بأقلامنا

  البحار الحاج سلمان فاخورى  النهار   بقلم    د حسن سلمان فاخورى

صور                      البحار الحاج سلمان فاخورى  النهار                      فى صور  وعند الساعة الثالثة بعد منتصف الليل , وقبل طلوع الفجر بقليل يسير يوميا الفاخورى صاحب المحل البسيط نهارا  والبحار الاصيل المخضرم ليلا ., يسير بمحاذاة المقابر المسلمة والمسيحية , نابحة عليه الكلاب الشاردة  وهو غير مبال بها , وكلما اقتربت منه انحنى قليلا لتناول حجر ما فتبتعد وتتوارى قليلا  ثم تعود (( لسمفونيتها ))  حين وقوفه  ولغاية اخر الطريق  تتركه  وتذهب للتفتيش عن رزقها  هذا اذا بقى بعد تفتيش الفقراء ., وهذه المعزوفة يصادفها كل ليلة عندما يذهب الى بيت صديقه  وشريكه البحار العجوز  الحانى الظهر كرزقه الحانى (( ابو مطانس الصفدى )) قارعا الباب بخفة خوف سقوطه ارضا  لكونه مدعوما بخشبة بالية ., فترد الزوجة : مهلا ياحاج سلمان
الحاج سلمان : صباحك مبارك  يا ام مطانس ..
ام مطانس : صباح الخير مباركه … كيف حالك ., وحال ظهرك , وهل زال الالم  من الصدر ؟  وكتفك الايسر .,
الحمد لله . نقاوم . ندفش . نتناسى .  الله ساترها من لامبالاة الدولة
فخرج ابو مطانس معتمرا القلنسوة خوف البرد حيث تبدو عيناه جاحظتين فوق اخاديد وجهه الملتصقة بالعظم . تحدث عن ماض غابر  ومتجلببا بسترة من جلد اسود  ومتدليا من وسطه حبل رفيع يكاد يلامس الارض  فيتبعه  الفاخورى  ملامسا السترة … سا ئلا من اين لك (( البالطو )) انها جيدة لقاومة قرصة البرد  فيجيب .. الله وفقنا اشترتها (( مرتى )) من البالات  فيرد ياليتها تصادف اخرى  قل : لزوجتك
ثم يتابعان السير باتجاه الميناء , وبين الزقاق التى لايعرف احد مالكها  الامن عاشها  وعايشها , فهذا الحائط رخامى متداع يحدثك عن الرومان  والاخر رملى من العهد العربى الحديث  وهناك سراج يطل من شباك الحاج  ابوعلى  والاخر من بيت  ابى انطون ., وهكذا يتحادثان ويحللان الاوضاع  فيقول : الفاخورى ان بلاد المسكوب استولت على  برلين  واليوم تنهار وتنذر بحرب اهلية  فرد الفاخورى  ستخرج روسيا من هذه الورطة  كما خرجت ايام الحاج ابو على هتلر  ولن تتنازل عن قنابلها الذرية  لامريكا  الى ان يصلا الميناء  حيث تدب الحياة  بين البحارة  فكل ياخذ مركبه  واضعا الشباك فى وسط الفلوكة  المركب الصغير الحجم  ومنهم من يستعمل المجاذيف  ومنهم من يستعمل  المحرك للمبطن  المركب الاكبر  ومنهم من يستعمل السنبك  المركب المتوسط الحجم  وبين الفينة والاخرى  تسمع المناداة (( هيه ياليسا )) وبالتالى يصعد الفاخورى  مؤخرة المركب قابضا بيده على الدفة  ليصحح دائما اتجاه السير  اما الصفدى  فيجلس فى المقدمة  ليشرف على الشبك  صارخا باعلى صوته  ليصل الى مسمع الفاخورى  مقاوما الريح  وضجيج المحرك  قائلا باعلى صوته مارايك بقرار الحكومة  باستبدال فتحة الشبك  من  16 ملم  الى 22 ملم  فيرد الفاخورى رغم صحة توسيع الفتحة  الحقيقة سيوسعون فتحة مؤخرتنا بسبب عدم  الطبابة والشيخوخة   ثم يبدان العمل  بوضع الشباك فى اماكنها  وهما يصارعان الريح والانواء  وعتمة الليل البهيم  وفجاة تظهر الزوارق للنازيين الجدد ضاربة بانوارها وجه الماء مطلقة النيران بشتى الاتجاهات  حيث يصاب الصفدى  فيتركان الشباك  وراءهما مهرولين هاربين  باتجاه الشاطىء  فيضع الفاخورى يده على الدفة  والاخرى على الجرح  لوقف النزف  صارخا باعلى صوته لكم يوم ياظلام التاريخ  ويعودان ادراج الريح  حيث لاطعام للافواه الجائعة  ولالطوارىء المرض  وربما لالتعويض الشباك  التى تمزقت  وضاعت فى الاعماق  وبعد ايام يعاودان الكرة  ويتفوقان بسبب لقمة العيش  ويصلحان الشباك الممزقة  ليردان الدين للمير التى اقرضتهما  وهكذا يبداءن صباح جديد  وتبدا المعانا ة والمرض  واسرائيل والكتب المدرسية  والقوت اليومى  والصرائب  وقرارات السلطات العليا  والباب العالى  ثم تتوالى الايام الروتينية  والكلاسيكية  التى لاتبديل فى الجوهر  سوى اجترار الهم والغم  حتى كانت صبيحة يوم رهيب  انتظر فيها الصفدى  الفاخورى لكنه لم يات  وطال الانتظار  فذهب الى صديقه  فراى البيت نادب نائح  حيث لم يستفق الفاخورى مسلما روحه للبارى ……..د            د حسن سلمان فاخورى

زر الذهاب إلى الأعلى