بأقلامنا

سجعان قزي .. لم يفارقه الوطن بقلم الدكتورة سلوى الخليل الأمين

 

يا للخبر المفجع.. رحيل الوزير والكاتب والأديب الوطني سجعان قزي،

فوجئت بالخبر الحزين ، ولم أكن أتصور أن بحر كلماتك  سينقطع برحيل رجل الفكر والعقل الراجح ، الوطني بإمتياز ، سجعان القزي.

أنا التي كنت أنتظر إفتتاحيتك في جريدة النهار كل أسبوع، كي تصلني منك عبر الواتساب ، ونتبادل التعليقات على مضمونها.

لم أكن أعرفه شخصيا ، حتى ألتقينا في تكريم الدكتور العلامة الراحل جميل جبر في جامعة الكسليك، وكان هو أحد الخطباء، كما كنت أنا إحداهم أيضا ، سمعته وأعجبت بقلمه الريان وأنا تطربني الكلمة المنحوتة نحتا كتمثال إغريقي ، تبادلنا الإعجاب بمضمون ما كتبنا وبحضورنا الراقي فوق المنبر ، وما إن إنتهت الندوة حتى تبادلنا الحديث حول الكلمة الأدبية الراقية والمعمقة بحد ذاتها، التي تجمع ولا تفرق..

بالرغم من تاريخه الحافل بالنضال من أجل لبنان ، كنا على طرفي نقيض في مفهومنا للعمل الوطني ، فأنا ابنة الجنوب التي تألمت من العدو الإسرائيلي، فأيدت المقاومة فقط في مسارها، الذي يتصدى للعدو الصهيوني، لكن الايام تبدي لنا أننا لا يمكن أن نكون أعداء، لمن يناقض تفكيرنا ورؤانا، وهو ابن هذا الوطن، الذي نفديه جميعا بكل ما أوتينا من بذل وتضحيات ، وكلنا نقاوم من اجل عزته وكرامته.

أجل جمعتنا الكلمة الناطقة بالحقيقة ، حقيقة لبنان بكل مكوناته، بأدبائه وشعرائه وكتابه، بعيدا عن السياسة التي تفرق ، فالأدب يجمع أما السياسة فتفرق، وهذا كان شعارنا يوم جمعنا الأديبات العربيات في لبنان، بدعوة من ديوان أهل القلم، وكانت خلافات العرب عالية المسار .

آنستني تفاعلات عقله الذي يسمو فوق كل الاعتبارات والمسارات ، وروحه الودودة التي لا تعرف الضغينة ، وواحات قلبه المنفتح على كل لبنان وناسه، فوقفت في دائرة ضوئه أستشف المخزون الثقافي والأدبي والوطني الذي هو عليه ، وهكذا جمعتنا الكلمة الناطقة بحقيقة لبنان واللبنانيين ، وهو أننا شعب واحد لا تفرقه الأعاصير مهما اشتدت وعلا صفيرها ، لأن في داخل العقول الوطنية التي تضحي من أجل لبنان، مخزون وطني يجمع ولا يفرق ، والنقاط المشتركة لا تهدمها الأعاصير مهما اشتد صفيرها وكثرت محطاتها الخلافية ، حيث يبقى هناك بصيص نور يملأ الأجواء  بحب لبنان والتضحية من أجله .. مهما تغبرت حوليات الزمن.

أيها الراحل الكبير من وطني ، وطن الأرز الخالد، كتاباتك ستبقى مخزونة في خوابي الدهر وفي عقولنا ولن تخبو أبدا ، ووطنيتك وحبك للبنان لن يزولا برحيلك إلى دنيا الله الواسعة ، بل ستبقى مدرسة لكل الأجيال من بعدك، لأن في مضامينها الحكمة والخير والسلام لوطن واحد يجمعنا، هو لبنان ، الذي أردته متقدما على كل الأوطان ، وسيدا وحرا ومستقلا عن كل ما يعكر وحدة شعبه، إذ ان هدفك الأسمى كان وطنك لبنان الموحد بكل طوائفه وأحزابه، بحيث خفت عليه من الفدرالية والتقسيم ، وكنت مع اختيار رئيسا للجمهورية بالسرعة القصوى، كي لا يمحى لبنان عن خارطة العالم وتتناتشه المصالح الدولية والشخصانية .

في افتتاحية لك في جريدة النهار بتاريخ 16 كانون الثاني 2023 قلت:” … أن لبنان يعيش أمام خيارين: إما انتخاب رئيس لكل لبنان يحافظ على وحدة الجمهورية وخصوصيتها، وإما الانتقال إلى جمهوريات مجهولة تعيدنا إلى القرن السابع عشر، حين كانت تنبت حول إمارة الجبل إقطاعيات يدعمها العثمانيون ضد الإمارة لإضعاف الحكم المعني ثم الشهابي”.

خسرناك ، وخسرك لبنان في زمن هذا الشح السياسي، والعقول المتنمرة، التي لا تشبهنا وتشبه رجالاتنا  الوطنيين العظام أمثالك.

لا يسعني سوى القول : إلى جنات الخلد مثواك، فهناك رب عظيم يقدر أمثالك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : جريدة النهار

كلمة من الدكتورة سلوى الخليل الأمين

رئيسة ديوان أهل القلم

بمناسبة رحيل الصديق سجعان قزي

الأحد في : 14/ آيار/ 2023

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى