بأقلامنا

معركة إعادة تشكيل شرق أوسط نتنياهو الجديد وحصار إيران وحزب الله بين التصعيد وتحولات الميدان بقلم د. شريف نورالدين

. بتاريخ: 3 / 12 / 2024

 

استراتيجية معركة المصير لمحور المقاومة في ظل تصاعد الأحداث في سوريا ولبنان.
تبدو المنطقة على أعتاب مرحلة فارقة، تتشابك فيها المصالح الدولية والإقليمية في صراع مفتوح على النفوذ والهيمنة والاحتلال الاميركي الصهيوني التركي وبدعم وتأييد من بعض دول الخليج.

الهجوم الأخير المنطلق من إدلب نحو حلب وحماة وحمص، ومحاولات قطع طريق دمشق-حلب، لا يهدف فقط إلى إعادة تشكيل الخريطة الميدانية، بل إلى فرض معادلة جديدة تضيق الخناق على إيران وحزب الله.

في ظل وقف إطلاق النار الهش في لبنان، والذي أفرزته تسوية الضرورة عقب الحرب الأخيرة، تسعى إسرائيل لاستغلال حالة الفوضى الإقليمية، مكثفة ضرباتها الجوية على مواقع إيرانية وقوات النظام السوري.
هذه التحركات تؤكد أن تل أبيب تعمل بجدية لتحجيم قدرات حزب الله في لبنان وإيران في سوريا، تحضيرًا لجولة صراع جديدة قد تكون أكثر شمولًا في سوريا وبالاخص لبنان.

ومع دخول دونالد ترامب البيت الأبيض في يناير المقبل، تزداد المؤشرات على توجه أكثر عدائية تجاه إيران وحلفائها.
فريقه الرئاسي، المعروف بتشدده ودعمه المطلق لإسرائيل والمزايد على ادارة بايدن، يُنذر بتصعيد خطير، قد يُعيد خلط الأوراق في الشرق الأوسط، ويُدخل المنطقة في دوامة جديدة من التوترات والمواجهات.

– المشهد السوري بين التصعيد العسكري والمناورات السياسية
يشهد المشهد السوري تصعيدًا معقدًا يحمل أبعادًا عسكرية وسياسية واقتصادية تمتد تداعياتها إلى الإقليم برمته. مع التحركات العسكرية الأخيرة من إدلب باتجاه حلب وحماه، وامتدادها نحو حمص، يتضح أن هناك جهودًا مكثفة لإعادة تشكيل المعادلة الميدانية والسياسية في سوريا، تهدف هذه التحركات إلى تقويض الدور الإيراني وحزب الله، وفرض واقع جديد يمكن أن يُحدث تغييرات جذرية في خريطة التحالفات والصراعات في المنطقة.

– أبعاد الهجوم على محاور حلب وحماة وحمص
1. قطع طريق دمشق-حلب الاستراتيجي: يُعد هذا الطريق شريان الحياة للنظام السوري، إذ يربط العاصمة دمشق بالشمال السوري، والسيطرة عليه تعني عمليًا شل قدرة النظام على دعم قواته في الشمال، وقطع إمداداته العسكرية واللوجستية.

2. تأثير قطع الإمداد على حزب الله: ارتباط حزب الله بسوريا حيوي لدوره في لبنان والمنطقة ورئته التنفسية. حرمانه من خطوط الإمداد عبر سوريا سيضعه في موقف حرج، ويضعف قدراته في مواجهة إسرائيل أو أي تهديد داخلي.

3. محاصرة حمص وتوسيع نطاق الصراع: السيطرة على حمص، بوصفها نقطة مركزية، تعني توسيع نطاق الصراع نحو الجنوب. هذا السيناريو يهدد بتحويل سوريا إلى مسرح صراع إقليمي أكبر وكذلك لبنان في انعاش خلايا الارهاب.

– الرسائل الأمريكية والإسرائيلية للنظام السوري
1. قطع العلاقات مع إيران: تُشير التسريبات إلى ضغوط أمريكية عبر وساطة إماراتية على الأسد لفك ارتباطه بإيران. تُدرك الولايات المتحدة وإسرائيل أن الدور الإيراني في سوريا يشكل تهديدًا استراتيجيًا، وبالتالي، فإن تقويض هذا الدور والقضاء عليه يُعد هدفًا رئيسيًا.

2. رفع عقوبات قيصر مقابل التنازلات: يشكل قانون قيصر أداة ضغط فعالة على النظام السوري. عرض رفع العقوبات مقابل الابتعاد عن إيران يُظهر الرغبة في إعادة تشكيل تحالفات الأسد بما يتماشى مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية.

3. التهديد المباشر: رفض الأسد في الامتثال إلى الرسالة الاميركية، أدى إلى التصعيد العسكري وفتح جبهة ادلب، مع امكانية حصول استهداف شخصي له ونهاية نظامه، مما يعني أن الخيارات المطروحة أمامه محدودة وخطيرة.

– دور الحشد الشعبي وإيران في سوريا
1. إرسال مقاتلين لدعم النظام: تعزيز الحشد الشعبي قواته في سوريا يعكس قلق إيراني كبير، لذا تم ارسال بين 500 إلى 1000 مقاتل ليس مجرد دعم عسكري، بل رسالة مفادها أن إيران لن تتخلى بسهولة عن موقعها الاستراتيجي كرأس حربة في استهدافها ومحورها وحلفائها.

2. استهداف أمريكي مباشر: ضرب الأرتال الحشد الشعبي اثناد دخولهم من الحدود العراقية الي سوريا، يعكس سياسة الردع والهيمنة والمخطط الأمريكي، ويدل على استعداد واشنطن للتدخل المباشر لمنع مساعدة وتعزيز الإيراني في سوريا.

3. تحرك قوات سوريا الديمقراطية: يُظهر تنسيقًا أميركيًا متزايدًا لمواجهة الحشد الشعبي، مما يشكل تهديدًا إضافيًا لإيران وحلفائها.

– دور تركيا في المعادلة السورية
1. التعاون التركي-الأمريكي-الإسرائيلي: تسعى تركيا للعب دور مزدوج في سوريا. من جهة، تواصل الضغط على الأكراد. ومن جهة أخرى، تتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل لتحقيق مكاسب استراتيجية، مع الحفاظ على مصالحها الخاصة وخاصة مع وصول ترامب الى البيت الابيض والتنسيق والتحالف معه، من ضمن خطة واستراتيجية اردوغان لاحتلال اجزاء جديدة من اراضي سوريا تضاف الى مكتساباته.

2. الدعم الخليجي المتزايد: زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للإمارات تشير إلى توافق خليجي لدعم التحركات المناهضة لإيران في سوريا. هذا الدعم يشمل تقديم تمويل و مساعدات لوجستية للقوى المعارضة للنظام السوري وحلفائه.

– تداعيات إقليمية
1. لبنان: أي تغيير في المعادلة السورية سيؤثر مباشرة على حزب الله، مع تصدير الميليشيات الإرهابية إلى لبنان و تفجير ساحته الداخلية، مما يفاقم من الأزمة السياسية والاقتصادية، ويضع البلاد على حافة الانهيار .

2. العراق واليمن: استخدام الولايات المتحدة لورقة “الدواعش” في السجون السورية لتأجيج الأوضاع في العراق واليمن سيزيد من الضغط على إيران، ويُشغلها بجبهات متعددة.

3. إسرائيل ووقف إطلاق النار الهش: التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان قد يتفاقم من جديد في ظل الخروقات والتهديدات الاسرائيلية واستغلال وضع ازمة سوريا للانقضاض على حزب الله، في ظل محاولات تل أبيب تقويضه وتهديد وجوده .

– السيناريوهات المستقبلية
1. نجاح الهجوم من إدلب: إذا تحقق، فسيضع النظام السوري في موقف دفاعي ضعيف، ما يهدد بفقدانه السيطرة على دمشق. هذا السيناريو قد يدفع الأسد للتفاوض وفق الشروط الأمريكية.

2. استمرار الدعم الإيراني: رغم الضغوط، قد تستمر إيران في دعم النظام، مما يؤدي إلى تصعيد عسكري أكبر.

3. انهيار وقف إطلاق النار: تصاعد التوترات مع إسرائيل قد يؤدي إلى مواجهة إقليمية شاملة تشمل على مستوى المنطقة.

– الديناميات الدولية الإقليمية والصراع بين القوى الكبرى
1. دور روسيا والصين في المشهد السوري: روسيا، الحليف الاستراتيجي للأسد، قد تجد نفسها أمام خيارات صعبة إذا زاد الضغط الأمريكي، بينما الصين، رغم دورها المحدود حاليًا، قد تنظر إلى سوريا كبوابة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.

2. التوازن الخليجي والإقليمي: تنامي التقارب الإماراتي-السعودي في الملف السوري، بعد القطيعة، يشير إلى محاولة بناء محور خليجي يواجه إيران. دعم التحركات التركية في سوريا قد يكون جزءًا من استراتيجية أكبر لموازنة الدور الإيراني.

– الأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية
1. إعادة الإعمار كسلاح ضغط: تلوّح الولايات المتحدة وأوروبا بملف إعادة الإعمار كوسيلة ضغط على النظام السوري. حرمان دمشق من الدعم المالي الدولي يعني إبقاء الوضع الاقتصادي في حالة انهيار، مما يُضعف النظام شعبيًا ويزيد من هشاشته السياسية.

2. السيطرة على موارد الطاقة: شرق سوريا يُعد خزانًا للنفط والغاز، والسيطرة عليه تعني تحكمًا في عصب الاقتصاد السوري. قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيًا تسيطر على معظم هذه الموارد، ما يشكل ورقة ضغط هامة على النظام.

– الجانب الأمني والإنساني
1. إدارة ملف اللاجئين والنازحين: مع التصعيد العسكري الجديد في سوريا سيؤدي إلى موجات نزوح جديدة، مما يشكل ضغطًا على الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان وايضا تركيا بحسب مجريات المعركة يعيد أزمة اللاجئين إلى الواجهة الدولية.

2. استخدام الجماعات الإرهابية كأدوات ضغط: وجود أكثر من 10 آلاف عنصر داعشي في السجون الاميركية السورية يُشكّل قنبلة موقوتة. قد يُستخدم هؤلاء لإعادة زعزعة الاستقرار في مناطق حساسة كالعراق واليمن وايران ولبنان، مما يخدم أجندات متعددة اميركية إسرائيلية تركية وخليجية.

– الأفق الاستراتيجي لمحور المقاومة
1. تطوير استراتيجيات جديدة: على محور المقاومة، لا سيما إيران وحزب الله، التحرك بسرعة لإعادة تقييم خياراتهم. هذا قد يشمل تعزيز التحالف مع روسيا، أو حتى البحث عن دعم من قوى آسيوية مثل الصين، افغانستان، وغيرها ودول اسلامية وعربية لافشال تقسيم سوريا وخارطتها الشرق اوسطية الجديدة.

2. إعادة توجيه الموارد العسكرية: استنزاف إيران وحزب الله في سوريا ولبنان قد يدفعهما إلى تطوير وسائل جديدة للحرب غير التقليدية، مثل الهجمات السيبرانية أو الأسلحة الدقيقة وغيرها، لتعويض تراجع الإمدادات اللوجستية.

– البُعد الاستخباراتي والدبلوماسي
1. الحرب الاستخباراتية: تتزايد أهمية الحرب الاستخباراتية بين الأطراف المختلفة. عمليات الاغتيال أو تفكيك شبكات النفوذ ستلعب دورًا محوريًا في المرحلة القادمة. إسرائيل، على سبيل المثال، كثّفت عملياتها في هذا المجال مؤخرًا.

2. الدبلوماسية السرية: الاتصالات غير المعلنة بين أطراف النزاع قد تؤدي إلى صفقات مفاجئة. دور الإمارات كوسيط بين الأسد والولايات المتحدة قد يكون نموذجًا للمرحلة القادمة من الدبلوماسية.

– احتمالات المستقبل
1. إعادة تشكيل النظام العالمي: الصراع في سوريا لم يعد محليًا أو إقليميًا فقط، بل هو جزء من إعادة تشكيل النظام العالمي. التنافس بين القوى العظمى يعكس التوجهات المستقبلية للتحالفات والصراعات في مناطق مختلفة من العالم.

2. سوريا نموذج لحروب بالوكالة:
إذا استمر التصعيد، فإن سوريا قد تصبح الساحة الأهم للحروب بالوكالة، حيث تتصارع الولايات المتحدة، وروسيا، وإيران، وتركيا والخليج العربي، وإسرائيل لتحقيق اهدافهم، ما يعني أن الحل السياسي قد يظل بعيد المنال.

خلاصة:
يتطلب الوضع الراهن قراءة دقيقة للمشهد المتغير باستمرار، حيث تلعب التحالفات الدولية والمحاور الإقليمية دورًا مركزيًا في تشكيل مستقبل سوريا والمنطقة. من الواضح أن الاستراتيجيات التقليدية لن تكون كافية للتعامل مع التعقيدات الحالية، مما يستدعي اعتماد نهج مرن ومتعدد الأبعاد، يجمع بين القوة العسكرية والدبلوماسية الذكية والتكتيكات الاقتصادية، لضمان تحقيق الأهداف الاستراتيجية لكل طرف.

كما تُظهر المعطيات الحالية أن الصراع السوري دخل مرحلة جديدة من التصعيد، حيث تتداخل الحسابات الإقليمية والدولية. نجاح التحركات العسكرية من إدلب سيعيد رسم خريطة النفوذ في سوريا، وسيضع النظام السوري أمام تحديات مصيرية. في ظل هذه التطورات، يبقى محور المقاومة أمام خيارات صعبة، تتطلب إعادة تقييم الاستراتيجيات لمواجهة التحولات المحتملة.

خاتمة: تحديات المصير وخيارات محور المقاومة
تقف إيران وحزب الله اليوم أمام تحديات وجودية غير مسبوقة، في ظل الحصار المتزايد والهجمات الإسرائيلية المتصاعدة. محور المقاومة يواجه ضغوطًا تهدف إلى تقويض دوره الإقليمي، من خلال فصل سوريا عن إيران ومحاصرة حزب الله في لبنان.

لذا؛ الأيام المقبلة ستشهد اختبارات قاسية لهذا المحور، خصوصًا مع عودة إدارة ترامب، التي تتبنى نهجًا متشددًا يتجاوز فرض العقوبات إلى تعزيز العمل العسكري ضد مصالح إيران في سوريا ولبنان.

إيران، التي تُدرك خطورة الوضع، قد تلجأ إلى تعزيز تحالفاتها وتوسيع نطاق المواجهة، من خلال امكاناتها الغير تقليدبة، وفي الوقت ذاته بحاجة إلى استراتيجية دفاعية جديدة لدعم حزب الله، حليفها الأبرز، والحفاظ على قوتهم ودورهم الإقليمي.

يبقى؛ الخيار الوحيد أمام محور المقاومة هو الصمود وتكييف استراتيجياته للتعامل مع المتغيرات، وإلا فإن المنطقة قد تكون على موعد مع صراع مفتوح، ستكون له تداعيات بعيدة المدى على خريطة الشرق الأوسط تنهي قضية فلسطين بالقضاء على ما تبقى في غزة وضم الضفة “للدولة اليهودية” وتقسيم سوريا ثم العراق واليمن وكسر شوكة ايران والعودة الى عصر الهزائم والتسليم بالاستلام والخنوع والتطبيع الحالي، والخطر الاكبر القادم على مصر والاردن والتي بدت صورته أوضح اليوم بتصفية القضية الفلسطينة…

زر الذهاب إلى الأعلى