بأقلامنا

    “أنهلك وفينا الصالحون” بقلم صدر سليمان داوود

بعد عامٍ ونيّف من الجائحة التي اجتاحت العالم من أقصاه إلى أقصاه .. كأنّما تقف الدنيا على حافّةِ الهاوية ! ماذا فعل هذا الفيروس الصغير الذي لا يُرى بالعينِ المجرّدة رغم كل ما وصل إليه الإنسان من اكتشافات واختراعات وضرب الأرض عرضاً وطولاً وسار في الفضاء. يقف اليوم هذا الانسان عاجزاً أمام  ما يحصد هذا الفيروس من أرواح أعزّاء على قلوبنا وفي هذا المجال لن أغوص في العلوم الطبيّة وسبب وجوده، سأتكلم من جانبٍ آخر؛ هل لسلوك الإنسان سبب في هذه الجائحة؟ وهنا يأتي السؤال “أنهلك وفينا الصالحون”؟ هل هناك عقاب جماعي من الله وهل هذا حصل من قبل وهل ألقى الله العذاب على المؤمن والكافر معاً؟ نعم هناك  عدة آيات توحي أن العقاب يلحق بمن ليس له يد في فعله أو ارتكابه، ففي قوله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} (الأنفال:25)، ونحو قوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمَّرناها تدميرا} (الإسراء:16). هاتان الآيتان تدلان على أنَّ العقاب يعمُّ الناس جميعاً، مع أن الذنب والمعصية لم يكن منهم جميعاً، بل كان من فئة خاصة ومحددة، فئة الظالمين في الآية الأولى، وفئة المترفين في الآية الثانية. وقد يبدو أنَّ بين هذه الآيات تعارضاً وتناقضاً، من جهة أن بعضها يُخصَّص العقاب بفاعل الذنب فحسب، والبعض الآخر يُعمِّم العقاب على الفاعلين وعلى غير الفاعلين، وذلك لا يستقيم في شرائع البشر، فكيف يستقيم في شريعة خالق البشر؟ هذا وجه التعارض بين الآيات الآنفة الذكر.  وقد أجاب أهل العلم على هذا السؤال جواباً يزيل الإشكال، ويرفع ما يبدو من تعارض وتناقض بين تلك الآيات، فقالوا: إنَّ الأصل في العقاب أن يكون خاصاً، لكن لمَّا كان الناس يعيشون في مجتمعٍ واحد، ويتقاسمون معاً أفراح الحياة وأتراحها، كان عليهم أن يتحمَّلوا المسؤولية الجماعية في بناء هذا المجتمع، ووضعه على مساره الصحيح، فإذا حاول البعض أن يخرق هذا المسار، أو أن يغير من اتّجاهه، فإنَّه يتعيَّن على الآخرين الأخذ على يده، وإعادته إلى جادّة الصواب والرشاد، فإذا لم يفعلوا ذلك كان عليهم أن يتحمّلوا نتيجة ذلك التقصير. إذن العقاب من حيث الأصل شخصي وفردي وهو جار كذلك، إذا لم يكن للذنب المرتكب تأثير على المجتمع، أما إذا كان الذنب يتعدى حدود الشخص وحدود الفرد، فإن على المجتمع في مثل هذه  الحالة أن يتحرك ليحفظ جانبه، ويحمي أَمْنَه، فإن لم يفعل ذلك كان مقصراً، وبالتالي عليه أن يتحمَّل عاقبةَ هذا التقصير. ونُمثِّل لذلك بمثال يقرِّب الأمر، ويوضح المسألة، فنقول: إن الولد إذا فعل فعلاً مضراً بالآخرين، كأن يَسبّ أو يشتم أهل الحي الذي يقيم فيه، أو يسرق بيتاً من بيوت ذلك الحي، أو يفعل شيئاً من هذا القبيل، فلا يمكن والحالة هذه أن نحاسب الولد فحسب، من غير أن نحاسب أباه أيضاً، فإنَّ أباه مشاركٌ له في كل ما فعل، ويتحمل قِسطاً من المسؤولية والمحاسبة على فعل ولده؛ لأنَّه قصَّر في توجهيه توجيهاً سلمياً، وأهمل تنشئته تنشئةً صالحة، وبالتالي كان عليه أن يتحمَّل جزاءَ ما قام به ولده، وليس له أن يقول: إنَّ هذا من فعل ولدي، ولا أتحمل جزاء ما فعل. وعلى هذا النحو يقال فيما نحن بصدده من الآيات، وذلك أنّ الناس إذا قصَّروا في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان ذلك مدعاة لعموم العقاب، وسبباً لنـزول العذاب، وليس لهم أن يقولوا: ليس الذنب ذنبنا، وليس من العدل عقابنا؛ لأنَّ نقول: ما داموا مسلمين، ويعيشون في هذا المجتمع معاً، ويتحمّلون جزءاً من التبعة والمسؤولية، كان عليهم ألا يدعوا الظالم يتمادى في ظلمه، وألا يتركوا أهل الغيِّ يسترسلون في غيّهم، بل عليهم أن يأمروا بكل ما هو معروف، وأن ينهوا عن كل ما هو منكر، فإذ هم لم يفعلوا ذلك، فعليهم أن يتحمَّلوا عاقبة أمرهم. إنَّ الناس إذا تظاهروا بالمنكر، فمن الفرض على كل من رآه أن يغيّره، فإذا سكت عليه فكُلّهم عاص. هذا بفعله وهذا برضاه. وقد جعل الله في حُكمِه وحكمته الراضيَ بمنـزلة العامل”. وهذا المعنى الذي قرَّرناه آنفاً، تشهد له أحاديث عديدة، تشد من أزره، وتأخذ بيده إلى مصافِ السنن الكونية التي أقام الله عليها أمر الحياة، {ولن تجد لسُنَّة الله تبديلا} (الأحزاب:62) وهنا الصالحون الذين دخلوا في عموم العذاب يُعتبر ابتلاؤهم لرفع دراجاتهم في الآخرة وعليه يكون قد اشتركوا جميعاً في عذاب الدنيا إلَّا أنّهم سيحاسبون يوم القيامة حسب عملهم. بقلم صدر سليمان داوود #زمن_الكورونا في ٢٧ كانون الثاني ٢٠٢١

زر الذهاب إلى الأعلى