بأقلامنا

الثقافة الوطنية وروحية العمل الجَمَاعي، هي الملاذ للخروج من مستنقع الأنانية. بقلم الاعلامي فادي رياض سعد

تتجاوز الأزمة اللبنانية بأبعادها وعناصرها المختلفة وإطارها الشكلي، إلى عناصر متعددة جوهرية باطنية وغير مُعلنه، يأتي في طليعتها عنصرا الدين والسياسة، وتغييب الثوابت ودور المؤسسات  وقدرتهما على التأثير العميق في الوجدان الفردي والإجتماعي وآثاره على تشكيل المجتمع والهوية والسلطة “مواقع القرار في كافة المؤسسات والهيئات”.

العلاقة بين ما هو ديني وما هو سياسي في حياتنا العامة تخضع بامتياز لجدلية دائمة ومنتجة لأشكَالٍ شتّى من الأزمات والانفراجات على حد سواء، فهذه الجدلية تاريخية سياسية حكمت مسار لبنان السياسي والاجتماعي، بين قوى الخارج المتمثلة بالنظامين الدولي والإقليمي، وبين قوى الداخل المتمثلة بالتركيبة الطائفية للدولة ومستوى تعاطيها مع مجتمعها المدني، وبقواه السياسية والاجتماعية، المتأرجحة بين السيادة الداخلية والتبعية “الاستقواء بالخارج”.

والأشد ضرراً هو تغييب الثوابت ودور المؤسسات واستبدالها بـ “وجهات نظر شخصية”، يعمد أصحابها الى جعلها ثوابت تتوافق مع توجهاتهم وأفكارهم، مع شبه انعدام الثقافة الوطنية وروحية العمل الجَمَاعي، تترافق مع عدم رغبة بالخروج من مستنقع الأنانية الشخصية والفردية والتمسك بها، ليس على صعيد الفرد وحسب، بل تتخطاها الى الدائرة الأكبر وتطال المجتمع بكافة شرائحه، وتصبح منابراً تغذي الطائفية على حساب المجتمع والمصلحة الوطنية، وفرض واقع “ازدواجيّ المعايير” يعتمده المتساجلون على مبدأ “ما يحق له لا يحقّ لغيره… ويحللّ لنفسه ويحرّم على غيره”.

في حين أن واقع لبنان الحالي وأزماته المتعددة والمستجدة طالت جميع اللبنانيين، ولم تستثنِ أحداً، ونحن اليوم أمام مسؤولية كبيرة، لتجنّب تداعيات هذه الجدلية على الداخل اللبناني، ومواجهة الإشكاليات بعقلانية ووعي، واعتماد “معيار واحد وأوحد” ينطلق من الثوابت الوطنية والإجتماعية، وتفعيل دور المؤسسات والإحتكام لها،  وتغليب المصلحة العامة على المصالح الضيقة “أكانت سياسية أم دينية أم إجتماعية”، وتغليب لغة العقل على لغة القوة والاستبداد والاصطفافات الطائفية و الحزبية، وتغليب “قوة المنطق” على “منطق القوة”.

والمؤسف ما وصلنا اليه من انحدار في مستوى التخاطب والنقاش، وألاستخفاف، بين “المسؤول والمسؤول”، بين “المسؤول والمواطن”  أو بين الفئات الشعبية على مختلف المستويات، في مسار الحياة اليومية وعبر الشاشات ووسائل التواصل،،، ومن المفارقات… أنه لو تبدّلت مواقع المتساجلين!!! سنرى من يعارض موقف اليوم… سيدافع عنه من الموقع الأخر “والعكس صحيح”…

فادي رياض سعد

زر الذهاب إلى الأعلى