بأقلامنا

من يقف خلف الاخر وما المفارقات حولهما جدلية الموت والحياة في انتظارهما او تصبح المقرر في خطفهما! بقلم// جهاد أيوب

بين الموت والحياة جدلية عمرها من عمر الكائنات، رمزها التمسك بالحياة، ومحورها الموت المحسوم والمحسوب على الحياة التي بدورها محسوبة على الموت…
الحياة تنتظر الموت، والموت ينتظر الأمر، والامر هو الوقت المحدد، والحياة هي الوقت الضائع…
بين الموت والحياة مفارقة بسيطة وعميقة اسمها ضباب الوجود…
وبين ضباب الوجود، وبساطة الحياة، وعمق الموت جنين ظلم كي يكتشف الشمس، وما استطاع من الموجود…
كلنا نعيش الموت، ونتلهى بالحياة، ونتلفت إلى ما تيسر من حاجات العيش، ونتصارع في زحمة الحياة، ونتباكى في لحظة الموت، ونحلم حتى التكالب على ما لدينا من عمر نعتقد انه حياة قصيرة نتطلب المزيد منها!
الحياة وقود الموت، والموت حياة اخرى، ونحن حكاية في حياة مزورة ينتظرها الموت المحتوم، والموت جدار الحياة وسرها، والحياة كذبة تمارس الموت في سبات الليل، والموت سراب في حياة حلمها الهروب من الموت دون جدوى!!
الموت حقيقة مؤقتة، لا نعرف بعد الموت ماذا يحدث، وكل ما قيل كلام في الوهم، ومحاولات ترهيبية من اجل الايمان، وهذا خطأ فادح من قبل بعض العلماء مما اضاع البحث الحقيقي حول ما بعد الموت…
الموت حقيقة مؤقتة لوجودنا، ولكن لا نعرف ما بعده، وبالتاكيد هنالك حياة اخرى من بعد الموت نحن لا ندركها، و لأننا نؤمن بالله نعتقد ذلك، نؤمن بحياة ما بعد الموت، ولكننا لا ندركها، ولا نعرفها، ولا نتلمسها.
الحياة بساطة الواقع، فلسفة الوجود، مرحلة نتعلم منها ونكاد لا نعرفها، دورنا فيها نرسمه نحن ونؤمن بالحظ فيها، والحظ هو رقيب من الله، وتبقى الحياة مشوارنا السريع الخافت، والخافت السحري، والسحري الحالم، والحالم هو الحلم، والحلم رغم سرابيته هو حقيقة.
ولا عجب ان يقع البشري في شرك الحياة والخوف من الموت، وكثر يدعون الزهد في الحياة خوفا من الحياة ذاتها او لاصابتهم بفشل في استمرارية الحياة، واحيانا الفهم العميق والفلسفي الذي يوصل إلى الجنون أو الايمان الحاد قد يجعل صاحب هذه الامور مصاب بالزهد أو بالنفور من الحياة فيتعامل معها بخفية رغم انه يسعى جاهدا لتعليم ما اكتسبه للأخر، والمفارقة انه كره او زهد فيها ولا يزال متمسكا بها لذلك يرغب بايصالها إلى غيره!
والخائف من الموت يحاول ان يتفاخر امام الناس انه لا يخاف الموت خاصة من يؤمن بالله، والاخر الذي لا يؤمن بالله لا يكترث لسانه بالموت، ويفاخر بأن الموت مجرد رحلة أو نهاية، ولكن هذا وذاك ما أن يقعان بالخلوة الذاتية وبالتفكير بالهجرة عن الحياة ومادتها يصابان بفوبيا الخوف من الموت، وتجدهما يؤمنان بالموت، ويطالبان بتأجيله، وإذا شعرا بفسحة نشاط حيوية تجاه الفرح لا يتذكرا الموت إلا في نهاية فسحتهما فيقولا:”الله يستر…أو ربي خيرا من كثرة الفرح والضحق”!
هذا حال الغالبية، وحتى من يصاب بمرض عضالي وخطير وعاهة وفقر قابح تجده يتمنى الموت أمام الناس، وفي سره يأمل بتغيير حالته حتى يعيش حياة جديدة، وقد ينظر إلى المعافى او الاطفال الذين يلهون من حوله ويتمنى ان يكون مكانهم، وربما حسدهم على ما هم عليه!
نحن هنا لسنا ضد هذا وذاك بقدر اعطاء صورة عن محبي الحياة والموت، ومن المستحيل جمع هذا التضاد في كائن بشري حتى الانبياء والزهد ومن عصموا انفسهم عن شرور الحياة طلبوا التأجيل، ومنهم من خاف من الحياة واخر خاف من الموت…اعني من المستحيل ان نجمع بينهما في فكر وجسد، ولكنهما واقعان لا محال!
الحياة في صعوبتها نقمة عند غالبية البشر والموت نعمة في ظروف البشر، وهنا مخاض وجودي اخر يجد الانسان انه يرفض الحياة لكثر مشاكلها، وضيق فسحة الامل، ورغم قناعته بوجود الرحمن او عكسه، اي حياته من حقه يقرر الرحيل متمنيا الموت، اما قولا واما فعلا!
القول يكمن في تمني الموت رغم الحياة، وتمني الحياة رغم الوقوع في الموت، فيسعى إلى هذا الاخير بلسانه لكن حب الدنيا يطغى، وما ان يشفى من مرضه، أو تنجلي همومه، وتصحح أموره يعاود التمسك بحياته دون أن يتعلم!
والفعل ينطلق من قرار الانتحار معتقدا انه وضع حدا لمشواره، وهنا يبدأ الرفض، رفضه هو لحياته متنشقا موته، ورفض محيطه لفكرة انتحاره وموته، المحيط الديني يتعامل معه كمجرم حتى يثبت جنونه، والمحيط الذي لا يؤمن بالخالق يستخف بتصرفه نحو الموت، ويحاول ان يشير إليه بجنون، وفي كل مراحل قرار الموت الارادي هو ضعف وعدم ثقة، وحالة من عدم الاستقرار الوجودي!
إذا لا ميزان عدل في الحياة والموت عند البشر، والعدل يكمن في الحياة والموت عند المؤمن، العدل هنا افتراضيا لا نشعر به، وإن فكرنا مليا نجده واقعيا اراح هذا وانعش ذاك، وكم من اناس يستحقوا الحياة يختارهم الموت، وكم من أناس يستحقوا الموت تختارهم الحياة، وهنا التمني يصبح مطلبا فرديا او جماعيا لا يتحقق الا بقدر قادر وصانع.
وكي نجد الفرد مستعدا ليلعب دور المقرر، ويضع حدا لشخص لا يوافقه الرأي ينصب نفسه المقرر الحاسم لالغاء روح غيره، وقد تفشل المحاولة ويبدا صراح الموت…وهنا علينا التفكير مليا بعيدا عن عقد التزمت والتجاهل بين الافتراضي والمفتعل وواقع المفعول به!
الافتراضي والمفتعل هما ملازمان لأي فعل، وتحديدا في فعل القاتل والمقتول والقتل، وفي حال الانفلات من القتل تصبح الحياة بين قوسي التشبث بها وقلق الموت، ويصبح الموت حالة انتظارية يعيش في دوامة الحياة رغم قلق الوجود!
حينما يصبح الموت حالة افتراضية تسقط متعة الحياة اليومية، وحينما تصبح الحياة لحظات من قلق الوجود يصبح الموت منفسا لمسيرة الحياة المسجونة في قفص من سراب، وسراب من شوك، وشوك من قلق، وقلق من مرض البقاء خلف لعبة الموت المنتظر في أي لحظة!
وهنا لعبة الموت التي قررت من كائن بشري على كائن بشري تصبح تطاولا على سلطة الواهب للحياة أي صوريا على سلطة الحياة، والحياة مرهونة بتصرف اللاعب في الموت، أي من قرر أن يقتل صاحب الحياة، وفارض حركة الموت المرهونة بقرار القاتل…أعني اخذ القرار بالقتل لحياة أخر لا يريده، وهو في تصالح مع حياته، يصبح هنا القتل جريمة مفتعلة، واخر يعتبره القدر، ويقع التناقض في قرار الحكم!
كيف تريد محاكمة المسبب لموت قرر اخر ان يوقعه على صاحب الحياة وانت اعتبرت ان قدر المغدور هو الموت؟
وتعاود السؤال هل يجوز محاكمة القاتل لكونه حقق قدر لاخر ينتظر الموت، والموت ينتظره؟
ولماذا لا نحاسب المسبب لموت حياة وهو من تطاول على سلطة الجبار، وقرر اخذ الروح التي وهبها الرحمن، وكأن الفاعل والمفعول في قفص الاتهام؟
اذا الموت هنا قرار فاعل بشري قصد انهاء حياة، والحياة هنا مسجونة بكتاب لا اوراق فيه، وما ان يقع الموت على حياة هاربة تقع فكرة التصالح من اساسه… والموت لا يتصالح مع الحياة، و #الحياة ترفض #فكرة_الموت مهما كانت الظروف!
ومهما اختلفنا في لعبة الموت يبقى المسبب هو الجلاد، ومهما عشقنا لعبة الحياة يبقى العاشق هو المسبب، وهو جلاد من نوع اخر!
الحياة مستمرة بك ومن دونك، و #الموت ينتظرك خلف ستائر شفافة واحيانا مخاطية، ورغم وضوح الخلفية يجعلك لا تراه، ويرسم مشهديته مهما تذاكيت عليه، وافضل المتعاملين مع الحياة والموت هو من يسلم امره لرب #العباد او يعيش على نظام البركة و #السلام!

 

زر الذهاب إلى الأعلى