بأقلامنا

واشنطن: ’’الداخل‘‘ يفكك ’’لبنان الكبير‘‘ والجيش ’’سياجه الوجودي‘‘ بقلم    عبد الهادي محفوظ

 

فكرة الدولة اللبنانية مهددة في مرحلة الإتجاه إلى تفكيك الدول في منطقة الشرق الأوسط. فالدول العربية حملت منذ نشأتها بذرة تفككها بحيث لم تحسن التوفيق بين بعدين: البعد الوطني والبعد القومي ولا بين مكوناتها الطائفية والاتنية وارتكزت إلى قاعدة ’’الغلبة‘‘ في تأسيس ’’المواطنة‘‘ بحيث نشهد حاليا ’’انفجار الألغام‘‘ الهالكة.

و’’لبنان الكبير‘‘ لم يؤسس دولة حقيقية. فهو امتداد لتظامي القائمقاميتين والمتصرفية مع ضمّ شكلي للأقضية الأربعة ما أرسى سقوفا متعددة للمواطنية يزداد الشرخ بينها حاليا وخصوصا بالنسبة للطوائف الأقل عددا مثل الأرثوذكس والكاثوليك والدروز والعلويين واستطرادا الأرمن. وهذا ما يفسّر أن الطوائفية لا تبني وطنا ولا تبني طوائفها وكذلك هو حال الغلبة الطوائفية.

من هنا لبنان يحمل استعدادا داخليا للتفكك بصور مختلفة منها ’’التقسيم‘‘ أو الفدرلة. لكن هذا الإستعداد الداخلي لا يلقى ’’التجاوب الدولي‘‘. فالفاعل الرئيسي الأميركي في المنطقة لا يأخذ حسابات الطوائف السياسية في الإعتبار وإنما يوظفها في سياق ما يريد هو تحقيقه في المنطقة, وهو أي الأميركي يأخذ على الزعامات السياسية اللبنانية الطوائفية أنها تروّج لنزواتها وتُسقط خطأ حساباتها على ما يريده الخارج الدولي أو الاقليمي الذي يقارب الوضع اللبناني من زاوية مصالحه التي ترتبط أساسا بالاقليم وما يشهده من متغيرات. فالتوجه الأميركي نحو لبنان والمنطقة يرتبط بحسابات التوجه إلى التطبيع بين الدول العربية واسرائيل. وهو توجه يقع عليه الاعتراض الأساسي من جانب الجكومة الدينية في اسرائيل بزعامة نتنياهو. وهي حكومة تنزع عن اسرائيل صبغة العلمانية التي أرستها الحركة الصهيونية كما هي حكومة التوسع الاستيطاني والتوسع الجغرافي وتهجير الفلسطينيين وارساء قاعدة القطبية اليهودية في المنطقة المرتكزة الى ’’القوة العسكرية‘‘. هذا التوجه الاسرائيلي الجديد لا يلتقي مع الحسابات الأميركية الحالية. فالمملكة العربية السعودية ملتزمة بحل الدولتين وبكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية ولا يمكنها أن تُقدم على ’’تطبيع مجاني‘‘ يحمل أخطارا على الاقليم برمته بما فيه دول الخليج. بهذا المعنى تغلب واشنطن سياسة ’’الانتظار‘‘ مع رفع منسوب الضغوط على حكومة نتنياهو لارساء توازنات جديدة في ’’الداخل الاسرائيلي‘‘. وسياسة الانتظار الأميركية لا تستعجل الحل في لبنان ولا مقاربات التقسيم وإنما تلتقي مع سياسة الاستقرار المحكوم وعدم دفع الأمور إلى انهيار كامل لبناني.

سياسة الانتظار الأميركية تبرر إعطاء وقت إضافي للمبعوث الفرنسي جان ايف لودريان لأن هناك حاجة أميركية لمزيد من تقطيع الوقت. فالإدارة الأميركية تعترض على نظرية رفض الحوار كونها تسهم في مزيد من التفتيت وقطع الجسور وهو ما لا تريده واشنطن حاليا كونه يهدد الإستقرار اللبناني لدوافع عبثية و’’جنونية‘‘ لبنانية بحتة وفقا لرؤية واشنطن للوضع اللبناني… فواشنطن تشجع على الحوار الذي يدعو إليه لودريان على قاعدة تقطيع الوقت بقصد أن أية ’’ترتيبات أميركية‘‘ للبنان هي رهن الإستجابة لمقاربة متغيرات المنطقة وما ستؤول إليه. وبهذا المعنى فإن الزيارات التي قام بها الموفد الأميركي إلى بعلبك والجنوب تعني في ما تعنيه أن واشنطن ترغب في تواصل المناطق اللبنانية واللبنانيين معا. كما أنها تقارب الإشتباكات في مخيم عين الحلوة من زاوية حرصها على التطبيع مع الأخذ في الإعتبار للحسابات السعودية لا للحسابات التركية والقطرية التي تريد تثبيت ’’الإسلاميين‘‘ في المخيم وتهجير ’’فتح‘‘ منه.

في هذا السياق لا زالت الرئاسة اللبنانية الأولى بعيدة. والأرجح أن لودريان يبحث لصالح واشنطن عن ’’مرشح ثالث‘‘ باعتبار أن أيا من المرشحين الحاليين سليمان فرنجية أو جهاد أزعور لا يوفر حلا أو إجماعا وإنما يكرس خلافات لبنانية داخلية.

في كل الأحوال خيار ’’المرشح الثالث‘‘ لم يُحسم لمن يكون. في جانب منه ينتظر ما يؤول إليه الحوار بين حزب الله وجبران باسيل. وهو حوار غير مقرِّر لموضوع الرئاسة وإن كان فاعلا نسبيا. فباسيل يريد إقصاء قائد الجيش جوزف عون وسليمان فرنجية في آن معا ولكنه في الآن نفسه يريد أن يلعب ورقة المعارضة والممانعة معا… إنما الأحداث اللبنانية والمفاجآت تعطي دورا خاصا للمؤسسة العسكرية الضامنة الوحيدة للحؤول دون تفكيك الوضع اللبناني الذي كله يجعل حظوظ المرشح الثالث جوزف عون الأوفر حظا لأن البديل هو ’’رئيس ضعيف‘‘ لا يناسب المرحلة.

عبد الهادي محفوظ

زر الذهاب إلى الأعلى