بأقلامنا

لبنان العالَمي في الأُمم المتحدة بقلم الشاعر هنري زغيب

“نقطة على الحرف”رقم 1618
“صوت كلّ لبنان”
الأَحد 30 نيسان 2023

هذا الأُسبوع كان أُسبوعَ لبنان في الأُمم المتحدة.
ودِدتُ لو كان هذا العنوان: “لبنان العالَمي في الأُمم المتحدة” ينطبق على حضور لبناني يُفيد دولة لبنان إِجماعًا على ما تعانيه في بلدها من تعاسة وبؤْس واضطراب وأَسى بسبب حُكَّامٍ أَثبتوا أَنهم أَفشلُ من فاشلين حتى باتوا محطَّ هُزء قاسٍ ساخرٍ من معظم حكَّام العالم، بعدما أَهلُ السلطة في لبنان أَسقطوا دولتهم في الفواجع والكوارث، ويَعجزون عن إِيجاد خلاصٍ وحلول، لأَنهم أَعجز من أَن يعرفوا للدولة خَلاصًا وسُبُلَ حُلول.

غير أَن هذا العنوان: “لبنان العالَمي في الأُمم المتحدة”، الذي لا ينطبق على لبنان السُلطة ولا على لبنان الدولة، إِنما ينطبق على لبنان الوطن، لبنان الوطن الدائم، لبنان الوطن الخالد، لبنان جبران خليل جبران.
فهذا الأُسبوع من الثلثاء حتى أَمس الجمعة، شهدَ مجموعةً من لوحات جبران ورسومه وبعض مقتنياته ومخطوطاته، في قاعات الطابق الأَول من مبنى الأُمم المتحدة في قلْب نيويورك، تحت شعار لافتٍ جامع: “جبران يعود إِلى نيويورك بعد 100 سنة”. ذلك أَنَّ كتابه “النبي” صدَرَ لدى منشورات “كنوف” في نيويورك سنة 1923، وها مرَّ على صدوره قرنٌ كامل من 1923 إِلى 2023، وما زال هذا الكتاب يتوهَّج كلَّ يوم من جديد، في طبعةٍ جديدة، في لغةٍ جديدة، في ترجمةٍ جديدة.
وإِعلامنا اللبناني، الذي عادةً ينقل إِلى متلقِّيه أَخبار الشُؤْم عما يجري على أَرضه من حقارات سياسية وصغائر عنعناتية، لم يقصِّر في نقل هذا الحدث الأَدبي الفني الكبير، فتناهت إِلينا من الصحف والشاشات ليلةُ افتتاح المعرض الذي حضره نحو 550 زائر في ليلة واحدة، مع ما جرى خلالَها في قراءاتٍ من “النبي” في لغات عدَّة، أَمام جمهور حاشد من المهاجرين اللبنانيين وزوار المعرض. وتوالَت أَيامَ هذا الأُسبوع حشودٌ تقاطرَت من كل بلد إِلى مبنى الأُمم المتحدة الذي كم يشهد في أَروقته مخاصمات وفيتوات سياسية، لكنَّ جبران أَلغى كلَّ فيتو بين الدول، لأَنه يؤْمن بالعالم الكوني الواحد، فاجتمعت أَمام لوحاته ورسومه وفودٌ من كل العالم.
شكرًا للقيِّمين على هذا المعرض الكبير باسم لبنان الوطن الجبراني الخالد، فعملوا على إِنجاحه بهذا الشكل الباهر: بعثة لبنان الدائمة في الأُمم المتحدة، وجامعة البَلَمَنْد، والمجلس الأَميركي في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، بلوغًا طبعًا إِلى “لجنة جبران الوطنية” ومتحف جبران في بشرّي الذي تولَّى مديرُه جوزف جعجع شرح بعض الأَعمال لكبار الزوار.
وكم يُسعدُ أَن تنال مئويةُ كتاب “النبي” هذا الإِشعاعَ الواسعَ من الاهتمام في لبنان والعالم، احتفاءً بذاك العبقري اللبناني الذي، وهو يُغمض عينيه للمرة الأَخيرة على ذاك السرير الأَبيض، تلكَ الليلةَ الفاصلةَ عند العاشرة إِلَّا خمس دقائق من ليل الجمعة 10 نيسان 1931 في مستشفى سانت ڤِنْسِنْت – نيويورك، كان يعرف أَنَّ عينَين له جديدتَين ستُشْرقان كلَّ يوم على فجر كل صفحة جديدة منه أَو له أَو عنه في أَيِّ لغةٍ جديدة من لغات العالَم.
هذا هو لبنان الحقيقي. هذا هو لبنان جبران. هذا هو لبنان الوطن الدائم. يواصل مسيرته الخالدة في الزمان، ولتسقُطْ في مستنقع التفاهات السياسية العابرة الزائلة طبقةٌ سياسيةٌ لا تستحقُّ حكْم لبنان، بسببها منذ أَسلافها صرَخَ جبران سنة 1920 “لكُم لبنانكم ولي لبناني” فانفصلَ عن لبنان السلطة التافهة الفاشلة، وانضمَّ إِلى لبنان الوطن الحضاري الذي قال فيه بكل اعتزاز: “لو لم يكُن لبنان وطني لاتَّخذتُ لبنان وطني”. يبقى أَن يعي شعبُ لبنان حقيقةَ وطنه الأَزلي، فيعملَ كي يخلعَ عن كراسي الحكْم سياسيين فاشلين، ولْيُوصل مكانَهم مَن يستحقُّون فعلًا أَن يَحكُموا لبنان.
هـنـري زغـيـب

زر الذهاب إلى الأعلى