بأقلامنا

منطلقات سعودية وفرنسية متقاطعة في الرئاسة…بقلم ناصر قنديل

ناصر قنديل

– يستخدم الكثير من المحللين والمتابعين بمن فيهم لاعبون سياسيون وناخبون فاعلون في مقاربة الموقفين السعودي والفرنسي من الملف الرئاسي اللبناني معايير لبنانية، أساسها حسابات عاطفية أو اصطفافات لا يمكن لها أن تكون ثابتة إذا تغيّرت مقاربات المصالح، كمثل الحرص على الدور التقليدي لكلّ من الدولتين في الملفات والاستحقاقات اللبنانية، وهذا يستدعي القول بكيف يمكن الحفاظ على هذا الدور التقليدي، وهنا يأتي الجواب سطحياً عبر الإشارة الى الحلفاء اللبنانيين ومراعاة حساباتهم، وهو ما لا يدخل في حساب مصالح الدول عندما تضع السياسات، والمثل حي أمامنا، والرئيس سعد الحريري أهمّ وأقرب حليف للسعودية، وقد دفع ثمن ما اعتقده السعوديون مصلحتهم ولم يجارهم فيه الحريري لجهة الانخراط في مواجهة مفتوحة مع حزب الله، كردّ طلبته السعودية على ما تعتقده دور حزب الله في حرب اليمن، وحسابات الحريري اللبنانية للمخاطر الناتجة عن التورّط في حرب أهلية، ويبقى السؤال المحوري حول المصالح الحقيقية لكلّ من باريس والرياض، ومنها التدرج لاخراج السياسات وإعادة تقييم التحالفات.
– في زمن الاتفاق الثلاثي كما أسميناه هنا من اليوم الأول، وكما يلفت اعتماد السعودية للتسمية، والحديث عن الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، تحرص فرنسا على عدم ترك الاتفاق يتحوّل الى مرجع إقليمي أحادي لمقاربة الملفات ومنها الاستحقاق الرئاسي اللبناني، خصوصاً مع التقارب السعودي السوري المتسارع الذي يجعل حراك الرياض وطهران ودمشق كفيلاً بتوفير نصاب سياسي يضعف معه حجم أهمية الدور الفرنسي، في ظلّ خشية أميركية من تعطيل التسويات وتحمّل نتائج تصعيد قد لا يبقى محلياً، وفرنسا مهتمّة بتسريع التوصل إلى تسويات تسبق سريان مفاعيل الاتفاق الثلاثي على لبنان وتلاقيه من جهة، وتسبق الحضور السوري المفترض بمباركة سعودية إيرانية من جهة مقابلة.
– فرنسا التي خسرت نفوذها في أغلب الدول الأفريقية، تعتبر لبنان فرصة لاستعادة مكانة في المشرق، والفرصة هي في الاقتصاد أولاً، تبدأ من لبنان والعين عبره على سورية لاحقاً والعراق، ومحاور الفرصة تبدأ من النفط والغاز وتمرّ عبر المرفأ والمطار والكهرباء، وهي قطاعات تملك فرنسا فيها نفوذاً وحضوراً، عبر شركاتها التي نال بعضها عقوداً مهمة، مثل عقد توتال وعقود شركة جي سي ام – سي ام اي، وشركة كهرباء فرنسا، واير فرانس، ووفق القراءات الفرنسية القضية ليست الحصول على عقود، يسهل على فرنسا تقديم عروض مناسبة لنيلها ومنافسة الآخرين عبرها، لأنّ المهمّ هو القدرة على تنفيذ مشاريع كلها ذات طابع استثماري، تحتاج الى إنفاق مليارات الدولارات، وتجلب مثلها أرباحاً، والأمر مرهون بضمان الاستقرار، والطرف القادر على تقديم ضمانات بالاستقرار بنظر الفرنسيين هو حزب الله وليس أيّ طرف لبناني أو إقليمي آخر، وهذا له بوابة واحدة يقول الفرنسيون إنهم يدركون ما تمثله رئاسة الجمهورية فيها، لجهة ما يمثله الرئيس في توفير الاطمئنان الذي ينشده حزب الله ليعطي ضمانته بالاستقرار.
– السعودية الآتية من الاتفاق الثلاثي، هي السعودية التي تريد في لبنان شيئاً مختلفاً عن المواجهة مع حزب الله، فهي تريد طلبات من حزب الله، كما يقول الفرنسيون، أو بالأحرى تريد رئيساً يستطيع أن يضمن تحقيق هذه الطلبات من قبل حزب الله، وربما يعتقد السعوديون، أنّ سورية أقدر من فرنسا على الحصول على ضمانات لتلبية هذه الطلبات، لذلك تجهد فرنسا للحصول على ضمانات المرشح الذي يدعمه حزب الله وهو الوزير السابق سليمان فرنجية على تلبية هذه الطلبات، وأغلبها يتصل برعاية حزب الله لمواقف وقوى ومؤسسات إعلامية وسياسية مناوئة للسعودية خليجياً، وتتصل بخطاب الحزب الإعلامي والسياسي نحو السعودية في مرحلة ما بعد الاتفاق الثلاثي وما بعد التوصل إلى حلّ سياسي في اليمن.
– الخشية الفرنسية هي من أنّ البحث بهذه الطلبات يبقى افتراضياً قبل أن تضع الحرب في اليمن أوزارها، وهي لا تزال في مرحلة الشدّ والجذب، بما يوحي لبعض المسؤولين الفرنسيين، أنّ الوقت لم يحن بعد، وربما يستمرّ البحث وتستمر المساعي، وتجد باريس أنّ ساعة توقيت البحث الجدي باتت متطابقة مع توقيت عودة العلاقات السورية السعودية إلى التنسيق في الملفات الإقليمية، وتوقيت الحلّ في اليمن، وهو شأن لا تملك فرنسا تأثيراً فعلياً فيه، بقدر ما تملك إيران والسعودية وتقع سورية بينهما في منطقة أفضل بكثير من فرنسا.
– باريس مستعجلة والسعودية غير مستعجلة، وأوراق فرنسا المحلية ضعيفة، بينما الورقة الفاعلة للسعودية المتمثلة بعودة الرئيس سعد الحريري لم يتمّ تفعيلها بعد، وحزب الله قال كلمته الرئاسية، وينتظر ويراقب المواقف، متمسك بموقفه ولا يجد منافساً أمام المرشح الذي يدعمه وهو يدعو للحوار الداخلي، ولا يمانع ما يسمّيه معاونة الأصدقاء، لكنه لا يضع رصيده ورقة في جيب صديق بعينه، خصوصاً اذا كان توصيف الصداقة محاط بأسئلة كثيرة كحال فرنسا.

زر الذهاب إلى الأعلى