بأقلامنا

كتبت الدكتورة ليليان قربان عقل: “لبنان الكبير في الصحافة اللّبنانية المحليّة”

في أول أيلول عام 1920 أعلن الجنرال غورو دولة لبنان الكبير من أعلى درجات قصر الصنوبر في بيروت وسط البطريرك الماروني الياس الحويّك ومفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا وأمام أعيان البلد. كيف ظهّرت الصحافة اللّبنانيّة المحليّة التي كانت تشكّل منابر مفتوحة لإطلاق المواقف الوطنيّة وحملت قضايا سياسيّة وإجتماعيّة عبّرت عن ظروف واقعها وكانت مرآة زمانها ومكانها وأدّت دوراً بارزاً في تظهير الحدث التاريخي الكبير، إعلان دولة لبنان الكبير، من خلال نماذج لأبرز الصحف المحليّة التي كانت تصدر آنذاك في بيروت: “لسان الحال”، “الحقيقة” و”البرق”. ‌”لسان الحال“ لُقّبَت صحيفة “لسان الحال” بشيخة الصحافة اللبنانية لأنّها عمّرت كثيراً. بدأت بالصدور عام 1877، أصدرها خليل سركيس صهر المعلّم بطرس البستاني حتى عام 1914. توقفت خلال الحرب، تولّى إصدارها إبنه رامز من عام 1918 حتى 1930 ثمّ تسلّمها حفيده خليل من عام 1931 حتى عام 1955، في عام 1960 إشتراها جبران حايك وأصدرها حتى إندلاع الحرب اللبنانية الأهلية سنة 1975، على الرغم من صدور أعداد محدودة وضعيفة منها خلال الحرب. واكبت صحيفة “لسان الحال” نشوء دولة لبنان الكبير بالترحيب وظهر ذلك بوضوح في عددها الصادر في بيروت الخميس في 2 أيلول سنة 1920 ومن خلال الإفتتاحية التي كتبها رامز سركيس (إبن خليل سركيس) وحملت توقيعه وفيها يقول “لأول مرّة في التاريخ الحديث نعيّد العيد الوطني ونرفع الأعلام الوطنية، فقد كنّا إلى حين قريب بلا وطن فأصبحنا اليوم والوطن وطننا والبلاد بلادنا”. وفي الصفحة رقم (2) من العدد نفسه تحت عنوان: “المناداة بلبنان الكبير”، مهرجان الأمس تظهر إحتفالية الصحيفة بهذه المناسبة “فهوذا نحن اليوم نحيي يوماً عظيماً وإن عدلنا وجب علينا أن نقدسه يوماً ونعيده مدى الدهر، وننشر في كل عيد مثل هذا العيد عواطف إخلاصنا وزهر ربيع الحياة”. ويتوجّه المقال إلى الجنرال غورو “إنّنا نتقدّم إلى فخامة الجنرال غورو وإلى كل أعوانه الكرام بإظهار كل عاطفة شكر وإمتنان وإخلاص”. “لبنان الكبير وطننا وأرض نشأتنا، وله علينا كل حق مشروع فلنصل على ترقيته وإعلان نشأته لأن ترقية الوطن ترقية الأمة”. ثمّ يضع نص خطاب الجنرال غورو كاملاً في الصفحة نفسها (2). وفي عدد “لسان الحال” أيضاً في 4 أيلول سنة 1920، يتحدّث رامز سركيس في إفتتاحيّته التي عنونها “حول خطاب الجنرال” واصفاً إياه بالخطاب التاريخي “هو خطاب تاريخي… نحن الآن في عصر حياة جديدة” ويفسّر قول الجنرال مخاطباً الجموع الكثيرة “أمامكم واجبات كبرى يجب عليكم إتمامها إذا كنتم تريدون أن تكونوا شعباً حياً يريد أن يصير عظيماً، ثمّ قال إن الإتحاد هو الذي يقدر أن يوجد فينا القوّة، كما أن خلافات الماضي كانت سبب الضعف… فيفسّر في مقالته الإفتتاحية خطاب الجنرال الذي يصفه “بالقائد العام” بقوله “وكأنّنا بالقائد العام يريد أن يفهمنا أن دور الخمول قد زال وقد أقبل الآن دور العمل والدّرجة الأولى في هذا السلم هو الإتحاد مَوْجِدْ القوة وضامنها وكافيلها ولا ريب قد نشعر بأنّنا في الماضي قد تشتتنا مذاهب وتفرّقنا طوائف وهذا داء في الشرق يلد لنا أن نجتازه”. وفي العدد نفسه من “لسان الحال” وفي الصفحة الأولى في 4 أيلول 1920 مقال حمل عنوان “تحديد لبنان الكبير الذي تضمن: قرار رقم 317 – متصرفية اللاذقية. قرار رقم 318 – حدود لبنان الكبير شمالاً وجنوباً وغرباً وشرقاً. قرار رقم 319 – المتعلّق بحدود أراضي العلويين، بالنظر لكون فرنسا لم تأب سوريا إلا لغاية واحدة هي مساعدة شعبها على تحقيق آمالها الحقّة لنيل الحريّة والإستقلال”. ‌”صحيفة الحقيقة” صدر العدد الأول منها في بيروت بتاريخ 6 شباط عام 1909 لصاحبها أحمد عباس الأزهري، الذي كان أستاذاً في المدرسة الوطنيّة التي أسّسها المعلم بطرس البستاني، توقّفت بسبب التضييق التركي ثم إستأنفت الصدور متوّجة أحياناً بافتتاحيات كمال عباس (إبن الشيخ أحمد) في 7 تشرين الثاني عام 1918 وتوقّفت من جديد نتيجة التضييق الفرنسي فإنتقل كمال إلى حيفا وأصدر مع شركاء، عام 1924 جريدة (اليرموك)، لتعود إلى الصدور بعد إستقلال لبنان وألغيت رسمياً في 17 آذار عام 1949. كانت صحيفة وطنيّة إستقلاليّة عروبيّة التوجّه وحافظت على ذلك حتى بعد إعلان دولة لبنان الكبير. في عددها الذي توفّر لنا، عدد أول تشرين الأول عام 1920 الذي صدر في بيروت، السنة الثالثة عشر، في مقال الإفتتاحية الذي حمل توقيع “إبن عباس” تحت عنوان “عادت الحقيقة والعود أحمد” يشير فيه “اليوم فقد دخلت البلاد في طور جديد بعد أن إعترفت بالانتداب رسمياً، فإنحصرت مهمّة الحقيقة في السّياسة الداخليّة تاركةً الخارجية ترام في “ميدان فسيح” إلى أن يقضي الله أمره ولكل أجل كتاب فمُهمّة الوطنيين الصادقين والحقيقة أيضاً يجب أن تتجّه الآن نحو السّياسة الداخليّة فيختارون حكماً وطنياً يتجلّى فيه الإخلاص لهذا الوطن إلى أن يتربّى الشعب التربية القوميّة الصحيحة وهناك يكون الإستقلال كالثمرة إذا لم تقطفها يد البستاني عند نضوجها وقعت من نفسها”. ‌”جريدة البرق” هلّلت جريدة “البرق” في عدد 1 أيلول سنة 1920 للحدث “لبنان الكبير” بعنوانٍ كبير، تتوسّط الصفحة الأولى منه الأرزة اللّبنانية مسنّدة ببيت من الشعر: “لواءَك – فأسجد يا فتى الأرز للوا        وكن عالياً وبك الأرز عالياً ما الأرز إلا آيـة الله في الورى                   فبورك خفاقاً فبورك نـامياً وفي عددها الصادر يوم الخميس في 2 أيلول سنة 1920 تهلّل “البرق” أيضاً لـ”فخامة الجنرال” “قائد جيش الشرق والقوميين العالي”… يتصدّر الصفحة الأولى من هذا العدد العنوان الكبير: “إعلان لبنان الكبير إعتراف الجنرال غورو بالدولة اللّبنانية بالعلم اللّبناني بيروت كعاصمة إلى الشعب اللّبناني – من الجنرال غورو”. قدّم صاحب “البرق” ورئيس تحريرها بشارة الخوري خطاب الجنرال غورو بالتالي: “نشر فخامة الجنرال غورو قائد جيش الشرف والقوميين العالي للجمهوريّة الفرنسيّة على اللّبنانيين التصريح الآتي: يا أبناء لبنان، كان مجلس إدارة لبنان ومشايخ القرى اللّبنانيّة في الجلسة الرسميّة المعقودة في بعبدا في 22 آذار سنة 1920 قد رأوا ما قدّمته فرنسا من الضحايا لتحرير أراضي لبنان تحريراً نهائياً وإختاروا بين هتاف الشعب – الألوان الفرنسيّة وضموا إليها الأرزة دلالة الأمانة الثابتة في اللّبنانيين شعاراً وطنياً لهم – وها إن توقيع تركيا اليوم لمعاهدة الصلح قد أعطى لبنان إستقلاله. وبمناسبة إعلان دولة لبنان الكبير بتلك المظاهرات التي هلّل فيها لبنان بصوتٍ واحدٍ لنيل حرّيته المنشودة، التي سيعمل بظلّها لتحقيق آماله وأمانيه، أن الجنرال القائد العام والكوميسير العالي يعترف بالعلم المقرّر في جلسة بعبدا علماً للدولة اللّبنانيّة ويأمر برفعه على كل أراضي هذه الدولة المعترف بها”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى