لبنان بين المراوغة الاميركية والعجز والصمت الدولي والعربي وانتظار الحسم \ د. شريف نورالدين

بتاريخ: 19 / 11 / 2024
بينما يتصاعد الصراع في لبنان وتتكثف المعاناة الإنسانية، يبرز الحراك الأميركي بقيادة المستشار عاموس هوكشتاين كمحاولة تبدو على السطح دبلوماسية، لكنها في عمقها تُظهر مراوغة ومماطلة.
فالولايات المتحدة، بوصفها الشريك المطلق لإسرائيل، تسعى لتقديم مبادرة لوقف إطلاق النار أو فرض تهدئة بشروط تلبي المصالح الإسرائيلية، دون اعتبار لواقع التوازنات على الأرض أو العدالة في الوساطة.
زيارة هوكشتاين، المحاطة بضجيج سياسي وميداني، تكشف لعبة معقدة من إدارة الوقت والمواقف، تهدف في المقام الأول إلى كسب المزيد من الوقت لحكومة نتنياهو التي تنتظر بفارغ الصبر تسليم دونالد ترامب السلطة لتعيد ترتيب أوراقها وفق منظور جديد أكثر انسجاماً مع مصالحها.
تكشف التحركات الأخيرة التي تقودها إسرائيل عن نهج استراتيجي مزدوج يعتمد على تعزيز المكاسب العسكرية والبحث عن إنجازات دبلوماسية على الساحة الدولية، مستفيدة من التحولات السياسية الأميركية.
الزيارات التي قام بها وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، إلى واشنطن ولقاؤه بكبار المسؤولين في إدارة بايدن وترامب، تمثل محاولة واضحة لربط مسار الصراع اللبناني بتحولات السياسة الأميركية،
والرهانات الإسرائيلية ترتكز على مرحلة انتقالية حساسة، حيث تتباين مواقف الإدارة الحالية مع توجهات ترامب، الذي أظهر خلال ولايته السابقة رغبة في فرض “صفقات كبرى” وتغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.
تشير تقارير إعلامية إلى أن إسرائيل تسعى لاستغلال هذه التحولات لتحقيق مكاسب استراتيجية، سواء عبر تسوية مؤقتة في لبنان أو من خلال تكثيف العمليات العسكرية لإضعاف حزب الله وفرض شروطه الجديدة للتسوية.
تتضح هذه الاستراتيجية من خلال الجهود الإسرائيلية لتقديم إنجاز دبلوماسي يُنسب لإدارة ترامب القادمة. التقارير تشير إلى وجود تفاهمات مسبقة بين نتنياهو وترامب، تقوم على منح الأخير مكسباً دبلوماسياً في لبنان قبيل توليه منصبه.
هذا النهج يُظهر قدرة إسرائيل على الموازنة بين التحالف مع إدارة بايدن الحالية واستغلال علاقاتها الوثيقة بترامب للتحضير لمرحلة جديدة من الصراع.
ومع ذلك، تواجه هذه الاستراتيجية تحديات كبرى. فالتصعيد الميداني الإسرائيلي في لبنان أدى إلى تقوية الروابط بين حزب الله وإيران، والتي ادت بدورها لتعزيز مكانتها في المعادلة الإقليمية، وزيارة علي لاريجاني إلى بيروت تحمل دلالات واضحة على دعم إيران لحزب الله في استعادة قدراته العسكرية وموقعه التفاوضي، مما يفرض على إسرائيل إعادة النظر في حساباتها.
كما أن إدارة بايدن تُبدي تحفظاً تجاه الخطوات الإسرائيلية التي قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني في لبنان، مما يحد من هامش المناورة الإسرائيلية.
كما ويكشف عن دور محوري قد تلعبه روسيا في المنظور القريب، حيث يُتوقع أن تتحرك موسكو لضمان استقرار المنطقة مع عودة إدارة ترامب إلى السلطة.
هذه الديناميكية قد تضيف صورة جديدة للمشهد، حيث تتعدد الأطراف المؤثرة وتتباين مصالحها.
من جهة أخرى، يُظهر الصراع في لبنان وجهه الإنساني القاتم.
فالشعب اللبناني يرزح تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة، بينما يؤدي التصعيد الإسرائيلي إلى تفاقم المعاناة الإنسانية. ورغم الضربات التي تلقاها حزب الله، يظل قادراً على الاستمرار كتهديد استراتيجي لإسرائيل، مما يعكس صلابة في معادلة الردع الإقليمي.
السيناريوهات المستقبلية للصراع تبقى مفتوحة على احتمالات عدة.
إن المشهد الراهن في لبنان والمنطقة يعكس لعبة معقدة من التوازنات والصراعات، حيث تُعيد الأطراف الفاعلة صياغة تحالفاتها واستراتيجياتها استناداً إلى تحولات السياسة الأميركية والديناميكيات الإقليمية.
إسرائيل، بإدارتها للميدان والدبلوماسية، تحاول فرض رؤيتها في مواجهة خصوم متجذرين مثل حزب الله وإيران، بينما تتباين مواقف القوى الدولية بين الضغط نحو التهدئة ودعم التحالفات الجديدة.
ومع ذلك، فإن الحقيقة الثابتة هي أن أي تسوية دائمة تتطلب حلاً جذرياً للأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بلبنان، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل الأوضاع الحالية.
وبينما تظل المنطقة على حافة المواجهة، فإن القدرة على قراءة المتغيرات واستباقها ستحدد شكل المستقبل، حيث قد تحمل الأيام المقبلة مفاجآت تكتب فصولاً جديدة من الصراع أو السلام المؤقت.
وفي نهاية المطاف، يبدو أن زيارة هوكشتاين لن تُحدث فارقاً ملموساً في مسار الحرب أو تخفف من آلام لبنان. فالاستراتيجية الأميركية، المتماهية مع الأجندة الإسرائيلية، تفتقر إلى أي مصداقية قادرة على تحقيق اختراق حقيقي. كل ما في الأمر، محاولة لإدارة الأزمة بانتظار تغير سياسي في واشنطن يعيد تشكيل موازين اللعبة.
ومع استمرار القصف والتصعيد، يجد لبنان نفسه عالقاً بين طموحات إقليمية ومراوغات دولية، في مشهد يتسم بالمأساوية والعبثية، حيث تتزايد المعاناة دون أفق قريب للحل، فيما تبقى الحلول الحقيقية مرهونة بتغير المعادلات الكبرى التي لا تزال بعيدة المنال.