Uncategorizedبأقلامنا

طوفان بنيامينا اختراق استخباراتي لعمق الكيان وكشف هشاشة منظومته الامنية وزعزعة أسس ردعه غيرت معادلات الصراع … بقلم د. شريف نورالدين

د. شريف نورالدين بتاريم: 14 / 10 / 2024

 

ضربة بنيامينا يمكن اعتبارها طوفاناً أمنياً واستخباراتياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهي ليست مجرد عملية عسكرية اعتيادية، بل تمثل انفجارًا دراماتيكيًا في عمق المنظومة الأمنية الإسرائيلية التي طالما اعتبرت محصنة من الاختراقات.
هذه الضربة، التي جاءت بطائرة مسيّرة أصابت هدفًا عسكريًا حساسًا بعد حيفا، هي بمثابة إشارة مرعبة لإسرائيل، إذ تكشف عن قدرة حزب الله على التغلغل خلف خطوط الدفاع الأكثر تطورًا، وقرع جرس إنذار حول هشاشة التحصينات التي طالما اعتبرت منيعة.

ما يجعل ضربة بنيامينا طوفانًا استخباريًا هو أنها لم تكن مجرد عملية عشوائية، بل عملية جراحية دقيقة تم الإعداد لها بذكاء استثنائي، مما يعكس مستوى عالٍ من جمع المعلومات وتحليلها.
هذه الضربة ليست فقط رسالة عسكرية، بل رسالة استخباراتية مفادها أن العدو أصبح قريبًا إلى درجة تمكّنه من قصف قلوب الأهداف الإسرائيلية، وأنه قادر على اختراق الدروع الحديدية التي تحميها. في هذا الطوفان، غرقت إسرائيل في شعور مرير بأن طموحاتها العسكرية ربما تقودها إلى ساحة معركة لا تسيطر على مجرياتها بالكامل، بل قد تتحول إلى فخ استراتيجي يهدد وجودها ذاته.

وفي قلب المشهد الدراماتيكي المعقد يتشابك فيه التاريخ مع الحاضر، تقف إسرائيل في لحظة فريدة من صراعها الطويل في الشرق الأوسط، وهي تسكر بنشوة القوة العسكرية التي باتت تفرضها على جبهات متعددة. من الضربات اليومية العنيفة على قطاع غزة، إلى تصاعد المواجهات الشرسة مع حزب الله على حدود لبنان، وصولاً إلى التهديدات التي تلقي بظلها على إيران، تشعر إسرائيل بأنها على أعتاب تحقيق سيطرة إقليمية غير مسبوقة. ولكن خلف هذا الزهو بالقوة، يتخفى خرق استخباراتي خطير يكشفه حزب الله، حيث تمكن من ضرب العمق الإسرائيلي بطائرة مسيّرة مستهدفة موقعًا عسكريًا حساسًا. هذه التحولات الاستراتيجية تأتي وسط إطلاق مئات الصواريخ اليومية التي تطال مدناً رئيسية مثل الجليل وعكا وحيفا وتل أبيب، لتصبح السماء الإسرائيلية مسرحاً لصراع جوي وأرضي تتقاطع فيه الطموحات القومية والغطرسة العسكرية.

في هذا السياق، تبرز معادلة جديدة من الردع؛ “حيفا مقابل الضاحية، وبيروت مقابل تل أبيب”، إذ بات حزب الله يرسم قواعد جديدة للعبة، قواعد تشي بأن الصراع لن يبقى محصوراً في مساحات ضيقة، بل قد يمتد ليشمل حرباً إقليمية واسعة، تتداخل فيها كل أطراف محور المقاومة مع إيران.
فإسرائيل اليوم تقف على مفترق طرق، حيث استنزاف قواتها العسكرية واختراق منظوماتها الدفاعية لا يترك مجالاً للاسترخاء أو الثقة العمياء في قدراتها التكنولوجية. التحدي هنا لم يعد في القدرة على شن الحروب، بل في إدراك أن كل انتصار عسكري قد يكون فخاً يقود إلى كارثة أكبر.

الخرق الاستخباراتي الذي نفذه حزب الله بمسيراته، ومع استمرار قصف إسرائيل بشكل يومي بعدد كبير من الصواريخ التي تصل إلى عمق إسرائيل بما في ذلك تل أبيب، تبرزعدة دلالات هامة يجب تحليلها:

1- الخرق الاستخباراتي ودلالاته: استهداف قاعدة بنيامينا بطائرة مسيّرة يوضح أن حزب الله قد اكتسب تفوقًا استخباراتيًا في تحديد مواقع عسكرية حساسة. هذه العملية تدل على:
– اختراق أمني عميق: نجاح حزب الله في تحديد الموقع بدقة وفي الوقت المناسب يشير إلى قدرته على جمع معلومات حساسة من الداخل الإسرائيلي، ربما عبر مراقبة إلكترونية أو عملاء على الأرض، مما يعكس خرقًا أمنيًا على مستوى عالٍ.

– التطور التكنولوجي لحزب الله: قدرة حزب الله على استخدام الطائرات المسيّرة لاستهداف قاعدة عسكرية محصنة تظهر تقدمًا في التكنولوجيا والقدرة على الاستهداف. الطائرات المسيّرة عادةً ما تكون صغيرة وسريعة، مما يجعلها صعبة الكشف بواسطة الرادارات التقليدية، وهذا يعكس تفوقًا تكتيكيًا.

– الدقة في التنفيذ: عملية ضرب بنيامينا جاءت بعد حيفا، مما يشير إلى استخدام حزب الله لنظام جمع وتحليل بيانات استخباراتية متطور يسمح بتحديد الأهداف الأكثر أهمية وتوجيه ضربات دقيقة إليها.

2- التصعيد اليومي في إطلاق الصواريخ على إسرائيل: إطلاق ما بين 150 و200 صاروخ يوميًا باتجاه إسرائيل، بما في ذلك مدن رئيسية مثل تل أبيب، يحمل العديد من الدلالات:
– استنزاف الدفاعات الإسرائيلية: رغم فعالية نظام مثل “القبة الحديدية وحيتس ومقلاع داوود” اعتراض عدد كبير من الصواريخ، إلا أن الكثافة الهائلة في الإطلاق تؤدي إلى استنزاف موارد النظام الدفاعي الإسرائيلي. مع زيادة الضغط على القبة الحديدية، قد تظهر ثغرات تؤدي إلى إصابات مباشرة في العمق الإسرائيلي.

– التكتيكات الهجومية المركبة: إطلاق الصواريخ بشكل متزامن مع هجمات مسيّرة كما حدث في بنيامينا، يوضح أن حزب الله يعتمد على تكتيكات هجومية متعددة الطبقات تهدف إلى إرباك الدفاعات الإسرائيلية وتقليل فعالية أنظمة الرصد والتصدي.

– تعزيز قدرات المقاومة: كثافة الصواريخ وطول فترة التصعيد تشير إلى أن حزب الله وفصائل المقاومة الأخرى يمتلكون مخزونًا استراتيجيًا كبيرًا من الصواريخ، وهو ما يعزز القدرة على شن حرب طويلة الأمد ضد إسرائيل دون استنزاف فوري لقدراتهم.

3- ضربة الطائرة المسيّرة لبنيامينا ودلالاتها: ضرب بنيامينا، التي تقع بعد حيفا وتعتبر هدفًا استراتيجيًا، يحمل دلالات قوية على مستوى القدرات العسكرية والاستخباراتية لحزب الله:

– اختراق العمق الإسرائيلي: هذه الضربة تعكس قدرة حزب الله على استهداف عمق إسرائيل خارج الحدود اللبنانية المباشرة. بنيامينا ليست فقط قريبة من الخطوط الأمامية، بل تقع في منطقة تعتبر محصنة، مما يجعل استهدافها إنجازًا تكتيكيًا يزعزع الثقة في قدرة الجيش الإسرائيلي على تأمين جبهاته الخلفية. المسيّرة تمثل تحديًا مختلفًا من حيث القدرة على المناورة والاختباء عن الرادارات التقليدية، مما يزيد من صعوبة التعامل معها عبر الأنظمة التقليدية مثل ثاد أو القبة الحديدية.

– الرسالة الاستراتيجية: الضربة ترسل رسالة لإسرائيل أن حزب الله قادر على الوصول إلى أهداف بعيدة واستراتيجية، مما يغير من حسابات إسرائيل في إدارة المعركة، حيث لم تعد الضاحية الجنوبية أو بيروت أو الحدود اللبنانية وحدها ميدان المعركة.

4- تصعيد جبهة الحدود مع لبنان: الصراع على الحدود الشمالية مع لبنان أصبح أكثر شراسة، حيث تعتمد إسرائيل على قصف مستمر لمواقع حزب الله، في حين أن حزب الله يعتمد على تكتيكات حذرة ومدروسة تشمل القصف المتبادل واستخدام الطائرات المسيّرة:

– استنزاف متبادل: حزب الله يهدف إلى استنزاف الجيش الإسرائيلي على الحدود، عبر هجمات مركزة وتصعيد محسوب يؤدي إلى خسائر يومية. بحسب التقارير الإسرائيلية، هناك إصابات يومية تتجاوز 35 جنديًا إسرائيليًا، مما يضع إسرائيل في موقف صعب حول استمرارية هذه الجبهة.

– حرب هحينة مقابل التكنولوجيا المتقدمة: حزب الله يعتمد على تكتيكات الحرب الهجينة، مثل نصب الكمائن والهجمات المفاجئة، في حين تعتمد إسرائيل على التكنولوجيا الحديثة، لكن هذه التكتيكات البسيطة والفعالة أثبتت فعاليتها في إيقاع الخسائر.

5- معادلة الردع: حيفا مقابل الضاحية، وبيروت مقابل تل أبيب. حزب الله أعلن بشكل واضح أن أي استهداف للبنية التحتية في بيروت أو الضاحية الجنوبية سيقابل باستهداف مباشر لمدن إسرائيلية رئيسية مثل حيفا وتل أبيب. هذه المعادلة تحمل دلالات عميقة:

– تحول الردع إلى معادلة متبادلة: حزب الله يرسل رسالة واضحة بأن لديه القدرة على الرد بقوة على أي تصعيد إسرائيلي يستهدف مناطق سكنية أو استراتيجية في لبنان. وهذا يعني أن إسرائيل لا يمكنها استهداف الضاحية أو بيروت دون أن تتوقع رداً قاسياً على حيفا أو تل أبيب.

– موازنة القوة: المعادلة التي وضعها حزب الله تهدف إلى تحقيق نوع من التوازن في الردع، حيث يريد حزب الله تثبيت قواعد جديدة للمعركة تقوم على أن التصعيد الإسرائيلي سيكلفها استهدافاً في عمقها الاستراتيجي.

6- أبعاد التصعيد وتداعياته الإقليمية: إذا استمرت إسرائيل في تصعيد هجماتها على لبنان، فإن ذلك قد يؤدي إلى اندلاع حرب واسعة قد تشمل إيران أيضًا، في ظل التحالف الوثيق بين حزب الله وإيران، ليس فقط عبر الصواريخ التقليدية، بل أيضًا باستخدام قواتها المتحالفة في لبنان واليمن والعراق وسوريا. دخول ما يسمى بـ”وحدة الساحات” إلى الصراع بشكل أعمق
السيناريوهات المحتملة تشمل:

– توسيع الجبهة إلى إيران: أي هجوم إسرائيلي على إيران سيجر بالضرورة إلى رد إيراني مباشر أو عبر حلفائها في المنطقة، مما قد يؤدي إلى تصعيد شامل في الشرق الأوسط. حزب الله قد يكثف من هجماته بالصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل، بينما تقوم إيران بدعم مباشر بالأسلحة والعتاد.

– زيادة الفاعلية العسكرية للمقاومة: حزب الله أصبح لاعبًا إقليميًا رئيسيًا قادرًا على إحداث تأثيرات استراتيجية تتجاوز لبنان. التصعيد على الحدود قد يعزز من قوة المقاومة في غزة واليمن، مما يؤدي إلى تشكيل تحالف إقليمي ضد إسرائيل.

– فعالية منظومة ثاد وتكلفتها: ثاد هي منظومة دفاع جوي أمريكية مصممة لاعتراض الصواريخ الباليستية في مراحلها النهائية. تتميز بأنها تستطيع التعامل مع تهديدات متعددة المدى، سواء كانت قصيرة أو متوسطة أو بعيدة المدى. لكن على الرغم من فعاليتها، فإن تكلفتها الباهظة تمثل تحديًا؛ حيث تصل تكلفة كل صاروخ اعتراض واحد إلى حوالي 20 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم إذا ما تم استخدامه بشكل مستمر، خاصة في مواجهة سيل من الصواريخ أو الطائرات المسيّرة التي يمكن أن تكون أقل تكلفة بكثير. لهذا، قد يمثل الاستخدام المكثف لمنظومات مثل ثاد عبئًا اقتصاديًا على اميركا وإسرائيل.

– الدور الأمريكي والدولي: بالرغم من أن أمريكا والغرب يدعمون إسرائيل في الوقت الحالي، إلا أن استمرار الانتهاكات الإسرائيلية في غزة ولبنان قد يؤدي إلى تغيير في الرأي العام الدولي. قد تجد إسرائيل نفسها في مواجهة ضغط دولي متزايد لإنهاء العدوان أو دفع ثمن سياسي باهظ.

* الوضع الداخلي في إسرائيل: تزايد الخسائر اليومية على الجبهة الشمالية مع حزب الله، إلى جانب الضغوط الأمنية في الداخل نتيجة التصعيد المستمر، قد يثير اضطرابات داخلية. هناك شعور بالاستنزاف لدى الإسرائيليين بسبب الحروب المستمرة، وإذا ما تصاعدت الهجمات إلى مستويات أعلى، فإن الحكومة الإسرائيلية قد تواجه ضغوطًا داخلية لوقف الحرب أو البحث عن حلول تفاوضية.

وفي سياق تصاعد المواجهات الإقليمية، وخصوصًا بعد إطلاق القمرين الصناعيين الإيرانيين “هدهد” والاستخباراتي العسكري، يمكن النظر إلى دور روسيا والصين في هذه التطورات كجزء من شبكة مصالح وتحديات استراتيجية تمتد من أوكرانيا إلى شرق آسيا والشرق الأوسط.
ما يحدث اليوم على جبهة بنيامينا وغيرها من المواجهات، لا يمكن فهمه بمعزل عن السياق الجيوسياسي الأوسع، حيث تسعى روسيا والصين، كلاعبين دوليين رئيسيين، إلى تعزيز دورهما في الصراعات الإقليمية بهدف تحدي النفوذ الغربي، خاصة الأمريكي.

– الدور الروسي: روسيا التي باتت تواجه ضغوطًا غربية شديدة نتيجة الصراع في أوكرانيا، قد ترى في تعزيز علاقتها مع إيران ومحور المقاومة فرصة لتقويض الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط. دعم إيران في مجالات التكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية، مثل الأقمار الصناعية هدهد، يأتي ضمن سياق أوسع لاستراتيجية روسيا في بناء تحالفات مع دول مقاومة للنفوذ الغربي. الأقمار الصناعية الإيرانية التي قد تكون مدعومة تقنيًا من روسيا، تساهم في تحسين قدرات إيران الاستخباراتية والعسكرية، مما يخلق معادلة جديدة في الصراع مع إسرائيل.

– الدور الصيني: أما الصين، فإن مشاركتها في هذا السياق تأتي ضمن رؤيتها الأوسع لـ “مبادرة الحزام والطريق” وبسط نفوذها في الشرق الأوسط. الصين تسعى إلى تأمين استقرار إمدادات الطاقة من المنطقة، ومن هنا يأتي دورها في دعم إيران تكنولوجيًا. في مواجهة النفوذ الأمريكي المتزايد في المحيط الهادي وجنوب شرق آسيا، ترى الصين في الشرق الأوسط ساحة مهمة لإضعاف قوة الولايات المتحدة، ويمكن أن تساهم في تعزيز القدرات الاستخباراتية الإيرانية عبر تكنولوجيا الأقمار الصناعية المتقدمة، مما يخلق توازنًا جديدًا في ميزان القوى الإقليمي.

– القمر الصناعي الإيراني هدهد وأبعاده: القمر الصناعي الإيراني سواء كان مخصصًا لأغراض التجسس أو إدارة الطائرات المسيّرة مثل تلك التي استهدفت بنيامينا، يمثل خطوة متقدمة في تعزيز قدرات إيران الاستخباراتية. دعم مثل هذه المشاريع من قبل روسيا والصين يجعلها جزءًا من مواجهة جيوسياسية دولية متكاملة تشمل مختلف ساحات الصراع، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط. هذه الأقمار تمكّن إيران وحلفاءها، مثل حزب الله، من استهداف نقاط عسكرية حساسة بشكل أدق وأكثر فاعلية، كما رأينا في بنيامينا.

– الصراع الدولي من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط: إطلاق القمرين الصناعيين الإيرانيين والتصعيد العسكري في الشرق الأوسط قد يكونان جزءًا من جهد أوسع لروسيا والصين لتوسيع رقعة المواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها. الصراع في أوكرانيا هو أحد أوجه هذه المواجهة، وكذلك في المحيط الهادي حيث تتصاعد التوترات مع الصين. كل هذه الصراعات متشابكة، وتحاول روسيا والصين استخدام الشرق الأوسط كنقطة ضغط إضافية على الغرب.

خلاصة:
ان تقرير جدعون ليفي في صحيفة هآرتس يعكس شعورًا بالخطر المتزايد بسبب الغطرسة الإسرائيلية التي يبدو أنها تتصاعد في أعقاب الحرب مع حماس وتهديدات أخرى من حزب الله وإيران. بالنظر إلى تصاعد الصراع والضغوط الإقليمية، يأتي نشر منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية ثاد (THAAD) كخطوة تؤكد تصاعد القلق الدولي حول أمن إسرائيل، ولا سيما في ظل تصاعد هجمات المقاومة من لبنان واستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة التي أصبحت تهدد المدن الإسرائيلية بشكل متزايد.

إذا استمرت إسرائيل في مسار الغطرسة والقوة المفرطة، كما يشير جدعون ليفي، فإنها تسير نحو كارثة قد تكون على مستوى تاريخي. القوى العسكرية الإسرائيلية قادرة حاليًا على تحقيق مكاسب تكتيكية، لكن تلك المكاسب قد تكون قصيرة الأجل، وتتحول إلى عبء استراتيجي. تصعيد محور المقاومة، خاصة حزب الله، قد يدفع بالمنطقة إلى حرب واسعة لا يمكن التنبؤ بنهايتها. وفي ظل تزايد التكاليف العسكرية والإنسانية، فإن إسرائيل قد تجد نفسها في وضع انهيار داخلي إذا لم تتخذ خطوات جذرية لتغيير مسارها.

إذن، يمكن القول إن التحركات الإيرانية الأخيرة في تطوير قدراتها الاستخباراتية والعسكرية عبر إطلاق الأقمار الصناعية، وما ترتب على ذلك من عمليات دقيقة مثل ضربة بنيامينا، ليست إلا انعكاسًا لمواجهة أوسع بين القوى العالمية الكبرى. دور روسيا والصين في دعم إيران ليس مجرد دعم تكتيكي، بل جزء من استراتيجيات تهدف إلى إعادة تشكيل النظام العالمي، حيث تتشابك خطوط الصراع من أوكرانيا إلى المحيط الهادئ والشرق الأوسط. في هذا السياق، يبدو أن الصراع في المنطقة قد تحول إلى ساحة اختبار لموازين القوى العالمية، حيث تلعب التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في توجيه مسار الأحداث.

عملية حزب الله الاستخباراتية التي مكنت من استهداف بنيامينا، بالإضافة إلى التصعيد اليومي بالصواريخ والطائرات المسيّرة، يعكسان تحولاً خطيرًا في ميزان القوى على الساحة الإسرائيلية-اللبنانية. حزب الله بات يمتلك القدرة على اختراق الدفاعات الإسرائيلية، ويستطيع توجيه ضربات نوعية تهدد العمق الإسرائيلي. التصعيد الحالي على الحدود الشمالية وتهديد إسرائيل بالضربات المكثفة، يعيد تشكيل معادلة الردع في المنطقة، حيث باتت إسرائيل تواجه تحديات متزايدة من المقاومة، التي لا تتردد في استخدام التكنولوجيا المتقدمة والتكتيكات العسكرية المعقدة.

في ظل هذه التطورات، قد تجد إسرائيل نفسها في وضع استراتيجي حرج، حيث يتطلب التصعيد المستمر ردودًا تتجاوز الحلول العسكرية التقليدية، وقد يقود إلى تدهور الأوضاع نحو حرب إقليمية شاملة.

* خاتمة:
مع كل صاروخ يطلق على تل أبيب، وكل طائرة مسيّرة تخترق العمق الإسرائيلي، يزداد اليقين بأن إسرائيل ليست في موقع المنتصر كما تتوهم، بل على حافة هاوية قد تقود إلى انهيار استراتيجي شامل. تصاعد المواجهة مع حزب الله، وحتمية توسيع دائرة الصراع لتشمل إيران، يضع إسرائيل أمام مستقبل غامض ومليء بالتحديات. فالتوازنات الإقليمية تتغير بسرعة، ومنظومة الردع التي لطالما اعتمدت عليها إسرائيل بدأت تتآكل. في ظل هذا التدهور، قد تجد إسرائيل نفسها محاصرة بين قوة عسكرية متقدمة ومرنة من جهة، وضغط دولي ورأي عام متحول من جهة أخرى.

في النهاية، قد يكون التصعيد الحالي البداية لمرحلة جديدة من الصراع، حيث لا تعود السماء هي الحدود لإسرائيل، بل قد تصبح حدود الخطر الذي يهدد بقاءها كقوة مسيطرة في المنطقة.
الزمن وحده سيكشف إن كانت إسرائيل ستتعلم درساً من التاريخ، أو ستسقط ضحية الغطرسة التي لا ترى أمامها إلا طريق الانهيار.

زر الذهاب إلى الأعلى