بأقلامنا

لبنان 2023؛ عودة إلى 1989.. بقلم الكاتب حسن الدر

لم نبلغ القعر، ولن نبلغه قريباً، فالمعركة لم تنتهِ بعد والعالم الجديد لم يستقرّ على صورته النّهائيّة.
«لبنان مهدّد بالزّوال»، قالها وزير الخارجية الفرنسي «جان إيف لودريان» أواخر شهر آب 2020، يومها كان سعر صرف الدّولار في السّوق السّوداء أقل من 10.000 ليرة لبنانيّة، وكان رئيس الجمهوريّة في موقعه والرّئيس سعد الحريري على السّاحة السّياسيّة يستعدّ لتكليف تشكيل حكومة جديدة بعد استقالة حكومة الرّئيس حسان دياب، والمؤسّسات قائمة والإدارات تعمل بالحدّ الأدنى الممكن.
ad
أمّا اليوم فلا رئيس للجمهوريّة، ولا حكومة فاعلة، والمجلس النّيابيّ أسير المزايدات الطّائفيّة، القضاء معطّل وموعودون بوصاية قضائيّة خارجيّة بطلب من قوى لبنانيّة، والجيش مموّل من الخارج و«جند الرّب» يبشّرون بعودة الأمن الذّاتي؛ ورغم كلّ ذلك هناك من يجهض الحوار ويرفض العمل على ملء الفراغ الرّئاسي، ولكن لماذا؟ هل ثمّة رهانات جديدة؟
لم ينسَ اللّبنانيّون حلم الفدرلة الّذي قام على أنقاض انتهاء المارونيّة السّياسيّة وسقوط الجمهورية الأولى، وقد تجدّدت هذه الرّغبة بعد فشل الرّئيس السّابق ميشال عون، من خلال السّلطة، بفرض ما فشل به سابقاً من خلال ما سمّي بحرب التّحرير سنة 1989 يوم رفض الطّائف وتمسّك بصلاحيات رئيس الجمهوريّة، فخسر الحرب ولجأ إلى فرنسا ومعه عشرات آلاف المسيحيين الّذين تركوا لبنان بفعل السّياسات الخاطئة والرّهانات القاتلة.
هذه المرّة تطرح الفيدراليّة بعنوان مقنّع اسمه اللّامركزيّة الماليّة الموسّعة، وقد عبّر عنها جبران باسيل مباشرة في مؤتمره الصّحفيّ بعد جلسة الحكومة الأخيرة عندما هدّد بفرضها بقوّة الشّارع، في معرض إثارته للشّارع المسيحيّ بحجّة التّمسّك بالدّور والحضور كقيمة موازية لتمسّك حزب الله بسلاحه!
في هذا السّياق تتخوّف قيادات أساسيّة من رهان جديد على متغيّرات دوليّة وإقليميّة تقلب موازين القوى وتُسهم في تحقيق حلم الانفصال، ولهذه المخاوف مبرّرات موضوعيّة وأسباب واقعيّة:
• العالم في مخاض ولادة جديدة، وأي نظام جديد يفرض تغيّرات جوهريّة على الخارطة الجيوسياسيّة في أطراف المركز، والشّرق الأوسط أحد أكثر المناطق تأثّراً، وأوروبا نفسها ليست بمنأىً عن إعادة خلط حدودها؛ هذا ما يشير إليه عدد من الباحثين الغربيين من احتمالات ظهور دول جديدة، وقد تختفي دول بحدودها التي كانت قائمة قبل الأزمة، كالاتجاه نحو بناء تحالفات جديدة قد تصل في بعضها إلى درجة الاندماج، وخاصة بين بعض دول شرق أوروبا (بولندا، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا)، فضلًا عن ضمّ روسيا للأقاليم الأوكرانية الأربعة وشبه جزيرة القرم سابقاً.
• إعادة تظهير الحالة الكرديّة الطّامحة منذ توقيع اتّفاقيّة «سايكس بيكو» إلى دولة عرقيّة خاصّة بهم، ربّما تحقّق شيء منها في إقليم كردستان العراق بطريقة أو بأخرى، وما اللّقاء الرّوسي – التّركي – السّوري إلّا لأجل القلق من قيام هكذا دولة تهدّد تركيا على حدودها وتقطع جزءاً من سوريا، وإذا نظرنا في خارطة أعمال العنف الّتي شهدتها إيران في الآونة الأخيرة تتّضح الصّورة أكثر.
• محاولة فرض الكيان الصّهيونيّ كدولة كاملة الأوصاف بعد أدائه دور القاعدة المتقدّمة للغرب في المنطقة، ولهذا التّحوّل ضرورات كالتّطبيع لجعله جسماً متفاعلاً مع محيطه، وخلق دويلات طائفيّة تشبهه لتبرير وجوده العنصريّ، يقول رئيس شعبة البحوث في هيئة الاستخبارات البريغادير عميت ساعر في مؤتمر GAZIT22 إنّ «إسرائيل» اليوم تتواجد ضمن نظام إقليمي يقبل بنا باعتبارنا جهة ذات قيمة وقدرات عالية والتي يسعى النظام الاقليمي للحصول عليها لدوله.
• النّهضة الخليجيّة الّتي حوّلت قطر والإمارات والسّعوديّة إلى مراكز استقطاب مالي وثقافي وتربويّ ما أفقد لبنان سبب تميّزه في الفترة السّابقة.
• محاولة فرض التّغيير الدّيموغرافي على لبنان بالقوّة النّاعمة، فلم ينصدم اللّبنانيّون بتصريح وزير الشّؤون الاجتماعيّة الذي أكّد أنّ 40% من السّكّان ليسوا لبنانيين، لكن المثير للقلق العمل الحثيث من قبل عديد من السّفارات الغربيّة لدمج اللاجئين السّوريين ومنعهم من العودة الآمنة إلى بلادهم، فضلًا عن الأزمة الاقتصاديّة غير المسبوقة الّتي تشهدها سوريا والّتي تهدّد بمجاعة حقيقيّة وموجات نزوح ثانية بعد موجة النّزوح الأولى.
ad
بناء عليه يصبح الحديث عن مبادرات داخليّة لحلّ الأزمة السّياسيّة ممجوجاً ومضيعة للوقت، ولو صفت النّيّات لدى جميع المكوّنات السّياسيّة وذهبوا إلى حوار ينتج رئيساً ويعيد الانتظام إلى عمل المؤسّسات، رغم أنّه لا يكفي للوقوف في وجهة مصالح الدّول الكبرى وخياراتها، ولكن يكفي شرف محاولة تحصين الجبهة الدّاخليّة لمجابهة أيّ مخطّطات خارجيّة.
يوم سقط العراق، وشاهد العالم بأسره دبابات الجيش الأميركيّ فوق جسر بغداد قال الرّئيس نبيه برّي كلمة للتّاريخ: شعب محتلّ من الدّاخل لا يمكنه مقاومة إحتلال من الخارج»، وفي حالتنا اليوم، شعب منقسم من الدّاخل كيف سيواجه مشاريع تقسيم من الخارج؟!
زر الذهاب إلى الأعلى