بأقلامنا

رقصة التوازن بين كيان إسرائيل وروسيا والتحالفات والمصالح في قلب الصراع الإقليمي للشرق الاوسط \ د. شريف تور لبدين

د. شريف نورالدين بتاريخ: 29 / 11 / 2024

رقصة التوازن بين كيان إسرائيل وروسيا والتحالفات والمصالح في قلب الصراع الإقليمي للشرق الاوسط

في عالم السياسة الدولية، تظل القوة الحقيقية متمثلة في القدرة على الموازنة بين المتناقضات.
منذ عقود، تتأرجح روسيا بين دعمها للحلفاء الإقليميين في الشرق الأوسط، مثل إيران وحلفائها، وبين الحفاظ على علاقات استراتيجية مع إسرائيل، الدولة التي تتمتع بنفوذ عالمي وموقع حساس في قلب الصراعات الإقليمية. في هذا السياق، تصبح قرارات موسكو بشأن تزويد إيران بالتكنولوجيا العسكرية المتطورة، مثل أنظمة الدفاع الجوي والطائرات الحديثة، لعبة دقيقة تهدف إلى الحفاظ على التوازن القائم.
فهل تسعى روسيا حقاً إلى تعزيز نفوذ إيران، أم أنها تتجنب عن قصد الإخلال بموازين القوة مع إسرائيل؟ هذا السؤال يقودنا إلى فهم أعمق لاستراتيجية روسيا المعقدة التي تمزج بين البراغماتية السياسية والطموحات الجيوسياسية القائمة بشكل رئيسي وجوهري على علاقتها التاريخية مع اليهود.
فاليهود في روسيا لهم تاريخ طويل ومعقد يمتد على مدى قرون، حيث شهدت أوضاعهم تحولات كبيرة بين الاضطهاد والاندماج.

– العصور الوسطى: بدأت الهجرة اليهودية إلى روسيا بشكل كبير في القرن الحادي عشر، خاصة بعد تأسيس دولة خازاريا، التي اعتنق بعض قادتها اليهودية.
بعد سقوط خازاريا، عاش اليهود في كييف، نوفغورود ومدن أخرى، لكنهم واجهوا قيودًا على الأنشطة الاقتصادية والدينية.

– القرنين الثامن عشر والتاسع عشر: في عهد كاترين الثانية (1762-1796)، أُنشئت “منطقة الاستيطان اليهودي”، وهي منطقة محددة يُسمح لليهود بالعيش فيها، تشمل أجزاء من أوكرانيا، بولندا، وبيلاروسيا الحالية.
تعرض اليهود للعديد من القتل (البوغروم)، خاصة في نهاية القرن التاسع عشر، حيث تزايدت موجات العنف ضدهم بسبب النزعة القومية والاضطرابات الاجتماعية.

– الثورة الروسية والاتحاد السوفيتي: بعد ثورة 1917، ألغت الحكومة البلشفية القوانين التمييزية ضد اليهود. ومع ذلك، فرض الاتحاد السوفيتي قيودًا على النشاطات الدينية.
في الثلاثينيات والأربعينيات، تعرض اليهود لاضطهاد خلال التطهير الستاليني، وخاصة في حملة “مكافحة الصهيونية” بعد الحرب العالمية الثانية.
شهدت روسيا السوفيتية موجات من معاداة السامية الرسمية وغير الرسمية.

– الهجرة الروسية إلى إسرائيل والبعد الاجتماعي والديموغرافي: خلال الثمانينيات وما بعدها، هاجر حوالي مليون روسي ليسوا يهوداً إلى إسرائيل بموجب قانون العودة.
هذا المجتمع يشكل اليوم جزءاً كبيراً من السكان الإسرائيليين وله تأثير في السياسة والاقتصاد.
الجالية الروسية في إسرائيل تساهم في الحفاظ على الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلدين، مما يجعل موسكو أكثر حرصاً على تجنب الصدام مع تل أبيب.

– الفترة الحديثة:
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي (1991)، تحسنت أوضاع اليهود نسبيًا، وسمح بحرية دينية أكبر.
هاجر العديد من اليهود الروس إلى إسرائيل وأمريكا في التسعينيات، حيث تقلص عددهم في روسيا بشكل كبير.
في العقدين الأخيرين، شهدت روسيا عودة لبعض الأنشطة الثقافية اليهودية، مع دعم حكومي في بعض الأحيان، لكنها لا تزال تواجه تحديات مثل معاداة السامية.

– اليوم: حاليًا، يقدر عدد اليهود في روسيا بحوالي 150,000-200,000 نسمة. يتمتعون بحقوقهم المدنية والدينية، ويعيشون في المدن الكبرى مثل موسكو وسانت بطرسبرغ.
هناك نشاط متزايد للمؤسسات اليهودية، مثل المدارس والمعابد، لكن الهجرة إلى إسرائيل والغرب لا تزال مستمرة بسبب القلق من عدم استقرار الأوضاع.

– أعداد الهجرة اليهودية إلى روسيا: الهجرة اليهودية إلى روسيا تاريخياً لم تكن كبيرة مقارنة بحركة الهجرة العكسية (من روسيا إلى خارجها).
على مر القرون، جاءت موجات صغيرة من اليهود إلى روسيا، وخاصة من أوروبا الشرقية وبولندا، ولكن الغالبية العظمى من اليهود الروس هم من السكان الأصليين أو من نسل المجتمعات اليهودية التي استقرت في الإمبراطورية الروسية منذ قرون.

– أسباب الهجرة اليهودية من روسيا: بالمقابل، كانت هناك موجات كبيرة من الهجرة اليهودية من روسيا إلى أماكن مثل إسرائيل، الولايات المتحدة، وكندا.
أبرز موجات الهجرة:
1. أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين:
بسبب القتل (البوغروم) والاضطهاد.
2. أثناء وبعد الثورة البلشفية (1917): للبحث عن فرص حياة أفضل.
3. عصر الاتحاد السوفيتي: خاصة في السبعينيات والثمانينيات بسبب معاداة السامية وتقييد الحريات الدينية.
4. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي (1991): هاجر حوالي مليون يهودي من روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة إلى إسرائيل.

– اليهود الروس وتأثيرهم في إسرائيل: اليهود الروس الذين هاجروا إلى إسرائيل يُعرفون باسم “اليهود الناطقين بالروسية”. ويُقدر عددهم في إسرائيل اليوم بأكثر من 1.2 مليون شخص (يشمل المهاجرين وأحفادهم).

– التأثير السياسي والاقتصادي
1. التأثير السياسي: يتمتع المهاجرون الروس بنفوذ سياسي كبير في إسرائيل.
تأسس حزب سياسي يمثلهم، وهو حزب “إسرائيل بيتنا” بقيادة أفيغدور ليبرمان، الذي يشغل أدواراً رئيسية في السياسة الإسرائيلية، ويميل هذا المجتمع إلى مواقف سياسية يمينية وقومية.

2. التأثير الثقافي والاقتصادي: ساهموا بشكل كبير في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة في قطاعي التكنولوجيا والطب.
يحتفظ الكثير منهم بهويتهم الثقافية، حيث يوجد في إسرائيل مجتمع ناطق بالروسية، مع وسائل إعلام، مدارس، ومؤسسات ثقافية تخدم هذا المجتمع.

هل هم القوة الأكبر في إسرائيل؟
– عدديًا: اليهود الروس يشكلون حوالي 15% من سكان إسرائيل، لكنهم ليسوا المجموعة الأكبر (اليهود الشرقيون واليهود الأشكناز هم الأغلبية).
– تأثيرياً: بالرغم من أن الروس ليسوا الفئة العددية الأكبر، إلا أن تأثيرهم السياسي والثقافي ملحوظ، ويعتبرون من القوى المؤثرة في تشكيل السياسات الداخلية والخارجية لإسرائيل.

– سياسة روسيا تجاه إسرائيل: من 1948 حتى حاضرنا السياسة الروسية تجاه إسرائيل اتسمت بالتقلب، حيث تراوحت بين الدعم الحذر والانتقاد الشديد، وذلك حسب المصالح الإقليمية والدولية.
منذ إعلان دولة إسرائيل عام 1948 وحتى اليوم، مرت العلاقات الروسية-الإسرائيلية بمراحل عدة.

1. مرحلة ما بعد تأسيس إسرائيل (1948-1950s)
– الاعتراف بإسرائيل: الاتحاد السوفيتي كان من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل في عام 1948، وقدم دعماً دبلوماسياً لها في بداياتها.
– تغيير الموقف: في الخمسينيات، تغير الموقف السوفيتي بسبب تحالف إسرائيل مع الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، وبدأت موسكو “بدعم الدول العربية في صراعها مع إسرائيل” .

2. فترة الحرب الباردة (1950s-1980s)
– “دعم الدول العربية” : خلال هذه الفترة، وقف الاتحاد السوفيتي بقوة إلى جانب الدول العربية، خصوصاً مصر وسوريا، في صراعاتها مع إسرائيل،وزود الدول العربية بالأسلحة.
كما دعم سياسياً ودبلوماسياً في المحافل الدولية، حيث أدان إسرائيل في الأمم المتحدة.
– حرب 1967 وحرب 1973: في كلتا الحربين، قدم الاتحاد السوفيتي دعماً عسكرياً واستخباراتياً مكثفاً للعرب.

3. ما بعد الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي (1991)
– تغير العلاقات: بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تحسنت العلاقات بين روسيا وإسرائيل.
– الهجرة اليهودية: سمحت روسيا لمئات الآلاف من اليهود السوفييت بالهجرة إلى إسرائيل، مما عزز الروابط بين البلدين.
– التعاون الاقتصادي: شهدت العلاقات الاقتصادية تحسناً كبيراً، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والزراعة.

4. مرحلة بوتين (2000 حتى اليوم)
في عهد فلاديمير بوتين، أصبحت العلاقة بين روسيا وإسرائيل عملية وبراغماتية:
– التعاون العسكري: روسيا وإسرائيل تتعاونان في بعض المجالات العسكرية، خاصة فيما يتعلق بمكافحة “الإرهاب”.
– التنسيق في سوريا: إسرائيل وروسيا تنسقان العمليات العسكرية في سوريا لتجنب التصادم، حيث تمتلك روسيا قوات كبيرة هناك.

روسيا وإيران وحلفاؤها في الصراعات مع إسرائيل
– علاقة روسيا بإيران: روسيا تعد إيران شريكاً استراتيجياً في الشرق الأوسط، خاصة في الملف السوري.
تزود روسيا إيران بالأسلحة والتكنولوجيا النووية (لأغراض مدنية).
تدعم روسيا حزب الله بشكل غير مباشر من خلال دعمها للنظام في سوريا.

موقف روسيا من حروب إسرائيل مع إيران وحزب الله
– توازن في السياسة: روسيا تحاول الحفاظ على علاقات جيدة مع كلا الطرفين.
فهي تدعم إيران وحزب الله كجزء من استراتيجيتها الإقليمية، لكنها لا تريد تصعيداً يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
في الحروب بين إسرائيل وحزب الله أو في الضربات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا، تتبنى روسيا موقفاً محايداً إلى حد ما، مع دعوات للتهدئة دون تدخل مباشر.

الدعم الروسي لإسرائيل
– في المحافل الدولية: روسيا تدعم إسرائيل أحياناً في قضايا أمنية مثل مكافحة “الإرهاب”.
– التجارة والتكنولوجيا: تستمر العلاقات الاقتصادية في التطور.

تحليل استراتيجي للعلاقات الروسية-الإسرائيلية بعد حرب غزة الأخيرة ووقف إطلاق النار
1. معطيات الحرب الأخيرة وتأثيرها على السياسة الروسية.
– الحرب الأخيرة في غزة (2023) كانت ساحة جديدة لتجدد التوترات بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية، خصوصاً حماس والجهاد الإسلامي.
على الرغم من أن روسيا لم تكن لاعباً مباشراً في الصراع، فإن تأثير الحرب ينعكس على استراتيجيتها الإقليمية.
– روسيا تدعو إلى التهدئة: كما في الحروب السابقة، دعت موسكو إلى وقف إطلاق النار وأكدت على أهمية حل الدولتين.
– انتقاد السياسة الإسرائيلية بحذر: أظهرت روسيا في تصريحاتها انتقادات محدودة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، لكنها لم تتخذ مواقف حادة خوفاً من الإضرار بعلاقاتها مع تل أبيب.

2. العلاقة مع إيران وحلفائها بعد الحرب.
– روسيا تدرك أن أي تصعيد كبير بين إسرائيل وإيران أو حلفائها (مثل حزب الله وحماس) قد يهدد استقرار المنطقة ويعرقل مشاريعها في سوريا والشرق الأوسط.
– تعزيز العلاقات مع إيران: روسيا مستمرة في دعم إيران، خاصة في مواجهة العقوبات الغربية.
الشراكة الاستراتيجية بين البلدين تعززها التحديات المشتركة ضد النفوذ الأمريكي.
– التعاون العسكري الروسي-الإيراني، بما في ذلك تزويد إيران بأسلحة متقدمة، قد يتزايد في ظل التوترات المتصاعدة مع الغرب.
– التوازن مع إسرائيل:رغم دعمها لإيران، لا ترغب روسيا في التضحية بعلاقتها مع إسرائيل. التنسيق العسكري بين روسيا وإسرائيل في سوريا لا يزال ضرورياً، حيث تسعى موسكو إلى تفادي الصدام المباشر بين الطرفين على الأراضي السورية.

3. هل يتغير الموقف الروسي بعد وقف إطلاق النار؟ واستراتيجية روسيا المستقبلية
– استمرارية التوازن: من غير المرجح أن تتغير استراتيجية روسيا بشكل جذري في أعقاب الحرب الأخيرة.
موسكو ستواصل لعب دور الوسيط بين الأطراف المتصارعة في الشرق الأوسط، دون الانحياز الكامل لأي طرف.
– الضغط على إسرائيل بشأن فلسطين: قد تزيد روسيا من ضغوطها الدبلوماسية على إسرائيل لدعم حل الدولتين أو لانتقاد سياساتها في القدس والضفة الغربية، لكن هذه الضغوط ستظل ضمن حدود لا تضر بالعلاقات الثنائية.

4. الرؤية الاستراتيجية والتحولات الممكنة
-:عوامل تدفع لتغير الاستراتيجية: إذا تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران أو وقعت مواجهة عسكرية مباشرة في سوريا أو لبنان، قد تجد روسيا نفسها مضطرة إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحاً.
استمرار الضغط الغربي على روسيا قد يجعلها تميل أكثر لدعم إيران كجزء من تحالف مناهض للغرب.
– عوامل تثبت الاستراتيجية الحالية: العلاقات الاقتصادية المتنامية مع إسرائيل، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والطاقة.
التنسيق العسكري في سوريا يجعل من الضروري الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع إسرائيل.

تحليل استراتيجي لموقف روسيا من تزويد إيران بأسلحة متطورة
– روسيا تلعب دوراً حذراً ومدروساً في مسألة تزويد إيران بالتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، مثل الطائرات المقاتلة الحديثة (كـ”سو-35″) أو منظومات الدفاع الجوي المتطورة (كـ”إس-500″ أو “إس-600″). هذا الحذر لا ينبع فقط من الاعتبارات العسكرية، بل أيضاً من التوازنات الجيوسياسية الحساسة في الشرق الأوسط.

1. أسباب عدم تزويد إيران بأسلحة متطورة جداً
أ. الحفاظ على التوازن الإقليمي
– توازن القوى مع إسرائيل: روسيا تدرك أن تسليح إيران أو حلفائها بأسلحة متطورة قد يؤدي إلى تصعيد الصراع مع إسرائيل.
إسرائيل حليف مباشر لروسيا في بعض القضايا، مثل التنسيق في سوريا، وتجنب التصادم بين الطرفين مهم لموسكو.
تقديم أسلحة فائقة التطور لإيران قد يمنحها ميزة هجومية ضد إسرائيل، مما يدفع تل أبيب إلى تصعيد تدخلها العسكري في المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار سوريا، حيث لروسيا مصالح كبيرة.

ب. مخاوف من انتهاك العقوبات الدولية
– تزويد إيران بتكنولوجيا عسكرية أو نووية متقدمة يمكن أن ينتهك العقوبات الدولية المفروضة عليها، وقد يؤدي إلى تصعيد العقوبات الغربية ضد روسيا، خاصة في ظل توتر العلاقات بين موسكو والغرب.

ج. ضبط التقدم النووي الإيراني
– روسيا لديها مصلحة في منع إيران من تطوير قدرات نووية عسكرية كاملة، لأنها تدرك أن ذلك قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وهو أمر لا يخدم مصالح موسكو.
التعاون النووي الروسي مع إيران يظل في حدود الاستخدام السلمي للطاقة، مثل تشغيل مفاعل بوشهر، مع رقابة دولية.

2. المصالح الروسية في الحفاظ على التوازن
– روسيا والتوازن: تعتمد على استراتيجية التوازن بين الأطراف المتصارعة في الشرق الأوسط لتوسيع نفوذها:
– إيران: حليف استراتيجي يساعد موسكو في تعزيز نفوذها في سوريا ومواجهة الضغوط الغربية.
ايران جيوسياسي سياسي حيوي وكدفاع خط اول ظهير لروسيا.
– إسرائيل: شريك مهم في مجالات اقتصادية وتقنية، إضافة إلى التنسيق العسكري في سوريا.
تزويد إيران بأسلحة متطورة جداً قد يجعل روسيا تخسر ميزتها كـ”وسيط مقبول” بين الجانبين، مما يضعف قدرتها على التأثير في المنطقة.

3. خطر الإخلال بالتوازن
– تصعيد محتمل: إذا حصلت إيران على أسلحة متطورة من روسيا، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة حدة المواجهة مع إسرائيل، التي قد ترى في ذلك تهديداً وجودياً يدفعها إلى اتخاذ إجراءات عسكرية أكبر.
– توسيع نطاق الصراع: قد يمتد الصراع إلى لبنان وسوريا وحتى الخليج، مما سيضر بمصالح روسيا الاقتصادية والعسكرية في المنطقة.

روسيا بين الشرق الأوسط والغرب والبعد الجيوسياسي
– روسيا كقوة موازنة: منذ الحرب الباردة وحتى اليوم، تسعى روسيا إلى لعب دور الوسيط والموازن بين القوى الإقليمية المتصارعة في الشرق الأوسط.
– تأثير الهيمنة الأمريكية: نظراً لأن الولايات المتحدة هي الحليف الأكبر لإسرائيل، فإن روسيا تسعى إلى لعب دور مختلف لتعزيز نفوذها في المنطقة، مع الحفاظ على قنوات اتصال مع إسرائيل.
– الشرق الأوسط كساحة تنافس: المنطقة تعتبر ميداناً لاستعراض القوى بين روسيا والغرب، مما يجعل العلاقة مع إسرائيل وإيران جزءاً من استراتيجية أوسع.

الدوافع الاقتصادية والثقافية في العلاقات الروسية-الإسرائيلية
1. التبادل التجاري والاستثمار: التعاون في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والزراعة يعتبر ركيزة مهمة في العلاقة بين البلدين.
الشركات الروسية تعمل على تطوير مشاريع داخل إسرائيل، في حين تستفيد إسرائيل من المعرفة التقنية الروسية، خاصة بعد الهجرة الكبيرة لليهود الروس في التسعينيات.

2. النفوذ الثقافي: الجالية الروسية في إسرائيل ليست مجرد مكون اجتماعي، بل هي جسر سياسي وثقافي. هذا الجسر يعزز العلاقات الثنائية، حيث تُعتبر الجالية الروسية في إسرائيل قوة انتخابية وسياسية مؤثرة.
اللغة والثقافة الروسية حاضرة بقوة في إسرائيل، مما يسهم في تعزيز الروابط الثقافية.

لعبة شطرنج روسية معقدة بين إيران وإسرائيل
– إدارة التناقضات: رغم دعمها لإيران، تحرص روسيا على عدم تجاوز “الخطوط الحمراء” الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالوجود الإيراني في سوريا.
– التفاهمات الضمنية: يُعتقد أن هناك تفاهمات غير معلنة بين موسكو وتل أبيب تسمح لإسرائيل بشن غارات محدودة على مواقع إيرانية في سوريا دون تدخل روسي مباشر.
– روسيا كوسيط محتمل: بالنظر إلى علاقاتها الجيدة مع الطرفين، يمكن لروسيا أن تلعب دوراً في التوسط بين إيران وإسرائيل، رغم أن مثل هذا الدور لا يزال محدوداً بسبب التوترات المستمرة.

الدور العسكري والاستخباراتي
– التنسيق العسكري: منذ تدخل روسيا في سوريا عام 2015، أصبح التنسيق العسكري مع إسرائيل ضرورياً لتجنب التصادم. هذه الديناميكية الفريدة تظهر قدرة موسكو على التعاون حتى مع الأطراف المتصارعة في المنطقة.
الاستخبارات المشتركة: على الرغم من التوترات الإقليمية، هناك تعاون استخباراتي محدود بين روسيا وإسرائيل، خصوصاً في مجال مكافحة “الإرهاب”، حيث تعتبر موسكو النشاطات الإرهابية تهديداً مشتركاً.

إلى أين تتجه العلاقات؟
– استمرارية التوازن: من المرجح أن تستمر روسيا في اتباع سياسة متوازنة بين دعمها لحلفائها في الشرق الأوسط مثل إيران وسوريا، وبين الحفاظ على علاقات عملية مع إسرائيل.
– التحديات المحتملة: إذا تصاعدت التوترات بين إسرائيل وإيران، فقد تواجه روسيا صعوبة في الحفاظ على موقفها المتوازن.
لذا؛ العلاقات مع إسرائيل قد تتأثر بشكل أكبر إذا قررت موسكو زيادة دعمها العسكري لإيران أو حزب الله.

خلاصة:
العلاقة الروسية-الإسرائيلية تجسد مثالاً حياً على البراغماتية السياسية في العلاقات الدولية.
رغم التناقضات الأيديولوجية والمصلحية، استطاعت موسكو وتل أبيب تطوير قنوات تعاون مرنة تخدم أهدافهما الإقليمية والدولية.
في الوقت ذاته، تستمر روسيا في لعب دور اللاعب المزدوج، مستفيدةً من قدرتها على التوسط والتأثير في أكثر مناطق العالم تعقيداً.

كما ان روسيا لا ترغب في خلق خلل جوهري في التوازن الإقليمي لصالح إيران أو إسرائيل.
الهدف الاستراتيجي لموسكو هو الحفاظ على وضع يمكنها من التأثير على جميع الأطراف، مع ضمان استقرار المنطقة بما يخدم مصالحها.

عدم تسليح إيران بأسلحة متطورة جداً هو جزء من هذه الاستراتيجية، لأنه يمنع تفوقاً عسكرياً قد يؤدي إلى تصعيد غير محسوب في المنطقة.

روسيا تسعى إلى لعب دور الموازن الذي يبقي الصراع في الشرق الأوسط تحت السيطرة، مع ضمان بقائها الفاعل الأبرز في أي تسوية إقليمية مستقبلية.

خاتمة
في النهاية، تظهر روسيا كمهندس بارع يحاول بناء جسور بين قوى متصارعة، مع الحرص على عدم تحويل أي طرف إلى قوة طاغية تهدد استقرار الشرق الأوسط.

من خلال ضبط مستوى تسليح إيران، تسعى موسكو إلى إبقاء التوترات في حدود يمكن التحكم بها، مما يمنحها فرصة دائمة للعب دور الوسيط المؤثر.
هذه السياسة البراغماتية تعكس تفوقاً دبلوماسياً، حيث تضمن روسيا مصالحها الاستراتيجية دون انحياز واضح لأي طرف.
ومع ذلك، فإن استمرارية هذا التوازن الدقيق تعتمد على قدرة موسكو على التكيف مع التطورات المتسارعة، والتي قد تفرض عليها في أي لحظة إعادة تشكيل استراتيجياتها بما يتناسب مع تعقيدات المنطقة.

في اطار هذا المشهد السياسي الفسيفسائي، تتجسد مأساة حقيقية، حيث يتقاتل الطرفان على الوجود في منطقة مشتعلة بالأزمات.
إيران تسعى لحماية عمق امنها الجيوسياسي في المنطقة من خلال تحالفات استراتيجية اقليمية عربية تركية ودولية روسية صينية.
بينما إسرائيل، التي ترى في هذا تهديدًا وجوديًا ومشروعها التوسعي، تبذل كل جهد للحفاظ على تفوقها العسكري والتكنولوجي.

روسيا، التي تقف على حافة هذه الحرب غير المعلنة، تسعى جاهدة للموازنة بين دعمها لإيران ومصالحها مع إسرائيل، في محاولات مستمرة للحفاظ على استقرار المنطقة وتجنب التورط في تصعيد قد يقلب التوازنات الإقليمية رأسًا على عقب.
في هذا السياق، يصبح الصراع أكثر من مجرد مواجهة بين طرفين؛ إنه اختبار حاسم للهوية والايديولوجية والوجود في منطقة يعصف بها التنافس العالمي، حيث كل خطوة قد تفتح أبوابًا على المجهول، وتدفع المنطقة نحو نهاية تراجيدية قد تُغير معالم العالم بأسره.

لذلك؛ الصراع القائم في الشرق الاوسط لم ولن ينتهي في ظل النفوذ والتوازنات الدولية، وفي سياق حماية مكتسبات مصالح الدب الروسي والحفاظ عليها، وصعود ونفوذ التنين الاقتصادي والتكنولوجي، وهيمنة الدولار وقوة الفيل الاميركي على العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى