بأقلامنا

ما هو مصير نفوذ المستعمِر القديم لأفريقيا بعد انقلاب النيجر؟ (بقلم محمد السيد)

 

تعاني فرنسا من انتكاسات متتالية في أفريقيا وعلى رأسها منطقة الساحل، وآخر تلك الانتكاسات المحاولة الانقلابية في النيجر التي تعدّ معقل الوجود العسكري والمصالح الاقتصادية للقوات الفرنسية بعد طردها من مالي وبوركينا فاسو.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما مصير المستعمر القديم للقارة؟

الأمر الذي يؤكد مصير فرنسا في النيجر هو إعلان المجلس العسكري الحاكم، يوم الخميس، لإلغاء الاتفاقات العسكرية التي تجمع البلاد بفرنسا. بعد سحب السفير النيجري من باريس، وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، بل عمد المجلس أيضًا إلى منع بث قنوات “فرانس 24″ و”RFI” الفرنسية في البلاد.

وفي محاولة باريس لتغيير ما وصلت إليه الأمور، رفضت قرارات السلطات النيجرية الجديدة، كما صرّحت وزارة الخارجية الفرنسية أن السلطات الشرعية في البلاد وحدها تملك صلاحية فسخ الاتفاقات العسكرية، مؤكدةً أن “الإطار القانوني لتعاونها مع النيجر في مجال الدفاع يستند إلى اتفاقات أبرمت مع السلطات النيجرية الشرعية”.

وهذا ما يدفع للتساؤل حول ما بقي لباريس من رهانات في النيجر، وهل يمكن الحديث عن نهاية النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل؟

منذ اللحظات الأولى للانقلاب، لم تترك فرنسا أي فرصة إلا واستغلّتها لتعبّر عن امتعاضها من الأحداث. وأعلنت الحكومة الفرنسية، على لسان وزيرة الخارجية كاثرين كولونا، إدانتها الشديدة “لأي محاولة للاستيلاء على السلطة باستعمال القوة”، وأن البلاد تضم صوتها إلى “الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في دعوتهما لاستعادة وحدة المؤسسات الديمقراطية النيجرية”.

وأعلنت الخارجية الفرنسية أن بلادها لن تعترف بـ”المجلس الوطني لحماية الوطن” الانقلابي في نيامي سلطةً شرعيةً للبلاد.

وصرح الرئيس ماكرون في تصريحات يوم الجمعة الماضي، أن: “هذا الانقلاب غير شرعي بتاتاً وخطير للغاية، على النيجريين والنيجر والمنطقة بأسرها”.

ومن ناحية أخرى خرجت مظاهرات في العاصمة النيجيرية نيامي يوم الأحد، تطالب بالقطيعة مع فرنسا وجلاء قواتها من أراضي البلاد. كما هاجم المتظاهرون السفارة الفرنسية، وأضرموا النار في مدخلها الرئيسي.

وفي ظل هذه الأحداث، تخشى باريس ضياع آخر حلفائها في منطقة الساحل، بعد القطيعة مع مالي وتدهور العلاقات مع المجلس العسكري الحاكم هناك، وطردها من بوركينا فاسو الذين استولوا على الحكم إثر انقلابَي عام 2022.

إستراتيجياً، كانت النيجر نقطة الارتكاز الوحيدة للقوات الفرنسية في الساحل، والمعقل الوحيد لتلك القوات بعد انسحابها من مالي وبوركينا فاسو عقب إنهاء عمليتي “بارخان” و”سابر”. وتحتفظ باريس إلى اليوم بما يقدر بـ1500 جندي داخل الأراضي النيجرية. زد على ذلك قاعدتين عسكريتين، أبرزهما قاعدة نيامي الجوية.

بينما هذه الأهمية تتضاعف في شكلها الاقتصادي، إذ قُدّر التبادل التجاري بين البلدين بـ2.8 مليار يورو فقط في النصف الأول لعام 2022، إذ بلغت الصادرات الفرنسية نحو النيجر قرابة 314 مليون يورو فقط.
بينما البقية تمثل ما استوردته باريس من البلد الإفريقي من مواردَ طاقة.

وحسب الأرقام ذاتها الواردة عن وزارة المالية الفرنسية، فإن واردات البلاد من البترول النيجري ارتفعت 130% خلال الأشهر الستة الأولى من 2022، جراء الحرب في أوكرانيا. وتعد النيجر أحد البلدان الإفريقية الغنية بالبترول والغاز الطبيعي، إذ يقدر احتياطيها النفطي بـ953 مليون برميل، والغازي بـ24 مليار متر مكعب.

يعدّ البترول المصدر الطاقي الوحيد الذي تستورده فرنسا من النيجر، بل أهم من ذلك يأتي اليورانيوم النيجري الذي يعد ركيزة البرنامج النووي الفرنسي. وتستورد فرنسا قرابة 7000 طن من اليورانيوم سنوياً، نحو 34% منها تأتي من النيجر، وبهذا يكون البلد الإفريقي أكبر مصدر لليورانيوم نحو باريس.

وتستولي شركات فرنسية، أبرزها شركة “أورانو”، على يورانيوم النيجر، رابع منتج لهذه المادة عالمياً، بمعية وارداتها من كندا وكازاخستان وأوزباكستان، لتلبية نحو 75% من احتياجات فرنسا من الطاقة الكهربائية النووية. فيما ينير اليورانيوم النيجري “مصباحاً من بين كل ثلاثة مصابيح” في التراب الفرنسي، حسب حديث سابق للنائب البرلماني نويل مامير.

معظم الانقلابات التي حدثت في السنوات الأخيرة تصب ضد مصالح فرنسا في المنطقة، التي كانت حتى وقت قريب تعدها باريس منطقة نفوذ تام لها، عبر شبكة شركاتها التي تعمل هناك في قطاعات متعددة، على رأسها التعدين واستخراج النفط،
كما للوجود العسكري الفرنسي هناك منذ 2013، عبر كل من عمليتي “بارخان” و”سابر”.

وفي آب 2022، سُحب آخر جندي فرنسي من مالي. فيما استمرت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في التدهور. في بوركينا فاسو هي الأخرى، طلبت السلطات العسكرية من فرنسا، شهر كانون الماضي سحب جنودها من البلاد لتعلن بعدها في شباط إنهاء عملية “سابر” التي كانت تقودها القوات الفرنسية هناك.

وحمّلت جريدة “ليبراسيون” الفرنسية، في تقرير حديث، مسؤولية هذا الضعف للإدارة السيئة للرئيس ماكرون. وقالت الصحيفة إن “الانقلاب في النيجر يقدم توضيحاً إضافياً لتدهور العلاقات بين باريس ودول غرب إفريقيا”، وبالرغم من مساعيه لتغيير صورة البلاد في إفريقيا لم يحصد ماكرون سوى “النكسات الدبلوماسية”.

زر الذهاب إلى الأعلى