شارك بمسابقة شهر رمضان المبارك للعام ــ 1445 هـ . ـــ 2024 م . وأربح جوائز مالية نقدية Info@halasour.com
بأقلامنا

إِلى لبنان الوطن انتمائي لا إِلى هاتَين الدولة والسُلطة بقلم الشاعر هنري زغيب

“نقطة على الحرف”- الحلقة 1515
“صوت كلّ لبنان”
الأَحد 9 أَيَّار 2021

ما إِن نشرتُ الإِعلان عن ندوة ميخائيل نعيمه – غدًا الإِثنين من “مركز التراث اللبناني” في الجامعة اللبنانية الأَميركية LAU”، حتى انهملَت عليَّ رُدُودٌ وتجاوباتٌ نبيلةٌ يمكنني جمعُها في رأْيٍ شبْهِ موحَّد: المثابرة المتواصلة على نقْش الفعل الثقافي في الفضاء اللبناني المتلبِّد مأْساويًّا بالغيم الأَسود. وتكاد تلك التعليقات تتشابه في موقفٍ واحد: هذا هو لبنانُ الحقيقيُّ الخالد، لبنانُ الأَدب والفن والإِبداع، لبنانُ الثقافة الأَرقى والأَبقى والأَنقى من كل ما يجري.
طبعًا لبنانُ الثقافة – أَدبًا وفنًّا وإِبداعًا – هو لبنانُ الحقيقيُّ الخالد، الأَرقى من مستوى السياسة الحالي، والأَبقى من آنيَّات السياسة العابرات مهما طال بقاءُ زعمائها، والأَنقى من أَجوائهم القَذِرة الموبوءَة. وحين صرخ جبران: “لكُم لبنانُكُم ولي لبناني” كان يستقيل من لبنان السلطة والدولة ويَشهَر انتماءَه الخالد إِلى لبنان الوطن الخالد الذي جاهر بحبِّه إِياه: “لو لم يكُن لبنانُ وطني لاتَّخذْتُ لبنان وطني”.
طبعًا هذا هو لبنانُ الحقيقيُّ الخالد: وكلُّ ما عداه زائفٌ زائلٌ عابرٌ كالغيم العابر.
طبعًا هذا هو لبنانُ الحقيقيُّ الخالد: مَن يَذكُر رئيسًا للدولة في عهد دانتِه، أَو وزيرًا في عهد غوتِّه، أَو نائبًا في عهد ڤيكتور هوغو؟
طبعًا هذا هو لبنانُ الحقيقيُّ الخالد: كلُّ رئيس سيصبح “فخامة الرئيس السابق”، كلُّ وزير سيُمسي “معالي الوزير السابق”، كلُّ نائب سيصير “سعادة النائب السابق”، وكلُّ مسؤُول سياسي أَو إِداري سيجيْءُ يومٌ ينادى عليه فيه بـ”المسؤُول السابق”، وتَسقط أَلقاب الفخامة والمعالي والسعادة، ولكنْ… مهما طال الزمن، لن يكون فيه “الشاعر السابق” ولا “الكاتب السابق” ولا “الفنان السابق”.
طبعًا هذا هو لبنانُ الحقيقيُّ الخالد: مَن نشَر لبنانَ الإِبداع في أَقاصي العالم كما نشَرَه جبران أَو الأَخوان رحباني وسيِّدةُ سيِّداتنا فيروز؟
طبعًا هذا هو لبنانُ الحقيقيُّ الخالد: أَيُّ سفارةٍ للبنان نشَرَت، في لغات العالم وبلدان العالم، لبنانَ الفكر العالي والفن الغالي كما تنشُرُهُ مؤَلفات أَمين معلوف وأَعمال مسرح كَرَكَلَّا؟
طبعًا هذا هو لبنانُ الحقيقيُّ الخالد: وبعد كثيفٍ من السنوات تنقضي عهود رئاسية، وتختفي تشكيلات حكومية، وتذهب إِلى النسيان الجَمَاعي أَسماء نواب وسياسيين وزعماء ورؤَساء، وتبقى عصيَّةً على النسيان، خالدةً في ذاكرة الزمان، ساطعةً في مفكِّرة الأَجيال المقبلة: أَسماء من نور تتردَّد في لوحةٍ من فرُّوخ، أَو منحوتةٍ من بصبوص، أَو لحنٍ من زكي ناصيف، أَو سمفونيا من وليد غلميَّة، أَو نصُبٍ من عارف الريِّس، أَو كتابٍ من شاعرٍ أَو أَديب، وهذه وسواها من الأَسماء الخالدة سوف تبقى تتناقَلُها الذاكرة من عهدٍ إِلى عهدٍ ومن جيلٍ إِلى جيلٍ فلا يغمرُها غُبار النسيان.
طبعًا هذا هو لبنانُ الحقيقيُّ الخالد: وهذا الـ”لبنانُ الوطن” هو وطني وانتمائي. أَما “لبنانُ الدولة” فهو انتظاري، وأَما “لبنان السُلْطة” فهو خَيبتي. ولن أُغيِّر مبدَإِي، حتى يتكاملَ ثالوثُ “الوطن/الدولة/السُلْطة”، فأَرى في لبنان سُلْطةً جديرةً بإِدارة الدولة، وأَرى دولةً تستاهل أَن تكون… دولةَ لبنان الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى