنْتِ سِرُّ نَجاتِي يَومَ أَحْتَضِرُ

بَيْتُ القَصيدِ مِنَ الأوجاعِ أنْظِمُهُ
وَفي الجَوارِحِ والوِجدانِ لي صُوَرُ

أيّ الحُرُوفِ لأُمي أصْطَفي وترًا
هَلْ لِلْحُروفِ سَنًا تَعْلو وَتَقْتَدِرُ ؟

مِنْ أدْمُعِ العَينِ قد رَصَّعتُ قَافيَتي
وَمِنْ سَحابَةِ قَلْبي يَهْطلُ المَطَرُ

فَأسْتَقي مِنْ بَناتِ الفِكْرِ ذاكِرَتي
مِنْ نَهْدَةِ الرُوحِ يَرقى الشّعرُ والفِكَرُ

تَرَكْتِني اليَوْمَ يا أُمَّي وَمُؤْنِسَتي
فَلَيْت شِعْري، زُعافُ المَوْتِ يَنْتَثِرُ

فالنُّورُ يَخْبُو وَآهاتِ النَّوى شَجَنٌ
جُلُّ المُصابِ بِفَقْدِ الأُمِّ يَسْتَعِرُ

لِمَ البِحارُ بِأَمْواجِ الرَّدَى رَكِبَتْ؟
لِمَ السَّناءُ بِطَيّاتِ الدُّجَى كَدِرُ؟

لِمَ السَّماءُ بِجُلْبابِ السَّوادِ أَتَتْ؟
حَتَّى النُّجومَ تَوارتْ وانْبَرى القَمَرُ

لِمَ الجَداولُ في الوِدْيانِ قَدْ نَضُبَتْ؟
كمَا البَلابِلُ في ألْحانِها ضَجَرُ

لِمَ الرَّحيلُ أَتَى، يَطْوي الدّيارَ بِها؟
لِمَ العَطاءُ هَوَى يَغْفو، لِمَ السَّفَرُ؟.

إبراهيم خليل عزالدين
العباسية ـ صور
٢٠١٤/٤/٢٢

زر الذهاب إلى الأعلى