بأقلامنا

” الاسلام والنظام السياسي في الجمهورية الاسلامية الايرانية” : مرجعية تاريخية لفهم ايران الداخل والخارج بقلم غالب سرحان

 

” الاسلام والنظام السياسي في الجمهورية الاسلامية الايرانية” للسفير الايراني السابق في لبنان المرحوم غضنفر ركن آبادي الصادر عن “مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي” فرضت اعادة تسليط الضوء عليه ما تشهده ايران والمنطقة من تطورات وما فيهما وبينهما من ترابط عضوي في اكثر من موقع على الخارطة خصوصاً وانه يقع في 543 صفحة توزعت مناصفة على بابين ولج المؤلف فيهما للإجابة على إشكاليتين :
الاولى في الباب الاول الذي دخل منه بتساؤلية : هل جاء الاسلام بنظام سياسي لمجتمع اسلامي وصولاً لدولة اسلامية ؟
والثانية في الباب الثاني عبر منه الى استفهامية: هل النظام في ايران يتطابق مع النظام السياسي في الاسلام في النظرية والتطبيق ؟
– في الباب الأول سعى الباحث لحل الاشكالية الاولى معتبراً ان ايران أقامت نظاماً اسلامياً هو الاول من نوعه في العالم بالرغم من اصله الثيوقراطي وذلك لاعتماده على المزاوجة بين النموذج الاسلامي والموروث الغربي عارضاً لمسألتي الدولة والنظام السياسي القديم والحديث بدراسة تاريخية لهذا النظام في الاسلام عبر ثلاثة فصول تضمن كل منها ثلاثة مباحث خصص اولها للنظام السياسي في الاسلام وجعل فصله الاول عن مفهوم النظام السياسي وفي مبحثه الاول تعريف هذا النظام من خلال السلطة السياسية ونظام الحكم والجماعة السياسية . فيما قارن مبحثه الثاني الدولة والنظام السياسي والسلطات من خلال الدولة والارض والاقليم الجغرافي والشعب والسلطة والسيادة . اما المبحث الثالث من الفصل الاول فينظر الى النظم السياسية في الفكر الانساني لينتقل منها الى الفصل الثاني متناولاً النظام السياسي في الفكر الاسلامي عبر ثلاثة مباحث ايضاً الاول عن الاسس النظرية لهذا النظام من الخلافة والشورى والوصية . والثاني ما نظّر له المفكرون الاسلاميون باحثاً في الدستور والخلافة والوزارة والسلطتين التشريعية والقضائية . فيما عرض المبحث الثالث لوجهات نظر المستشرقين في النظام السياسي الاسلامي والخلافة .
وفي الفصل الثالث تراتبية النظام السياسي للكيان الاسلامي في يثرب والتطبيقات اللاحقة عبر ثلاثة مباحث اولها النظام السياسي لحكم الرسول (ص) وثانيها النظام السياسي لحكم الخلفاء الراشدين ، وثالثها التطبيقات اللاحقة متخذاً نموذجي الدولتين الفاطمية والعثمانية .
– واذا كان الباب الاول قد سعى لإثبات ان النظام السياسي في ايران هو تطبيق لنتاج فكر المدرسة السياسية لاهل البيت ( ع)
فان الكاتب يبذل جهداً واضحاً في الباب الثاني او النصف الثاني من الكتاب لإثبات ان تأسيس الجمهورية الاسلامية في ايران هو امتداد لدولة الرسول (ص) معنوناً هذا الباب بإسم الكتاب ،ولهذا انصرف لتحليل النظام السياسي والدستور في الجمهورية الاسلامية مقيمًا على هاجسين اولهما إثبات اسلامية الدستور والنظام ( الدين والدولة) وثانيهما إثبات ديموقراطيته مقارنًا بين حكم الصفوة في الدستور الاسلامي وفق شروط دينية واخلاقية ، وبين الصفوة في الديموقراطية الغربية القائمة على الانتخاب وهو ما استغرق فصلين :
الاول عن عناصر النظام السياسي الاسلامي من خلال الدستور الايراني ونظرة الى تاريخ ايران السياسي وذلك من خلال خمسة مباحث اولها عن التأسيس والدستور والرقابة الاسلامية عليه وولاية الفقيه وحقوق الشعب والمرأة واشكالية الحرية والاقتصاد الاسلامي وتحديد السلطات .
وثانيها الفكر الاسلامي في الدستور من خلال مهمته المنوط بها. وثالثها الديموقراطية الغربية وحكم الصفوة وتقنيات تكوينها ووضعها في الدستور الاسلامي . ورابعها الدستور الاسلامي الايراني من وجهات نظر الاسلاميين الشيعة ووجهات النظر السنّية . فيما قارن المبحث الخامس بين الدستور والديموقراطية الغربية .
اما الفصل الثاني فناقش تطبيق السلطات الثلاث في النظام الاسلامي السياسي الايراني عبر مبحثين :
الاول الديموقراطية الاسلامية الايرانية وموقعها في الدستور الايراني إضافةً الى الحياة الحزبية في ايران .
والثاني آلية عمل النظام في التطبيق من خلال نماذج المؤسسات الانمائية والجيش وصلاحيات القائد والسلطات الثلاث ليفضي من هنا الى اعتبار ان الامام القائد يمثل في النظام عنصر التوازن بين السلطات الثلاث بما يحقق الفصل بينها .

ويقفل الكاتب بابي الكتاب باعتبار ايران دولة حديثة تأسست على اجتهاد علماء الدين ورجال القانون وهو ما جعلها مثالاً لدولة اسلامية حديثة تحل المشكلات الاجتماعية وتحقق الوحدة الوطنية في اطار التعددية المذهبية والقومية في الداخل ، ورفع الظلم دون التدخل في شؤون الدول في الخارج ، مستدلاً على نجاحها بقياس زمني منذ ثورتها الى اليوم وهو ما اجاب عنه البحث بأن نظاماً وضع اسسه الرسول ( ص) استطاع في عصر العولمة ان يقدم نموذجاً ناجحاً لا يزال مستمراً حتى الان وامتلك دورا اقليميا معترفا به بالرغم من كل التحديات.
تحديات ، تجعل من الكتاب تأسيساً أكاديمياً علمياً ، ومرجعية موضوعية لفهم طبيعة هذا النظام وإسلامية هويته ومرتكزاته الفكرية وتركيبته السياسية وهو ما بات ضرورة ملحة لقراءة ايران من الداخل لفهمها في الخارج ، نظراً لموقعها وحجمها وثقلها الاستراتيجي وتأثيراته على المنطقة والعالم خصوصاً في هذه المرحلة التي تعتبر فيها ايران قطب الرحى الاقليمي لا سيما في ظل تداعيات “طوفان الاقصى” ودورها المحوري في محور المقاومة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى