بأقلامنا

المشهد الإعلامي بين الواقع والهوية الرقمية.

تمثل التكنولوجيا  الرقمية لوسائل الإعلام والاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي، إحدى أهم العوامل التي ساهمت في غضون بضع سنوات في تغيير المشهد الإعلامي في كل دول العالم. وساهمت في سرعة وصول المعلومة، لكنها لم تسهّل مهمّة الوصول إلى الحقيقة… وأدت إلى هشاشة بنية أخلاقيات المهنة في سياق تراجع الهرمية الإدارية والتحريرية؛ حيث أصبح إنتاج المحتوى يخضع لمعايير مختلفة تستند  الى (المدونين، تعليقات الزوار، محتضني الموقع…إلخ) والسرعة في إنتاج الاخبار دون اللجوء  إلى المعايير المهنية والاخلاقية الأساسية التي تتحكم في الممارسة الصحفية.

وبالرغم من الصعوبات التي كانت تواجه الإعلام في الوصول إلى المعلومة، إلا أن الأداء الشخصي والمهني والسلوك الأخلاقي كان أساساً في مصداقية الخبر ومحتواه وبثّه بمسؤولية مهنية وإجتماعية، فالإعلام هو المرآة التي تعكس داخل الإنسان وما يختزنه من فكر وثقافة ومناقب، ومدى انتمائه لمهنته.

فقد حوَّلت فوضى الممارسة الإعلامية بعض الإعلام إلى حقل للابتزاز والتشهير من أجل الكسب المادي، الذي أفقده مصداقيته واستقلاليته ونزاهته. يضاف إلى ذلك ما شهدته الممارسات المهنية للعلاقات العامة من تطور وازدهار، بطرق مبتكرة لتغذية وسائل الإعلام في البيئة الرقمية الجديدة بالمادة الإعلامية التي لا تمت للمهنية بصلة، ولا تنطوي على أية مسؤولية تجاه المواطن والمجتمع. ، وإقصاء الزمن والحدث الفعلي من فضاءات الواقع والاعتماد على الزمن الافتراضي المبرمج وكذلك تحويل هوية الإعلاميين والصحفيين إلى هوية جديدة يطلق عليها “الهوية الرقمية”.

هذه المعطيات الجديدة والاشكال المهنية التي تطورت بسرعة بفضل الثورة الرقمية، ترتبط بالأساليب والقدرات التقنية التي فتحت إمكانيات جديدة للممارسة المهنية و أنتجت أشكالا جديدة في المهنة الصحفية ومزاولتها وربطها بالحتمية التقنية، سمحت لابتكار وخلق إمكانيات وشروط جديدة للفعل المهني ولمجال حرية ومسؤولية الصحفي، وأدت الى الانتقال من العالم الواقعي إلى عالم افتراضي “العالم الرقمي” الذي ساهم في توفير الجهد والمال والوقت. وغيرت بصورة جذرية من طبيعة وقواعد ومناهج وأشكال الممارسة الصحفية من خلال إدخال التقنيات التكنولوجية التي ظهرت بسرعة وتم ادماجها في المهام الصحفية.

ومهما يكن من أمر… فإن الإنتماء للوطن الإعلامي “الثقافي” والسلوك الأخلاقي والمهني للصحفي يبقى المعيار الوحيد والأوحد للمهنية والمصداقية، التي تيمز وتفصل بين الوسائل الإعلامية المحترفة وبين وسائل التواصل الإجتماعي المتاحة…

فادي رياض سعد

 

زر الذهاب إلى الأعلى