Uncategorizedبأقلامنا

رئيس يكون صخرةَ العَرَقَة فوق باب الوطن بقلم الشاعر هنري زغيب

رئيس يكون صخرةَ العَرَقَة
فوق باب الوطن
“نقطة على الحرف”
الحلقة 1678
“صوت كلّ لبنان”
الأَحد 23 حزيران 2024

ما زال اللغْطُ يَرغو في فضاء الوطن بحثًا عن رئيسٍ للجمهورية.. وما زال الكرسيُّ فارغًا ينتظر الرئيس.. وما زال التسابق ناشطًا في البحث عن مواصفات الرئيس، في ظاهرةٍ لم يشهد لها العالَم مثيلًا بخياطة صفاتٍ وموصوفاتٍ ومواصفاتٍ للرجل على قياس كلٍّ من الباحثين، قبْل بحثهم عن مواهب الرجل وقدُراته..
منهم مَن يريدونه سياديًّا.. ومنهم مَن يريدونه توافقيًا.. ومنهم مَن يريدونه صنيعة الغرب.. ومنهم مَن يريدونهُ صنيعة العرب.. ومنهم مَن يريدونه طالعًا من كلمة سر تُبْلِغُهم إِياها مبادرات خارجية.. ومنهم مَن يريدونه بعد الحوار والمشاورة والتشاوُر.. ومنهم مَن يريدونه من دون الحوار والمشاورة والتشاوُر… ولا تنتهي لائحة مواصفات يتبارى “بيت بو سياسة” في وضْعها لخدمة مصالحهم وحُكْمِهم وتَحَكُّمِهم ِبِـمَن سيأْتون به إِلى الرئاسة، حتى باتت مسأَلة الرئاسة مهزلةً كاريكاتوريةً من شدَّة كارثــيَّــتها..
المطلوب رئيسٌ استثنائيٌّ خارج التوصيفات؟ وكيف يأْتي به من هُم غارقون في تفصيل توصيفات شخصية على قياسهم؟
ومَن يكون الرئيس الاستثنائي؟؟ هو الْيَكون خارج ما يفَصَّلُ في أَوكار أَهل القبيلة، ويخاطُ في أَوجار أَهل العشيرة.. هو الْفَوق توصيف الكليشيهات المطروحة بعُقْم أَصحابها.. هو رئيس يعرف لبنان في جوهره الفَذّ وحقيقته الحضارية.. رئيس لا يأْتي من وراثة عائلية ولا حزبية ولا “تكتُّلية”.. رئيس محايد لا يَدين بالولاء لأَحد إِلَّا للبنان الوطن الأَكبر من جغرافياه والأَوسع من ديموغرافياه.. رئيس لا يدَّعي أَنه يعرف كل شيء فيأْتي بمستشارين اختصاصيين في كل حقل يكون مجموعُهم يَعرف كلَّ شَيْء، ومعهُم يستنبط الحلول.. رئيس يعرف تاريخَ لبنان المجيد ورسالةَ لبنان الفريدة ودورَ لبنان الإِبداعي وأَعلامَ لبنان الخالدين.. رئيس يعي الأُعجوبة اللبنانية كي يَحكُمَ بلدًا غيرَ عاديٍّ ذا شعبٍ عنيدٍ غيرِ عادي.. رئيس يطبِّق مقولة جيمس فريمان كْلارْكْ أَنَّ رجلَ الدولة يعمل في خدمة الدولة ورجلَ السياسة يجعل الدولة في خدمته وخدمة نسْله، وأَنَّ رجلَ الدولة السويَّةِ يعمل للأَجيال المقْبلة فيما رجلُ السياسة الحقيرة يعمل للانتخابات المقْبلة.. وبعبارة موجَزَة: المطلوبُ رئيس يستحقُّ لبنان الوطن ليستحقَّه شعبُ لبنان.
في بناء العمارة اللبنانية القديمة، كان أَجدادُنا البنَّاؤُون يرفَعون الجدران، ثم يَحملون على ظهورهم صخرًا كبيرًا ثقيلًا مستطيلًا يسمَّى “العَرَقَة”، يمدُّونه على طرفَي الجدارَين ويكون سنَدًا قويًّا للباب تحته، فلا ينكسر ولا يقع الباب ولا تهبِط الجدران.. عظمةُ هذا الصخر أَنه ضخْم وقويٌّ كي يحمل فوقه حجارةَ البيت، ويحمي تحته بابَ البيت وعَتَبَة الباب.. فبوركَت الأَيادي القوية التي حملَت عَرَقات أَبوابنا كي لا تهبِط الحجارة ويبقى صامدًا بابُ البيت..
الباحثون اليوم عن رئيسٍ للبنان، فلْيَبْحثوا عن قامة لبنانية تكون هي “العَرَقَة” القوية المتينة الصَلبة: تَحمي بابَ الدولة من اللصوص، فلا يدخل من الباب إِلَّا متواضعون يُحنون رؤُوسَهم كي يَدخلوا تحت “عَرَقَة” لبنانَ المتينة الصلبة، حتى إِذا دخلوا بأَمانٍ شكَّلوا سُلطةً نقيَّة تدير دولةً قويَّة تشرِّفُ الوطن على أَرضه وفي العالم..
هذه هي القامةُ الرئاسية المطلوبة، خارجَ كل المطروح من زعامات سياسية زبائنية لغرَضٍ تحالُفي سياسيٍّ مفضوح..
هذه هي “القامةُ-العَرَقَة” التي تحمي حجارة البيت من الانهيار، وتحفظ باب البيت من الانكسار..
هذه هي القامةُ التي تستحقُّ لبنان، فَيَستحقُّها عندئذٍ شعبُ لبنان..
هـنـري زغـيـب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى