بأقلامنا

“كُلُّنا للوطن” واليد إِلى القلب بقلم الشاعر هنري زغيب

“كُلُّنا للوطن” واليد إِلى القلب
“نقطة على الحرف” رقم 1630
“صوت كلّ لبنان”
الأَحد 23 تموز 2023

في السائد اجتماعيًا وضْعُ اليد اليُمنى على الجهة اليُسرى من الصَدر عند القلب، في لحظات المؤَاساة أَو التعزية أَو الترحيب أَو التقدير أَو تعبيرًا عن التحية والاحترام. غير أَن لهذه الحركة مدلولًا أَبلغَ وأَهمَّ: حين تُعبِّر عن الولاء للوطن عند إِلقاء النشيد الوطني.
في النشرة الدورية لمجلة “هيستوريا” الشهيرة (عدد الأَربعاء 11 آب 2021) ورد ما يلي: “عند افتتاح الأَلعاب الأُولمبية في طوكيو نهار الأَربعاء 21 تموز 2021، لاحظ الجمهور أَن الرياضيين الفْرنسيين الـمُشاركين، لدى سماعهم “المارسيّاز”، بادروا فورًا إِلى وضْع اليد اليُمنى على صدرهم من جهة القلب، وهو ما كان دعا إِليه في أَول أَيار 2017 المرشَّح الرئاسي إِيمانويل ماكرون”.
وفي هذا العدد ذاته من “هيستوريا” لمحةٌ تاريخية عن هذه الظاهرة جاء فيها أَنها تعود إِلى سنة 1880 مع القسيس فرنسيس بيلَّامي الذي كتَبَ نصَّ قَسَم الولاء ليتلوه كل رئيس أَميركي منتخَب عند تسلُّمه الحكم. وفرضَ على الرئيس أَن يتلو القَسَم واضعًا يده اليُمنى على صدره عند القلب، دلالة إِيمانه القلبي العميق بعلَم بلاده وشعب بلاده وبما يقوله وما سيفعلُه لوطنه. ثم أَخذَت هذه الحركة وضْعها الرسمي حين أَصدر الرئيس الأَميركي فرنكلِن روزفلت مرسومًا رئاسيًّا في 22 كانون الأَول 1942 ينصُّ على ما يلي: “عند أَداء النشيد الوطني، على كل مواطن أَن يقفَ، وينزعَ قبَّعته، وينظرَ في اتجاه العلَم، ويضعَ يده اليُمنى على قلبه”. ومُذَّاك تعمَّمَت هذه البادرة في بلدان عدة من العالَم، دليلَ ولاء الشعب للوطن.
صحيح أَنَّ اللبنانيين يقفون احترامًا للنشيد الوطني، لكنَّ وضع اليد على القلب ليس من طقوسنا، على ما في هذا الطقس من مغزًى عميق. فالنشيد الوطني صلاةٌ للوطن يؤَدُّونها مثلَما يُصلُّون. وكما يصلِّي المؤْمن فرضَه الصباحيّ أَو المسائيّ أَو صلواته اليومية، هكذا النشيدُ الوطني: ليس أَقلَّ هيبةً وتقوًى وتَجديدَ إِيمانٍ من الصلاة الطقسية. من هنا ضرورة أَدائنا النشيدَ الوطني ويدُنا على قلْبنا.
هذا الأَمر يقودُني إِلى الكلام على الانتماء. فالنشيد الوطنيُّ، في أَيِّ وطن، مكرَّسٌ ومقدَّسٌ ومعصومٌ عن التجاوز لأَنه رابطُ الانتماء إِلى الوطن كما الصلاةُ رابط الانتماء إِلى الله. ومن الطبيعي أَن يتصدَّر النشيدُ بدايةَ كل احتفال، لتجديد انتماء المحتفلين إِلى وطنهم الذي يظلِّلهم ويَحميهم ويعطيهم نعمة الحياة على أَرضه وتَحت سَمائه وفي حماه، تماماً كما الصلاةُ حين يجثو المؤْمنون أَو يقفُون أَو يختَلُون كي يصلُّوا إِلى الله، لتَجديد انتمائهم إِلى ربهم الذي يظلِّلهم ويَحميهم ويُعطيهم نعمة الحياة في حمى عنايته الإِلهية.
الانغماس اليوميّ بالتكرار الدائم في الوضْع الواعي، يزيد من ترسيخ الإِيمان في الشعور اللاواعي: في الضمير، في القلب، في العاطفة، في التعلُّق، في الهيام، في الإِخلاص، وفي حالة روحية أَو نفسية تُؤَدِّي إِلى “الفعل الاقتناعي” والانخطاف الإيماني.
وكما الانغماسُ الكامل في الحب يزيد من التعلُّق الكامل، هكذا الانغماسُ الكامل في الوطن يزيد من التعلُّق الكامل به، إِنما أَيضًا يزيد من الثورة والغضب على أَهل السلطة والدولة الذين تنابَذُوا وتحاقَرُوا حتى جعلوا اللبنانيين يخلطون في غضبهم بين رفْضِهم أَهلَ الدولة ورفضهم نعمةَ الوطن.
هـنـري زغـيـب

زر الذهاب إلى الأعلى