صراع المصير من هيرتزل إلى سموتريتش وبن غفير ونتنياهو”حلم إسرائيل الكبرى” يتهاوى أمام صمود غزة ولبنان\ د. شريف نورالدين

بتاريخ: 21 / 10 / 2024
صراع المصير من هيرتزل إلى سموتريتش وبن غفير ونتنياهو”حلم إسرائيل الكبرى” يتهاوى أمام صمود غزة ولبنان
منذ أن وضع ثيودور هيرتزل الأسس الأولى لمشروع الدولة اليهودية، ولدت رؤية توسعية تتجاوز حدود فلسطين التاريخية، لترسم ملامح ما يُعرف بـ”إسرائيل الكبرى”.
هذه الرؤية، التي لا تزال تحرك قادة اليمين الإسرائيلي حتى اليوم، تجد صداها في مشاريع استيطانية يقودها إيتمار بن غفير وسموتريتش، اللذان يسعيان إلى تهويد القدس بالكامل وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، في محاولة لفرض واقع ديموغرافي جديد.
وفي ذات السياق، يقود نتنياهو مخططه “أكزينو” أو “الشرق الأوسط الجديد”، والذي يستهدف إعادة تشكيل المنطقة عبر إضعاف وتقسيم الدول العربية وجعلها هشة لا تقوى على مواجهة المشروع ، لترسيخ الهيمنة الإسرائيلية, والذي يتردد صداه في وثائق وخطابات قادة اليمين الإسرائيلي عبر الأجيال، لم يكن أبدًا مجرد أحلام عابرة، بل هو عماد الفكر الصهيوني.
وبينما تحتدم الحرب الآن في غزة ولبنان، يتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة على حدود لبنان، ويواجه صمودًا أسطوريًا من المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس والجهاد الإسلامي. في ظل استشهاد قيادات كبيرة كاليحيى السنوار والسيد حسن نصرالله، لا يزال هذا الصمود يعرقل تحقيق المخططات الإسرائيلية، ويدفعها لمواجهة تحديات غير مسبوقة على جبهات عدة، من غزة حتى لبنان، بل وحتى في ظل التهديد لإيران المستمر.
– من هيرتزل إلى سموتريتش: استمرارية الفكرة التوسعية: يعود تصور “إسرائيل الكبرى” إلى مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هيرتزل، الذي تخيل دولة تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات.
هذه الرؤية لم تكن مجرد تصور نظري، بل تحولت مع مرور الوقت إلى جزء من الأيديولوجيا السياسية للتيار الصهيوني المتطرف، وهو ما نراه بوضوح في سياسات شخصيات مثل بتسلئيل سموتريتش وبن غفير واستراتيجية (اكزينو نتنياهو) بتهويد كل ما تبقى، التي تسعى إلى توسيع الاستيطان وفرض السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية بشكل كامل.
وثيقة “ينون”، التي ظهرت في ثمانينيات القرن الماضي، قدمت خطة استراتيجية لتفتيت الدول العربية المجاورة إلى دويلات صغيرة على أسس طائفية وعرقية، ما يسهل على إسرائيل فرض هيمنتها في المنطقة. هذه الرؤية تدعم مشروع “إسرائيل الكبرى”، والذي لا يقتصر على مجرد التوسع الجغرافي، بل يهدف إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط برمته بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
– حرب غزة ولبنان كجزء من الاستراتيجية التوسعية: في إطار الحرب الدائرة اليوم بين إسرائيل وحركات المقاومة في غزة، إلى جانب التوترات المتصاعدة مع حزب الله في لبنان، يمكن فهم هذه الأحداث كجزء من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى استغلال الاضطرابات الإقليمية لتسهيل تنفيذ مشروعها التوسعي.
استغلال الحروب والصراعات في المنطقة ليس أمراً جديداً بالنسبة لإسرائيل، التي تسعى من خلال إضعاف أعدائها الإقليميين إلى خلق بيئة مواتية لتحقيق أهدافها بعيدة المدى.
توسع الاستيطان في الضفة الغربية، والتصريحات الإسرائيلية المتكررة بشأن ضم أجزاء من الأردن وسوريا، تشير إلى أن الرؤية التوسعية ليست مجرد خطاب سياسي بل جزء من استراتيجية مستمرة لإعادة رسم الحدود الجغرافية والسياسية في الشرق الأوسط.
– التطبيع والهيمنة “الشرق الأوسط الكبير” كرؤية إسرائيلية طويلة المدى: رؤية “الشرق الأوسط الكبير”، التي يطرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو(اكزينو)، تقوم على تحويل إسرائيل إلى القوة المهيمنة في المنطقة، ليس فقط عسكريًا، بل أيضًا اقتصاديًا وسياسيًا. التطبيع مع الدول العربية الذي شهدناه في السنوات الأخيرة، من خلال اتفاقيات مثل “اتفاقيات أبراهام”، يعكس جزءًا من هذه الاستراتيجية، حيث تسعى إسرائيل إلى فرض نفسها كشريك اقتصادي وتقني رئيسي في المنطقة.
إسرائيل تدرك أن الهيمنة العسكرية وحدها ليست كافية لضمان سيطرتها على المنطقة.
لذلك، تسعى إلى بناء علاقات اقتصادية وشراكات استراتيجية مع الدول العربية، مستغلة في ذلك التفكك والضعف والتواطؤ الذي تعاني منه العديد من الدول العربية.
– المقاومة كعقبة رئيسية والتحديات أمام مشروع “إسرائيل الكبرى”: رغم قوة إسرائيل العسكرية، إلا أن مشروع “إسرائيل الكبرى” يواجه تحديات هائلة.
المقاومة الفلسطينية، سواء في غزة أو الضفة الغربية، تشكل عقبة رئيسية أمام تنفيذ هذا المشروع. الشعب الفلسطيني ما زال متمسكاً بحقوقه التاريخية، ويرفض الاستسلام لمشروع الاستيطان الصهيوني. هذا الصمود، إلى جانب دعم قوى إقليمية مثل إيران وحزب الله، يعوق أي تقدم إسرائيلي نحو توسيع سيطرته في المنطقة.
الحرب المستمرة على غزة ومحاولات استدراج حزب الله إلى مواجهة شاملة تشير إلى أن إسرائيل تسعى إلى القضاء على أي تهديد عسكري مباشر قد يعيق مشروعها التوسعي. لكن هذه الاستراتيجية لم تثبت فعاليتها الكاملة، حيث أن المقاومة الشعبية والعسكرية تظل قادرة على التصدي لمحاولات إسرائيل فرض هيمنتها على المنطقة.
– مقاومة الإسلام السياسي وتعدد الجبهات: الحركات الإسلامية مثل حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله تمثل تحديات جوهرية لإسرائيل. الحرب على غزة أو لبنان لا تدور فقط حول السيطرة الجغرافية، بل هي أيضًا جزء من صراع أيديولوجي طويل الأمد.
الحركات الإسلامية تنظر إلى هذه المواجهات كجزء من نضال مستمر ضد مشروع إسرائيلي مدعوم غربيًا يهدف لتفكيك الهوية العربية والإسلامية في المنطقة.
– التحولات الإقليمية والدولية وتأثيرها على مشروع “إسرائيل الكبرى”، هناك عدة عوامل إقليمية ودولية تؤثر بشكل مباشر على قدرة إسرائيل على تحقيق مشروعها التوسعي:
أ- التحالفات الإقليمية والقوى المناوئة: إسرائيل تواجه قوى إقليمية منافسة مثل إيران وتركيا، إلى جانب حركات المقاومة المسلحة في فلسطين ولبنان.
هذه القوى تلعب دورًا رئيسيًا في موازنة النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.
تحالف إيران مع حزب الله ودعمها للمقاومة الفلسطينية يمثل تحديًا استراتيجيًا لإسرائيل، التي تسعى إلى تحييد هذه التهديدات لضمان تنفيذ خططها.
ب- الدور الدولي وتراجع النفوذ الأمريكي: الولايات المتحدة الحليف الأهم لإسرائيل، إلا أن التغيرات في السياسة الدولية والاهتمام الأمريكي المتزايد بمناطق أخرى مثل آسيا وحرب روسيا اومرانيا، قد يؤدي إلى تراجع الدعم الأمريكي المباشر لإسرائيل.
في المقابل، قد تزداد أهمية قوى مثل روسيا والصين في المنطقة، وهو ما قد يعيد تشكيل المشهد السياسي بما لا يخدم المصالح الإسرائيلية.
– إعادة هيكلة النظام الدولي: النظام الدولي نفسه قد يشهد تحولات كبرى، خاصة في ضوء الصراع الأمريكي-الصيني على الهيمنة العالمية.
إذا نجحت الصين وروسيا في تعزيز نفوذهما في الشرق الأوسط، قد تضعف قدرة إسرائيل على متابعة مشروعها التوسعي دون دعم دولي قوي. كما أن روسيا على وجه الخصوص لها نفوذ قوي في سوريا، وهي منطقة تعتبر حساسة في مشروع “إسرائيل الكبرى”.
– الموارد الطبيعية: الموارد الطبيعية في المنطقة، وخاصة النفط والغاز، تلعب دورًا هامًا في تحديد التحالفات والمشاريع التوسعية.
إسرائيل تسعى للاستفادة من موارد الغاز في البحر المتوسط، ولكنها تواجه نزاعات مع لبنان.
السيطرة على الموارد الطبيعية قد تعزز من قدرات إسرائيل، ولكن استمرار النزاعات قد يقوض هذه المكاسب.
– الرأي العام العربي والإسلامي: رغم التطبيع مع بعض الدول العربية، يظل الرأي العام العربي والإسلامي معاديًا بشكل كبير للمشروع الصهيوني. هذا الرفض الشعبي يشكل عقبة أمام أي محاولات لفرض الهيمنة الإسرائيلية بشكل كامل على المنطقة، حيث أن تطلعات الشعوب العربية لا تتماشى مع أهداف إسرائيل التوسعية.
– العواقب طويلة الأمد للمشروع التوسعي والعزلة الدولية واحتمالية النزاعات الإقليمية: استمرار إسرائيل في اتباع سياسات توسعية عدوانية قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على المدى الطويل.
تصاعد العزلة الدولية وزيادة الانتقادات لانتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، إلى جانب تنامي حركات المقاطعة الدولية (BDS)، قد يؤدي إلى تقويض الدعم الدولي الذي تعول عليه إسرائيل لتحقيق طموحاتها التوسعية.
بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي السياسات الإسرائيلية العدوانية إلى اندلاع نزاعات إقليمية أوسع نطاقاً، قد تشمل دولًا مثل إيران، وهو ما قد يهدد الاستقرار في المنطقة بشكل أكبر.