الشيعة : عراقة تاريخ ووهج تراث قصة تشيع الشاه خدابنده ومناظرة العلامّة الحلي مع علماء المذاهب الاربعة بمحضره . بقلم الدكتور حسن عاصي

الشيعة : عراقة تاريخ ووهج تراث
قصة تشيع الشاه خدابنده ومناظرة العلامّة الحلي مع علماء المذاهب الاربعة بمحضره .
الدكتور حسن عاصي
***
دارت في الآونة الأخيرة حوارات تناولت الشيعة كانت مادة لكُتّاب و محللين على الشاشات و على مواقع التواصل الإجتماعي و في الصحف والمجلات، كما كتبت فيها كتب و موسوعات، تناول ذلك سائر جوانب الفكر الشيعي : العقيدة والسياسة والإجتماع وسواها، إلى درجة أنه من المفيد إجراء استحقاقات سياسية و اجتماعية بعدم مشاركة الشيعة، و تحديدا الثنائي الشيعي .
لذلك دلالات عديدة نقف على اثنينن منها :
• تجاهل هؤلاء لحقيقة الشيعة وإقرارهم بجهلهم لتاريخهم و تراثهم، جهلهم كذلك لأعلامهم و لمحققيهم و مفكريهم و فلاسفتهم في سائر مناحي المعرفة الشرعية والفقهية و الإجتماعية والفلكية والرياضية و العلمية، تلك المعارف التي أغنت الفكر الإنساني وشهد بها التاريخ و نوّهت بها الإنسانية كونها أتت في عصور وعلى مر التاريخ كانت الإنسانية بحاجة لها، و الأمثلة على ذلك متعددة لايتسع المجال لذكرها، و التي كان من جملتها ثورة الحسين عليه السلام و ما وشحت بها الحياة حتى اليوم .
• خفة هؤلاء و طيشهم، و لامبالاتهم بما قد تؤول إليه الأمور فيما يدعون إليه و ينادون به جاهلين خطورة عواقبه وخواء ما يتطلعون إليه، اللهم إن لم يكن هدفهم وما يتطلعون لتحقيقه .
ولكي لا نطيل الشرح نذكر واحدة من مآثر علماء الشيعة و طرائف علمائهم، و هي حكاية شاه إيران الخدابنده و قصة تشيعه كما في الرواية التالية :
يقال : إنّ الشاه خدابنده غضب يوماً على امرأته فقال لها : أنت طالق ثلاثاً ، ثمّ ندم على فعلته وجمع العلماء ليجدوا له مخرجا مما فعله .
قالوا له : لابدّ من المحلّل.
فقال : عندكم في كلِّ مسألة أقاويل مختلفة أو ليس لكم هنا اختلاف ؟
فقالوا : لا.
فقال أحد وزرائه : إنّ عالماً بالحلّة (1) يقول ببطلان هذا الطلاق .
بعث كتابه إلى العلاّمة ، وأحضره ، فلمّا بعث إليه.
قال علماء العامّة : إنّ له مذهباً باطلاً ، ولا عقل للروافض (2) ، ولا يليق بالملك أن يبعث لطلب رجل خفيف العقل .
قال الملك : حتّى يحضر.
فلمّا حضر العلاّمة بعث الملك إلى جميع علماء المذاهب الأربعة ، وجمعهم .
فلمّا دخل العلاّمة أخذ نعليه بيده ، ودخل المجلس ، وقال : السلام عليكم ، وجلس عند الملك.
فقالوا للملك : ألم نقل لك إنّهم ضعفاء العقول .
قال الملك : اسألوا عنه في كلِّ ما فعل.
فقالوا له : لِمَ سجدت للملك وتركت الاداب ؟
فقال : إنَّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كان ملكاً وكان يسلم عليه ، وقال الله تعالى : }فإذا دخلتم بيوتاً فسلّموا على أنفُسِكم تحيّةً من عنِد الله مباركةً { (سورة النور : الاية ٦۱) ، ولا خلاف بيننا وبينكم أنّه لا يجوز السجود لغير الله .
ثمّ قال له : لِمَ جلست عند الملك ؟
قال : لم يكن مكان غيره ، وكلّما يقوله العلاّمة بالعربي كان المترجم يترجم للملك .
قالوا له : لايّ شيء أخذت نعلك معك ، وهذا ممّا لا يليق بعاقل ؟
قال : خفت أن يسرقه الحنفيّة كما سرق أبو حنيفة نعل رسول الله !!
فصاحت الحنفيّة : حاشا وكلاّ ، متى كان أبو حنيفة في زمان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بل كان تولّده بعد المائة من وفاته ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ.
فقال : فنسيت فلعلّ السارق كان الشافعي !!
فصاحت الشافعيّة كذلك ، وقالوا : كان تولّد الشافعي في يوم وفاة أبي حنيفة ، وكان نشوؤه في المائتين من وفاة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ.
وقال : لعلّه كان مالك !!
فصاحت المالكية كالأوّلين .
فقال : لعلّه كان أحمد ففعلت الحنبليّة كذلك .
فأقبل العلاّمة إلى الملك ، وقال : أيّها الملك علمت أنّ رؤساء المذاهب الأربعة لم يكن أحدهم في زمن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ولا الصحابة ، فهذا من بِدَعِهِم أنّهم اختاروا من مجتهديهم هؤلاء الأربعة ، ولو كان فيهم من كان أفضل منهم بمراتب لا يجوّزون أن يجتهد بخلاف ما أفتى واحد منهم .
فقال الملك : ما كان واحد منهم في زمان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ والصحابة ؟!
فقال الجميع : لا.
فقال العلاّمة : ونحن معاشر الشيعة تابعون لأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ نفس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وأخيه وابن عمّه ووصيّه ، وعلى أيّ حال فالطلاق الذي أوقعه الملك باطل لأنّة لم تتحقّق شروطه ، ومنها العدل فهل قال الملك بمحضرهما ؟
قال : لا.
ثمّ شرع في البحث مع العلمأء حتّى ألزمهم جميعاً .
فتشيّع الملك ، وبعث إلى البلاد والأقاليم حتّى يخطبوا بالأئمّة الاثني عشر ـ عليهم السلام ـ ، ويضربوا السكك على أسمائهم وينقشوها على أطراف المساجد والمشاهد منهم (3) .
فهل يرعوي هؤلاء ويدركون جوهر الواقع وحقيقة الأمور ؟!!
(۱) أبو منصور الحسن بن الشيخ الفقيه النبيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي المشهور بالعلامة ، له أكثر من تسعين كتاباً في مختلف العلوم الاسلامية ، من أشهرها : مختلف الشيعة ، المنتهى ، نهج الحق وكشف الصدق ، منهاج الكرامة وغيرها .
2) الرافضة : مصطلح توصف به الشيعة الإثني عشرية لرفضهم شرعية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، معتبرين أن علي بن أبي طالب أحق بالخلافة منهم .
3) روضات الجنات للخونساري : ج۲ ص۲۷۹.