شخصيات

البروفيسر الدكتور إسماعيل الخليل في بعض السطور بقلم د. فادي حدّاد،

الزملاء الأعزاء،

يعرف كثيرون منكم الأستاذ الدكتور إسماعيل خليل من خلال إنجازاته الممتدة على مدى العمر. واليوم، أودّ أن أعرّفكم على جانب لا يعرفه إلا القليلون: رجل نضال وإرادة لا تنكسر.

الخلفية

بعد تخرّجه من الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) عام 1976 في الجراحة العامة، انتقل إلى جامعة نيويورك (NYU)، حيث عمل إلى جانب نخبة من أبرز الأسماء والروّاد في الجراحة العامة وجراحة الأوعية الدموية، من بينهم فرانك سبنسر، وأنطوني إمباراتو، وغيرهم.

ولا حاجة للقول إن جامعة نيويورك في تلك الفترة كانت بعيدة كل البعد عن كونها «منتجعًا من فئة الأربع فصول». فقد كان التدريب والممارسة الجراحية في غاية الصعوبة والتنافسية. ورغم كل التحديات، شقّ إسماعيل خليل الشاب طريقه بثبات عبر المراتب، إلى أن أصبح رئيس جراحة الأوعية الدموية في مستشفى بلفيو. وفي عام 1982، نال—مرّتين—جائزة «الطبيب المعالج للعام» في جامعة نيويورك، وهو تكريم حمل لاحقًا اسمه.

بعد ما يقارب عقدًا من الممارسة في جامعة نيويورك، عاد الدكتور إسماعيل خليل إلى جامعته الأم، الجامعة الأميركية في بيروت. ترأّس قسم الجراحة مرّتين، وقاد شعبة جراحة الأوعية الدموية حتى تنحّيه عام 2012. وخلال تلك الفترة، خاض العديد من المعارك والنضالات التي تركت أثرًا عميقًا في تعليم الجراحة في الجامعة الأميركية في بيروت، وفي جراحة الأوعية الدموية محليًا وإقليميًا.

التعليم

كان التعليم دائمًا على رأس أولوياته. أعاد تنظيم برامج الإقامة، ورسّخ نهجًا حقيقيًا قائمًا على العمل الجماعي في التعليم عبر إشراك جميع أعضاء الهيئة التعليمية. وإلى جانب جولات رئيس القسم، وجولات مراجعة الملفات، ومؤتمرات الأوعية الدموية، أدخل الدكتور خليل جلسة تعليمية قائمة على مناقشة الحالات—عُرفت بمحبة باسم «جلسة الظهر لإسماعيل خليل». وقد حافظت الشعبة على هذا التقليد، ولا يزال محبوبًا لدى طلابنا.

وقد قدّر المقيمون هذه التغييرات تقديرًا بالغًا، فنال مرة أخرى جائزة تقديرية من رؤساء المقيمين في جميع الاختصاصات مجتمعين، عربون امتنان لهم.

القيادة السريرية

على الصعيد السريري، قاد ومكّن إنشاء شعبة حقيقية لجراحة الأوعية الدموية، مستعيدًا جوهر الممارسة الوعائية من اختصاصات متفرقة، وموحّدًا إياها ضمن الشعبة—وهو تحدٍّ لا تزال مؤسسات مرموقة عديدة تعاني منه حتى اليوم.

مختبر الأوعية الدموية

امتدت إسهامات الدكتور خليل في مختبر الأوعية الدموية إلى ما هو أبعد من الخبرة التقنية. فعندما عاد إلى الجامعة الأميركية في بيروت عام 1991، كانت الموارد المالية شحيحة للغاية. وبجهود دؤوبة، أمّن أول جهاز دوبلكس للموجات فوق الصوتية للمختبر عبر تبرعات من نادي الروتاري. ودرّب أول تقني أوعية دموية في الجامعة، وواصل تحديث تجهيزات المختبر من خلال مصادر تمويل متعددة، غالبًا ما كانت تبرعات من مرضى ممتنين.

وليس من المستغرب أنه في حزيران/يونيو 2012، جرى تكريس المختبر تكريمًا له وحمل اسم «مختبر إسماعيل خليل غير الباضع للأوعية الدموية». واستمر في جمع التبرعات عبر العائلة والأصدقاء، ما أتاح تجديدًا كاملًا للمختبر في تشرين الثاني/نوفمبر 2016.

صورة

الرؤية

كان إسماعيل خليل رجل رؤية وتقدّم، احتضن التغيير. وقبل أن يصبح ذلك سائدًا، أدرك التحوّل في جراحة الأوعية الدموية نحو التدخلات المعتمدة على القثاطر—وهو انتقال ليس بالسهل على أستاذ متمكّن من الجراحة المفتوحة التقليدية. درس التطورات في أبرز المؤسسات في أوروبا والولايات المتحدة، وخطّط بدقة، ونجح في تحويل الشعبة إلى وحدة لجراحة الأوعية الدموية والتداخلية.

لم يكن هذا التحوّل يومًا صراع نفوذ، بل كان رؤية—ترك إرثًا لشعبة حديثة، تنافسية، ورائدة إقليميًا. وحرص على تزويد الشعبة بالمهارات، والكوادر، والميزانيات، والتكنولوجيا اللازمة.

كما قاد بالقدوة. أعاد الدكتور خليل ابتكار نفسه كجرّاح هجين، فكان يخطّط ويحدّد قياسات دعامات الأبهر داخل الوعاء. إضافة إلى ذلك، أصبح مناصِرًا للتداخلات الوريدية المعتمدة على القثاطر، وأجرى بعضًا من أوائل عمليات الاستئصال الوريدي بالترددات الراديوية بعد مسيرة طويلة كرّسها لجراحة الدوالي المفتوحة.

الإرث

كان مؤمنًا راسخًا بالاستمرارية وبالبناء للمستقبل، فعمل بلا كلل على تسليم الشعلة على مستويي القسم والشعبة. وكان له دور محوري في استقطاب الدكتور جمال حبّالله رئيسًا للقسم، الذي ازدهر في عهده قسم الجراحة. كما أوكل إلينا معًا مسؤولية شعبة الأوعية الدموية، تاركًا وراءه مسؤولية كبيرة—ونعده ألا نسقط الشعلة.

صورة

النضال الشخصي

لعلّ أشجع معاركه على الإطلاق كانت معركة الدفاع عن حياته. يعلم كثيرون منكم أن الدكتور خليل أُصيب بالتهاب الكبد إثر وخز إبرة أثناء إجرائه عملية لمريض غسيل كلوي. وعلى مدى ما يقارب 30 عامًا، خاض نضاله بصمت وصبر، مسنودًا بحبّ شريكة حياته ميرنا؛ وأبنائه المخلصين—مايا، وشيرين، ورمزي؛ وعائلته القريبة.

وفي عام 2012، كادت المرض أن تودي بحياته. وإدراكًا لحساسية اللحظة، سافر إلى الولايات المتحدة في وضع صحي حرج وعاصف، وخضع لزراعة كبد، وتعافى—ونهض المقاتل مرة أخرى.

استمرار العطاء

بدل أن يعلن نهاية يوم—أو حياة—عاد إلى الجامعة الأميركية في بيروت بصفته أستاذًا فخريًا ونائب رئيس الأطباء. وقد كُرِّمت إسهاماته الهائلة في الخدمة والتعليم والعمل الخيري عام 2016 بتسمية إحدى أقدم وأعرق قاعات المؤتمرات في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت باسمه. فأصبحت القاعة الشهيرة SB101 «مدرج الأستاذ الدكتور إسماعيل خليل».

واصل أداء هذا الدور حتى عام 2024، حين طرق السرطان بابه. وبعد معركة طويلة وضارية، وضع سلاحه هذا الصباح في كانون الأول/ديسمبر 2025. وقبل أيام قليلة، وبصوت واهن، قال لزميلنا الحالي في زمالة الأوعية الدموية:

«آسف يا بني، لم أستطع أن أُسهم في تعليمك.»

الزملاء والأصدقاء الأعزاء،
ببالغ الحزن والأسى، أشارككم اليوم رثاء أحد أعمدة الجراحة في الجامعة الأميركية في بيروت—مربّيًا، وجراحًا متميّزًا، وأبًا لجراحة الأوعية الدموية الحديثة في لبنان والمنطقة، ورئيسًا سابقًا ومؤسسًا مشاركًا للجمعية اللبنانية لجراحة الأوعية الدموية، ومقاتلًا لا يلين، المعلّم، الأستاذ الدكتور إسماعيل خليل.

فادي حدّاد، دكتور في الطب، زميل الكلية الأميركية للجراحين (FACS)
أستاذ، الجراحة السريرية
جراحة الأوعية الدموية والتداخلية
رئيس شعبة جراحة الأوعية الدموية
مدير برنامج إقامة الجراحة العامة
مدير مختبر إسماعيل خليل غير الباضع للأوعية الدموية
المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى