إيران تفرض معادلة الردع حين يتحول الرد الإسرائيلي إلى استعراض فارغ وسقوط استراتيجية “الشرق الاوسط الجديد” \ د. شريف نورالدين.

د. شريف نورالدين. بتاريخ: 26 / 10 / 2024
إيران تفرض معادلة الردع حين يتحول الرد الإسرائيلي إلى استعراض فارغ وسقوط استراتيجية “الشرق الاوسط الجديد”
في خضم الصراع المحتدم في الشرق الأوسط، تشتد المواجهة بين إسرائيل وإيران، مع تزايد حدة التوترات التي تتخللها مشاهد من الترهيب والوعيد من الجانب الإسرائيلي، الذي يلوح دوماً بقبضة القوة وينذر بردود مدوية.
ورغم رعد التصريحات الإسرائيلية وضجيجها المستمر حول قدرتها على شن ضربات عسكرية حاسمة، إلا أن العمليات الأخيرة كشفت حقيقة أضعف بكثير مما تُظهره، بدت كـ “بالون منفوخ”، تهديدات تملؤها الرهبة ولا تخفي هواجس الخوف من رد إيراني جاد.
بينما سعت إسرائيل لاستعراض قوة بدا أنها في الواقع أقرب إلى غيوم ملبدة، تلوح بالمطر لكنها لا تمطر، فقد أظهرت إيران ثباتاً أكبر ورداً يتسم بالدقة والتنسيق، مؤكدة على قدرتها على الدفاع وردع أي خطر قد يهددها.
أما في مسرح المعارك على حدود غزة ولبنان، حيث كانت إسرائيل تأمل في تحجيم نفوذ حلفاء إيران، وجدناها تتكبد الخسائر على أكثر من جبهة، وتصارع كابوساً متنامياً من المقاومة، التي استفادت من دعم إيراني متزايد.
بينما يتصاعد صوت الإعلام الإسرائيلي بروايات بطولية، يبدو أن الحقيقة هي أن قوة الردع الإسرائيلية قد واجهت اختباراً صارماً، وكشفت محدودية قدرتها على الرد أمام ضربات المقاومة، التي تخطّت التوقعات في قوتها وتنسيقها.
في هذا السياق، يتضح أن التوازن الإقليمي يتغير، مع ظهور إيران كلاعب يصعب تجاهله، يدير قوة الردع الخاصة به بشكل مدروس وفعال، مما يضع إسرائيل في مأزق استراتيجي معقد.
فما بين رعد التهديدات الإسرائيلية الذي خفت صداه، والضربات الإيرانية التي أصابت بدقة، يتشكل واقع جديد يبرز فيه دور إيران وحلفائها في مواجهة أي تهديد بفاعلية تفرض نفسها في ساحة الشرق الأوسط، وتدفع إسرائيل إلى إعادة حساباتها في وجه مقاومة لا ترهب التهديدات ولا تتراجع.
لذا؛ تشهد المنطقة حالة من التصعيد العسكري والسياسي بين إسرائيل وإيران، وهو تصعيد يعكس تنافساً إقليمياً حاداً على النفوذ والقوة.
ازدادت حدة المواجهة مع تنامي قدرات إيران الردعية، لا سيما عبر قوتها الصاروخية في الرد على الهجمات الإسرائيلية.
تزامن هذا التصعيد مع معارك محتدمة بين المقاومة الفلسطينية والإسرائيلية في غزة، والمواجهات على الحدود اللبنانية، التي لم تشهدها المنطقة بهذا الاتساع من قبل. هذه التطورات توضح التحولات الكبيرة في توازن القوى، وتعطي لمحة عن الدور المتزايد لإيران، وما قد يمثله ذلك لحلفائها في المنطقة، وتحديداً في ظل الأضرار التي تلحق بإسرائيل جراء هذا التصعيد.
– الصراع الإسرائيلي-الإيراني: انعكاس للواقع الجديد في توازن الردع
ومع تنامي التوتر بين إسرائيل وإيران، تتجه المنطقة إلى ما يبدو أنه إعادة تشكيل لتوازن القوى في ظل ما تملكه إيران من أدوات ردع باتت مؤثرة.
شهدت الأيام الأخيرة قدرة إيران على توجيه ضربات عسكرية دقيقة عبر الصواريخ الباليستية.
رد إيران بأكثر من 200 صاروخ يُظهر امتلاكها لمنظومة ردع قوية، ويعكس رسائل واضحة ليس فقط لإسرائيل، بل لكل من يتدخل في الصراع أو يدعم عملياتها في المنطقة.
هذا الرد الباليستي يمثل تحذيراً ضمنياً لحلفاء إسرائيل، ويعزز موقف حلفاء إيران الإقليميين ويقوي نفوذهم المتزايد.
من جانبها، تعتمد إسرائيل على ردود عسكرية محصورة، عبر ضربات جوية محدودة تهدف إلى استعراض القوة أكثر من تحقيق أهداف استراتيجية ملموسة.
فحتى مع الادعاءات بمشاركة نحو “100 طائرة F-16″ لم تُحقق هذه الضربات الضرر الذي كانت تهدف إليه، وتضخم إعلامياً في محاولة لإظهار التفوق العسكري؛ إلا أن هذا النهج لم يخفِ محدودية الرد الإسرائيلي على إيران، التي باتت تمتلك القدرة على توجيه ضربات منسقة ومحسوبة.
وبتزامن ذلك مع المواجهات الشرسة على الحدود اللبنانية، باتت إسرائيل تجد نفسها في موقف صعب أمام التحديات من الشمال، حيث تصاعدت خسائرها بصورة فاقت التوقعات، مع تحقيق المقاومة اللبنانية ضربات نوعية تعكس تطوراً في استعداداتها وقدراتها.
التحالفات الإقليمية تشهد أيضاً تغييرات نوعية، فحلفاء إيران -لا سيما في لبنان وغزة- يستفيدون من هذا التوازن المتغير، مما يزيد من قدرتهم على المناورة ويفرض تحديات أكبر على إسرائيل في حماية أمنها.
الدعم الإيراني لحركات المقاومة في المنطقة لم يعد مقتصراً على الدعم المعنوي، بل بات يُترجم إلى دعم عسكري ولوجستي يجعل هذه الحركات أكثر استعداداً للتصدي للعمليات الإسرائيلية، ويضفي قوةً إضافية على النفوذ الإيراني الذي بدأ يزعج خصومه الإقليميين والدوليين.
دور الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل الدوليين يظهر بحذر شديد، حيث تقدم واشنطن دعماً لوجستياً واستخباراتياً محدوداً، مع رغبة في تجنب التورط المباشر في مواجهة شاملة.
يظهر هذا الدعم من خلال استخدام قواعد أمريكية في أوروبا، في محاولة للتأكيد على الشراكة دون تجاوز الحدود التي قد تُحرج حلفاءها العرب، الذين يجدون أنفسهم في موقف دقيق بين ضغوط واشنطن وتجنب التصعيد في المنطقة.
– المواجهات في لبنان وغزة: اختبارات ميدانية لتوازن القوى
لم تقف تداعيات التصعيد عند حدود إيران وإسرائيل، بل امتدت إلى المواجهات على الحدود اللبنانية، حيث تواجه إسرائيل تكاليف وخسائر غير مسبوقة نتيجة الضربات المتواصلة من المقاومة اللبنانية. المعارك على الحدود الشمالية تمثل اختباراً حقيقياً لنقاط ضعف إسرائيل العسكرية، وتزيد من الضغوط عليها، فيما تحاول إسرائيل إعادة ضبط استراتيجيتها العسكرية في ظل الخسائر التي تتكبدها.
أضف إلى ذلك الصراع المستمر في غزة، حيث تعاني إسرائيل من تحديات مزدوجة على جبهتين، وهو ما يعكس صورة واضحة عن اختلال التوازن لصالح حلفاء إيران في المنطقة. تستفيد المقاومة الفلسطينية واللبنانية من الدعم الإيراني، حيث أصبحت هذه الحركات قادرة على تنفيذ عمليات تتطلب تنسيقاً واستعدادات تفوق التوقعات الإسرائيلية السابقة.
خاتمة:
وفي ختام هذا المشهد المضطرب من التوترات، تظهر الضربة الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران وكأنها محاولة يائسة لحفظ ماء وجه استنفد كل ما لديه من هيبة وتأثير حقيقي، خاصة في ظل التهويل الإعلامي الذي رافقها.
ورغم الاستعراضات القوية والرعد الإعلامي المبالغ فيه، جاءت الضربة أشبه بـ”حركة استعراضية” بدت واضحة، على أنها محاولة غير مؤثرة لترسيخ صورة الردع، بينما كانت بعيدة كل البعد عن تحقيق أهداف ملموسة على الأرض.
في هذا السياق، تواجه الولايات المتحدة موقفًا بالغ الحساسية، فقد دعمت حليفتها إسرائيل لوجستياً واستخباراتياً، لكنها وجدت نفسها في إحراج متزايد أمام نفسها، وأمام الرأي العام الأمريكي والدولي على حدٍ سواء. إذ يطرح الداخل الأمريكي تساؤلات حول التزام الإدارة الأمريكية بمسارات تهدد مصالحها وسمعتها على الصعيد الدولي، حيث تتورط واشنطن بصورة متزايدة في عمليات باتت تُنظر إليها كمتورط في تصعيد يفتقر إلى جدوى حقيقية، ويضعها في مواجهة مع حلفاء آخرين في المنطقة لا يرغبون بمزيد من الاضطراب.
ووسط هذه الضبابية، تتضح الاستراتيجية الإيرانية التي تضع الولايات المتحدة في مأزق استراتيجي.
فبينما كانت واشنطن تأمل أن يؤدي الضغط المستمر إلى إضعاف الدور الإيراني، باتت طهران قادرة على ردع أي اعتداء بشكل متزايد، مع تعزيز مكانة حلفائها الإقليميين. ومع تكبد إسرائيل خسائر عسكرية على جبهات متعددة، تصبح الولايات المتحدة أمام خيارات محدودة، إذ يدفعها هذا المأزق للتفكير في استراتيجيات احتواء جديدة تركز على الحلول الدبلوماسية بدلًا من الدخول في مواجهات تقودها إسرائيل وتُفرض نتائجها على واشنطن بشكل غير مباشر.
أما على مستوى العالم، فإن هذا الصراع يضعف ثقة المجتمع الدولي في قدرة إسرائيل على فرض ردع دائم ومستقر في المنطقة، ويكشف عن حدود القوة العسكرية أمام عقبات الردع الإيراني المتنامي، ما قد يؤدي على المدى البعيد إلى تغيّر واضح في توازن القوى لصالح إيران وحلفائها، ويترك إسرائيل في حالة دفاع دائم. وبذلك، ترسم هذه الضربات معادلة جديدة تُفضي إلى شرق أوسط أكثر تعقيدًا، تتوارى فيه الهيمنة التقليدية أمام واقع جديد تسوده حسابات الردع المتبادلة والمعادلات الدقيقة التي ستتطلب من الجميع إعادة تقييم مواقفهم في المستقبل القريب في ظل صمود الَقاومة في غزة ولبنان والردع الايراني واسقاط استراتيجية وحلم (اكزينو نتنياهو) “الهيمنة وفرض وجود القوة والردع والشرق الاوسط الجديد”.
ما يُظهره الواقع أن هذه الضربات، التي كان يُنظر إليها على أنها تعبير عن القوة والهيمنة، لم تحقق النتائج المرجوة بل ساهمت في تعزيز موقف إيران وفرضت واقعا جديدا يُجبر الحكومة الإسرائيلية، بقيادة نتنياهو المتطرفة، على إعادة تقييم استراتيجيتها العسكرية.
في الوقت الذي كان يُفترض أن تعزز فيه إسرائيل من قوتها، إلا أن الردود الإيرانية المدروسة أثبتت أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي، مما يستدعي الانفتاح على خيارات دبلوماسية لحل الصراع وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
– هو تآكل الردع الإسرائيلي وكيف غيّرت إيران قواعد اللعبة في الشرق الأوسط
– إيران ردت دون رد وانتقلت من قوة التهديد إلى استراتيجية فعّالة.
– هو تحدي الرد الإسرائيلي عندما يتحول الضغط إلى إحراج.
– هو صراع القوة وكيف تكشف الضربات الفاشلة عن واقع الردع في المنطقة.
– الاستعراضات الفارغة؛ إيران تكسب الجولة في معركة النفوذ.
– بين التهديد والواقع؛ إيران تعيد تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط.
– إسرائيل وإيران والصدام بين القوة المهددة والرد الفعّال.
– الردع الإيراني وجولة جديدة من الصراع العسكري في الشرق الأوسط.





