بأقلامنا

في مثل هذا اليوم من العام ١٩٩٧ توفي الرفيق والصديق ابراهيم السليم بقلم محمد فران

في مثل هذا اليوم من العام ١٩٩٧ توفي الرفيق والصديق ابراهيم السليم.وكان معروفا بإسم ابراهيم عطالله، نسبة إلى اسم والده ،و مشهورا بلقبه( الكابتن). ولا ابالغ اذا قلت انه دائما على البال وكأنه لا يزال حيا. والكابتن كان خليط الهوية. فهو الفلسطيني، نسبة إلى والده رحمه الله، ولبنانيا نسبة إلى والدته رحمها الله. وهو اللبناني الفلسطيني بلهجته ومشاعره وانتمائه، ومعارفه واقربائه،ولذلك كان عند كثيرين ملتبس الجنسية والمذهب. كان واسع المعارف والعلاقات، وله ذاكرة قوية كنت دائما استعين به لمعرفة بعض الافراد والعائلات خاصة عند نشوب الخلافات التي تتطلب تدخلنا كقوى امر واقع في فترة المجالس السياسية. والكابتن ورشة عمل قائمة بذاتها. فهو قائد للامن الشعبي التابع للمجلس السياسي لفترات طويلة. وفي تلك الايام كانت هذه المهمة تتطلب جهدا ووقتا ودراية استثنائية.
وكان ضابط ارتباط مع القوات الدولية، وكل مهمة تتطلب انشغاله ليلا نهارا اضافة إلى بعض المهام الحزبية والنشاطات التي لها علاقة بنشاط المجلس السياسي والعلاقة مع قوى الثورة الفلسطينية. هذه المهام كانت تفرض عليه التغيب عن بعض الاجتماعات الحزبيةاحيانا، وتكون حجة لغياب غير مبرر في احيانا اخرى. وللكابتن طرقه الخاصة في معالجة المشاكل فيختصر الطريق ويصل إلى نتائج دون مشاورات يتطلبها العمل المشترك في بعض الأحيان. واعترف اننا احيانا نكون (حنبليين) ومثالين في نظرتنا للامور. أذكر يوم كان على رأس إحدى مجموعات جمع التبرعات قبل اندلاع الحرب الاهلية وعندما جاع مع الرفاق الذين معه، بادر إلى شراء ساندويشات له ولهم من اموال التبرعات، واكملوا مهمتهم بينما بقية المجموعات لم تفعل ذلك. يومها اعتبرنا قعلته هذه عظيمة لا تغتفر. مثال آخر ،خلال فترة الحرب،ومنعا لتعدي أي حزب او تنظيم على حقوق الناس على محطات البنزين تقرر ان يأخذ كل طرف حصة محدودة من أجل نشاطه ونترك المحطات للناس. يومها وضعنا حصتنا،كمنطمة عمل شيوعي وهي بضعة براميل من البنزين، في بستان والدي في قبو مغلق. وكان الوالد في بستانه وعلم بالأمر وطلب مني بحضور الرفاق تنكة بنزين،ورفضت. وعلمت بعد أشهر ان الكابتن أعطى والدي ما طلب بدون علمي او موافقتي.
هذه بعض أساليب الكابتن التي كنا نتوقف عندها ونعتبرها من الكبائر بينما اليوم بتنا ننظر لها نظرة اكثر واقعية. واسأل نفسي، هل كان بمقدور احد ان يقوم بما كان يقوم به الكابتن من مهام دون أن يلجأ إلى طرق كانت تبدو لنا ملتوية في ذلك الوقت؟ وهل المشكلة هي في اساليبه ام في نظرتنا المثالية للامور. اتذكر الكابتن ولا اذكر مرة واحدة تمنع فيها عن تنفيذ اية مهمة مهما كانت درجة خطورتها، ولا اذكر يوما انه امتنع عن تنفيذ أمر بسبب الإرهاق او المرض. اتذكر الكابتن ايام تجولنا تحت القصف الاسرائيلي لمدينة صور بحثا عن شهداء أو جرحى في الشوارع او تحت الردم. اتذكره عندما تعرضنا معا وفي اكثر من مناسبة لاطلاق النار كما اتذكر مرورنا معا على حواجز إسرائيلية خلال الاجتياح دون أن يشعر بأي رهبة او خوف.اتذكره بضحكته وحنكته ونشاطه وافتقد جلسات السمر كما افتقد ذاكرته لعدد من الاحداث وتسلسلها، خاصة عندما تخونني الذاكرة، وما أكثرها، رحمك الله صديقي،ستبقى في الذاكرة.
زر الذهاب إلى الأعلى