«القدس العربي» في مدينة صور جنوب لبنان: حرب الاستنزاف وقصف الأحياء المجاورة لم توقف حركة الحياة

عبد معروف
يحاصر مدينة صور منذ الثامن من تشرين الأول/اكتوبر العام الماضي وحتى الآن، زنار من الغارات الجوية الإسرائيلية والقصف البري والجوي والعمليات العسكرية، وتعرضت المدينة والمناطق والبلدات المجاورة لعمليات قصف إسرائيلي عنيف أدت إلى تدمير واسع داخل بلدات وقرى لبنانية قرب الخط الأزرق الدولي الفاصل بين لبنان والمستوطنات الإسرائيلية ما أدى إلى نزوح آلاف المواطنين إلى صور.
ورغم نزوح آلاف اللبنانيين من القرى والبلدات الحدودية، وعمليات القصف المستمرة وأصوات الطائرات الإسرائيلية، فإن الحياة العامة داخل صور تكاد تكون طبيعية، وكذلك المؤسسات التجارية، والجامعات والمدارس.
تبعد صور حوالي 15 كلم عن الخط الأزرق الحدودي مع فلسطين المحتلة، ويسكن فيها تبعا لبعض التقديرات حوالي 151000 نسمة.
يجلس الحاج أبو حمزة أمام دكانه المتواضع ينتظر من يدخل لشراء حذاء، سألته «القدس العربي» بماذا تفكر؟
وأجاب «وبماذا يفكر ابن جنوب لبنان ومدينة صور، طبعا نفكر بحالنا وبأوضاعنا، أنت تسمع أصوات الطائرات والصواريخ التي يطلقها جيش العدو على أهلنا المدنيين. عائلتي ما زالت في المعشوق قرب صور، زوجتي وأولادي وبناتي ما زالوا هنا ولم يرحلوا».
وأضاف «لا نخاف، ولن يتمكن العدو من كسرنا، حياتنا طبيعية، ولولا التدمير الهائل في قرى وبلدات جنوب لبنان قرب الحدود لما نزح أهاليها عن بيوتهم.
لا أفكر بمغادرة مدينة صور مهما كانت شدة القصف والتدمير، لن نترك بيوتنا».
لقد اعتدنا على ذلك
خلال جولتنا في أزقة وشوارع وأسواق صور، انخفض تحليق الطائرات الإسرائيلية بشكل واضح. دخلنا بسرعة إلى أحد المحلات، خوفا من أن يكون انخفاض الطائرات مقدمة لغارة جوية، قال رجل بصوت مرتفع، «لا تخافوا ولا تقلقوا هذه ليست غارة بل خرق لجدار الصوت، لقد اعتدنا على ذلك».
صوت الطائرات مخيف، لكن لم يرف للرجال والشباب جفن.
الطقس حار والشمس مشرقة وعشرات الشباب يمارسون هواية السباحة في هذا اليوم على شاطئ البحر الرملي في مدينة صور، يصارعون أمواج البحر ارتفاعا وانخفاضا.
لم تدفعهم أصوات الطائرات وأصوات القصف للخروج من البحر خوفا، تقدمنا من أحدهم يستلقي فوق رمال الشاطئ الدافئة، وسألناه «لم تغادر شاطئ البحر وبقيت مكانك دون أن يظهر عليك الخوف؟».
رفع قبعته الشمسية عن وجهه وأجاب متسائلا: ولماذا الخوف نحن نحب الحياة ولن تمنعنا كل طائراتهم وصواريخهم ومسيراتهم من الحياة والسباحة.
وتابع: هم يعلمون أننا نرد الصاع صاعين.
ازدحام واضح في شارع مدرسة الاتحاد الثانوية عند أطراف المدينة، حان وقت نهاية اليوم الدراسي. مديرة إحدى المدارس في المدينة أكدت أن السنة الدراسية طبيعية، وهناك عدد كبير من الطلاب اللبنانيين النازحين من المناطق الحدودية المحاذية للمستوطنات الإسرائيلية، لكن العام الدراسي سار كما هو مطوب.
وحول خوف الطلاب من احتمال غارات جوية إسرائيلية بأي وقت قالت: «نحن بحالة حرب والقصف لم يتوقف، والغارات الجوية الإسرائيلية تتصاعد بشكل لافت، وقد توقفت الدراسة في المدارس والجامعات والمعاهد لأيام طويلة وأصيبت الإدارات التربوية بإرباك شديد بعد الثامن من أكتوبر مباشرة، لكن بعد أسابيع قليلة فتحت المؤسسات التربوية أبوابها، وكان الدوام الدراسي طبيعيا».
وفي مكتبه وسط المدينة يؤكد الإعلامي اللبناني الدكتور عماد سعيد أن الحياة في صور طبيعية رغم حالة الحرب وعمليات القصف والعدوان التي تتعرض لها كما جنوب لبنان عامة.
وقال سعيد لـ«القدس العربي» إن حكاية صمود أهالي صور في وجه العدوان الإسرائيلي هو خيار شعب لم يعد أمامه سوى المواجهة والصمود، ويضيف: «الطائرات التي تحلق بصوتها الاجرامي لتقصف مناطق قريبة، وأصوات الصواريخ ربما تجعل الأهالي يعيشون حالة حرب، لكن من دون خوف ورعب يحاول جيش الاحتلال فرضه على المدنيين».
لافتا إلى «في الأيام الأولى للحرب بعد الثامن من أكتوبر أقفلت المدارس والمحلات التجارية وتراجعت الحركة، واستقبلت المدينة آلاف النازحين من القرى اللبنانية القريبة من الحدود الجنوبية، لكن عادت الحياة إلى طبيعتها، رغم الغارات الجوية، وحالة الحرب، لأن سكان صور وقراها ومخيماتها الفلسطينية المجاورة خبروا الحروب ولم تعد تخيفهم.
قدرات المقاومة على الرد
رأى الإعلامي اللبناني من مدينة صور عماد خليل نبيه خليل أن ما يعيشه جنوب لبنان ومدينة صور والعمليات العسكرية هو حرب حقيقية، وكما هو معلوم فقد دخل لبنان حرب المواجهة مع جيش الاحتلال دعما للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ودعما لصمود الشعب الفلسطيني، وأعلنت الأطراف المعنية أن هذه الحرب لن تتوقف ما لم يتوقف العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وقال لـ«القدس العربي» لقد نتج عن الحرب المشتعلة في جنوب لبنان وقرب الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، نزوح آلاف المواطنين اللبنانيين من قراهم المستهدفة قرب الخط الأزرق إلى مناطق أكثر أمنا وحتى الآن ليست في ميادين المواجهة المباشرة، كمدينة صور مثلا، التي نزح إليها آلاف اللبنانيين، علما أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتوغل في قصفه وغاراته إلى داخل العمق اللبناني بين الفينة والأخرى. ومع ذلك إذا أردنا أن نتحدث تحديدا عن مدينة صور ومناطقها المجاورة، هناك شعور بالقلق والوجع لما تتعرض له من عدوان وعمليات قتل وتدمير ممنهج، ورغم كل هذا القلق فإن الحركة في المدينة ما زالت طبيعية.
وأشار إلى أن أهالي المدينة يستقبلون النازحين بكل ترحاب ويقدمون لهم المساعدة والدعم، مضيفا، أن هناك حرصا شديدا على أن لا يشعر النازح بأي ثقل معنوي أو مادي.
هناك قلق، وهو مبرر، وعلى الرغم من ذلك هناك اطمئنان ناتج عن المعطيات الميدانية التي تعبر عنها قدرات المقاومة بالرد، فإن ضرب العدو تضرب المقاومة بقوة، وأن توغل في العمق اللبناني توغلت ضربات المقاومة داخل عمق الأراضي المحتلة.