بأقلامنا

الحساب المفتوح وابعاده الاستراتيجية مرحلة جديدة مع تصعيد العدو على لبنان بقلم د. شريف نورالدين

بتاريخ: ٢٢ / ٩ / ٢٠٢٤

الحساب المفتوح وابعاده الاستراتيجية مرحلة جديدة مع تصعيد العدو على لبنان

الصراع المتصاعد الذي تشهده المنطقة اليوم، تقف غزة ولبنان كمحاور أساسية في معركة معقدة تتجاوز حدود الجغرافيا لتلامس صميم السياسات الإقليمية والدولية.

إن الأحداث الجارية ليست مجرد مواجهة عسكرية تقليدية، بل هي تجسيد لصراع متعدد الجبهات، حيث تتداخل فيه الحرب على الأرض مع المعارك الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية والحرب السيبرانية. هذه الساحات المتشابكة تفرض على الفاعلين الإقليميين والدوليين تبني استراتيجيات مرنة تقوم على الحساب المفتوح، حيث لا توجد حدود واضحة للعمليات ولا خيارات مغلقة أمام التفاوض أو التصعيد.

واليوم؛ القوى العسكرية والسياسية ، تتحرك من ساحة إلى أخرى، محاولة استنزاف الخصم في مكان وتهدئة الأوضاع في مكان آخر. وفي ظل هذه الفوضى، يصبح الحفاظ على وحدة الصفوف وتنسيق الجهود بين الأطراف المتحالفة أمرًا محوريًا لتحقيق توازن القوة، فيما يبقى الغموض الاستراتيجي هو السلاح الأكثر فعالية في خلق ردع غير تقليدي يتخطى صفحات الخطوط والقواعد والمعادلات في الاشتباك، حيث كشف الحساب المفتوح وميزان الربح والخسارة والتوازن…

أما “الحساب المفتوح” يشير إلى سياسة أو استراتيجية تتبناها دولة أو جهة عسكرية تتسم بالمرونة والانفتاح في التعامل مع القضايا أو العمليات العسكرية الجارية. هذا المصطلح قد يُستخدم للإشارة إلى عدة أمور، منها:

– استراتيجية العمليات المفتوحة: حيث تظل القوات العسكرية مرنة في ردود أفعالها أو تكتيكاتها بناءً على التطورات الميدانية، بمعنى آخر، تكون هناك خطة عسكرية مرنة تسمح بالتكيف المستمر مع الظروف المتغيرة، بدلًا من التمسك بخطة جامدة.

– التفاوض في الأوقات الحرجة: عندما تبقي جهة عسكرية باب الحوار مفتوحًا مع العدو أو الأطراف الأخرى حتى أثناء العمليات العسكرية، في هذه الحالة، يكون الهدف هو إبقاء قنوات الاتصال متاحة لتجنب التصعيد غير الضروري أو لإنهاء النزاع.

– إدارة الصراعات: يشير إلى سياسة تتبناها القيادة العسكرية تسمح بالتعاون مع قوى أو دول أخرى حتى لو كانت هناك توترات عسكرية، بهدف تحقيق أهداف معينة.

– استراتيجية الردع المفتوح: في بعض الحالات، قد يعتمد حزب الله على سياسة “الحساب المفتوح” للردع، حيث تترك المجال مفتوحًا أمام مجموعة متنوعة من الردود العسكرية دون تحديد رد محدد مسبقًا.
هذه السياسة قد تكون تهديدًا ضمنيًا بأن الرد على أي استفزاز أو هجوم سيكون مرنًا وغير متوقع.

باختصار؛ “الحساب المفتوح” يعكس رغبة في الحفاظ على المرونة والتكيف مع المتغيرات، سواء في العمليات العسكرية المباشرة أو في العلاقات العسكرية بين وحدة الساحات الاستراتيجية.

وعلى المستوى الاستراتيجي، “الحساب المفتوح” في السياق العسكري يشير إلى سياسة أو نهج يتميز بالمرونة والانفتاح تجاه المتغيرات والتطورات، سواء في إدارة الصراعات أو في التخطيط للعمليات العسكرية.
الهدف من تبني هذا النهج هو تحقيق مكاسب استراتيجية على المدى الطويل مع الحفاظ على القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة من خلال:

١- تعظيم المرونة التكتيكية: يتيح نهج “الحساب المفتوح” للقوات العسكرية التكيف مع الظروف الميدانية بسرعة، مما يسمح لها بإعادة توزيع الموارد والقوى البشرية بفعالية لمواجهة التهديدات المتغيرة. هذا يساعد في تحقيق النصر أو تحقيق الأهداف بأقل تكلفة ممكنة.

٢- الحفاظ على الاستعداد المستمر: من خلال إبقاء الخيارات مفتوحة، تضمن جهوزية القوات العسكرية للتعامل مع مجموعة متنوعة من التهديدات والمواقف غير المتوقعة، سواء في الداخل أو الخارج.

٣- ردع الأعداء: عندما تعرف الخصوم أو الدول الأخرى أن لديك سياسة عسكرية مرنة وغير متوقعة (الحساب المفتوح)، فإن هذا يخلق عنصر ردع، لأنهم لا يعرفون ما يمكن أن تكون ردود أفعالك في مواجهة غير متوقعة و مكلفة.

٤- فتح المجال للتفاوض والدبلوماسية: الاستراتيجية العسكرية القائمة على الحساب المفتوح يمكن أن تتكامل مع الدبلوماسية، حيث تبقي قنوات الاتصال مفتوحة مع الأطراف المعادية أو الدول الأخرى، مما يتيح خيارات للتسوية أو إنهاء النزاع بطرق سلمية إذا تطلب الأمر.

* التكيف مع الديناميكيات العالمية والإقليمية: في عصر تتسارع فيه المتغيرات الجيوسياسية والتكنولوجية، تتيح استراتيجية الحساب المفتوح للقوى العسكرية القدرة على إعادة النظر في استراتيجياتها وتكييفها وفقًا للتحديات الجديدة.

١- التكيف مع التحالفات: يمكن أن تعتمد سياسة “الحساب المفتوح” فيما يتعلق بالتحالفات العسكرية، ضمن خياراتها مفتوحة للتحالفات مع قوى مختلفة بعيدة عن الانظار وفقًا للمصلحة الاستراتيجية.

* إدارة الأزمات والتحكم في التصعيد: في سياق الصراعات العسكرية، يتيح “الحساب المفتوح” إمكانية التحكم في مستوى التصعيد بشكل مدروس، بمعنى أن القوة العسكرية تحتفظ بحق الرد في الوقت والطريقة المناسبين دون الالتزام برد فوري، وهذا يمكن أن يقلل من مخاطر التصعيد غير المتحكم فيه.

١- منع التورط في نزاعات طويلة الأمد: السياسة المرنة القائمة على الحساب المفتوح تمكن حزب الله من الانسحاب أو إعادة التموضع عند الحاجة، مما يساعد في تجنب التورط في نزاعات مستنزفة وطويلة الأمد دون جدوى.

* التعامل مع الغموض الاستراتيجي: إحدى المزايا المهمة لسياسة الحساب المفتوح هي استخدامها لتوليد الغموض الاستراتيجي، من خلال عدم التحديد المسبق لأي استجابة عسكرية أو خطوات مستقبلية، يترك حزب الله خصومه في حالة من عدم اليقين، هذا يعزز اوراقه ويعطيه مساحة أكبر للمناورة.

* حماية المصالح الوطنية: الهدف الرئيسي لاستراتيجية “الحساب المفتوح” هو حماية المصالح الوطنية بطريقة مرنة واستباقية، بدلاً من أن تكون السياسات والتكتيكات جامدة أو محددة مسبقًا.

ومع استراتيجية “الحساب المفتوح” ضمن وحدة الساحات المتعددة الجبهات في السياق العسكري، يصبح لدينا نهج يجمع بين المرونة الشاملة في إدارة الصراعات والقدرة على التنقل عبر ساحات متعددة ومتنوعة (جغرافية أو سياسية) بشكل متزامن. يهدف هذا النهج إلى تعزيز القوة العسكرية والسياسية لحزب الله و التحالف، عبر تكييف الاستراتيجية حسب التهديدات والتحديات المتعددة الجبهات. فيما يلي لكيفية تكامل هذين المفهومين:

* تعريف وحدة الساحات المتعددة الجبهات: وحدة الساحات المتعددة الجبهات تعني التعامل مع أكثر من جبهة صراع في وقت واحد، سواء كانت هذه الجبهات جغرافية (كما في النزاعات التي تشمل دولًا متعددة أو مناطق مختلفة داخل دولة واحدة) أو نوعية (على مستوى الحروب التقليدية، الحروب السيبرانية، الحروب الاقتصادية، أو الدبلوماسية).
وهذا المفهوم يعكس القدرة على التنسيق بين الموارد والجهود المختلفة لتحقيق أهداف استراتيجية شاملة تتجاوز ساحة واحدة، وتغطي مجالات مختلفة تتطلب أساليب وأدوات متنوعة.

١- تكامل استراتيجية الحساب المفتوح مع وحدة الساحات المتعددة الجبهات:
– المرونة والاستجابة السريعة: مع وجود عدة جبهات، تصبح الحاجة إلى مرونة في القرارات والتكتيكات ضرورة حتمية، و الحساب المفتوح يتيح لقوات حزب الله والتحالف القدرة على تعديل أولوياته بسرعة وفقًا للأحداث المتغيرة في ساحات متعددة، يمكنه التحرك بين الجبهات وتحديد أي منها يتطلب تركيزًا أكبر في لحظة معينة، وذلك دون التزام بخطة جامدة.

– القدرة على المناورة بين الساحات: في حالة التعامل مع عدة جبهات، تصبح القدرة على المناورة الاستراتيجية أمرًا محوريًا، و من خلال الحساب المفتوح، يمكن للدولة لحزب الله والتحالف التنقل بين ساحات القتال أو التركيز على جبهات معينة بحسب تطورات الصراع، مما يعزز القدرة على تلافي الهزيمة في ساحة معينة دون خسارة القدرة على الرد أو المناورة في جبهات أخرى.

– تجنب الاستنزاف الشامل: في حالة الصراع عبر عدة جبهات، يكون خطر الاستنزاف كبيرًا، سواء كان ذلك على مستوى الموارد البشرية أو الاقتصادية أو السياسية.
ان استراتيجية الحساب المفتوح تمكن القيادة العسكرية من تفعيل جبهات معينة وتعطيل أخرى مؤقتًا وفقًا للحاجة، لتجنب الاستنزاف الكامل، وهذا يعطيها مساحة للتحرك التكتيكي والتموضع الاستراتيجي دون خسائر مفرطة.

– إدارة الموارد العسكرية واللوجستية: عند إدارة ساحات متعددة، تصبح إدارة الموارد مثل القوات والأسلحة والتموين حاسمة، والحساب المفتوح يسمح للقادة بإعادة توزيع هذه الموارد بمرونة حسب احتياجات كل ساحة، مما يزيد من فعالية القوة العسكرية في التعامل مع التهديدات المختلفة

* التكيف مع طبيعة الصراعات الحديثة:
– الحروب الهجينة: في عصر الحروب الهجينة، التي تتضمن مزجًا بين الحروب التقليدية، السيبرانية، والدبلوماسية، تعد وحدة الساحات المتعددة الجبهات مهمة جدًا، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تشن ايران هجمات سيبرانية على دولة أخرى بينما تدير في الوقت نفسه عمليات عسكرية تقليدية في ساحة مختلفة. الحساب المفتوح هنا يوفر إطارًا مرنًا للتنقل بين أنواع الصراعات.

– الدبلوماسية بالتوازي مع القوة العسكرية: في ظل وحدة الساحات، قد تستخدم ايران القوة العسكرية في ساحة معينة وتحتفظ بخيارات دبلوماسية مفتوحة في ساحات أخرى.
هنا، الحساب المفتوح يسمح بالاحتفاظ بخيارات التسوية السياسية في جبهة معينة، بينما يستمر الضغط العسكري في جبهة أخرى. هذه المرونة يمكن أن تسهم في تحقيق مكاسب تفاوضية دون تصعيد شامل للصراع.

* الحفاظ على التحالفات والردع:
– الحساب المفتوح في إطار التحالفات: عند إدارة صراع عبر جبهات متعددة بالتعاون مع حلفاء، يكون الحساب المفتوح أداة استراتيجية هامة، يمكن أن تتيح هذه السياسة الحفاظ على التحالفات مفتوحة وتنسيق الجهود العسكرية بشكل مرن بين حزب الله والتحالف، وهذا يعزز من قدرة التحالفات على مواجهة تهديدات مشتركة من عدة جبهات في آن واحد.

– خلق حالة من الغموض الاستراتيجي: التعامل مع عدة جبهات عبر استراتيجية الحساب المفتوح يساعد في خلق غموض استراتيجي لدى الأعداء، حيث يتركون غير متأكدين من كيفية الرد أو الخطوات التالية التي ستتخذها الدولة أو التحالف، وهذا الغموض يمكن أن يكون عاملًا للردع بحد ذاته، لأنه يجعل الأعداء يترددون في تصعيد الصراع خوفًا من رد غير متوقع.

* خلاصة:
استراتيجية “الحساب المفتوح” عندما تتكامل مع مفهوم “وحدة الساحات المتعددة الجبهات” توفر لحزب الله والتحالف القدرة على الاستجابة بشكل مرن وفعال للتحديات المتعددة التي قد تنشأ في مختلف الجبهات. هذه السياسة تجمع بين المرونة في اتخاذ القرارات العسكرية والتكتيكية وبين القدرة على المناورة بين ساحات الصراع المختلفة، مما يعزز من قدرة حزب الله والتحالف على حماية مصالحه وتحقيق أهدافه الاستراتيجية بشكل أكثر ديناميكية وفعالية.

هنا؛ تتجلى بوضوح استراتيجية وحدة الساحات التي تعتمدها إيران وحلفاؤها، حيث تسعى لربط المعارك من غزة إلى لبنان وساحات أخرى، لفرض معادلة جديدة على الأرض.
هذه الاستراتيجية تهدف إلى إشعال أكثر من جبهة في آن واحد، لإرباك الخصوم واستنزافهم على عدة مستويات، عسكريًا وسياسيًا، فمن خلال توحيد الساحات، تحاول إيران وحلفاؤها تعزيز تفوقهم الإقليمي وكسر محاولات العزل أو الاحتواء، مما يجعل الصراع في غزة ولبنان محوري مركزي، تتداخل فيها المصالح والأهداف الاستراتيجية.

في النهاية، تظل المنطقة في حالة تصعيد مستمر، حيث تفرض وحدة الساحات واقعًا لا يمكن تجاهله، يعكس مدى الترابط بين هذه الجبهات وقدرتها على تغيير مسار المواجهة مع العدو في أي لحظة تفرض عليه شروط الهزيمة والانتصار.

زر الذهاب إلى الأعلى