بأقلامنا

كلمة نهاد حشيشو في حفل تكريم وتوقيع كتاب الدكتور السفير عماد سعيد

 

 

الحضور الكرام..

السادة والسيدات ممثلو الهيئات والجمعيات والمؤسسات الرسمية والمقامات الدينية.

راعي الحفل الصديق عبد الهادي محفوظ رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع.

زملائي المتكلمون في هذه الندوة.

يطيب لي هنا في صور، هذه البلدة العريقة المغرقة في القدم والأصالة، ذات التاريخ العابق عطراً ماضياً وحاضراً التي إحتضنت خلال مسارها حركة النضال الإجتماعي والتحرري ضد الغزاة والمستعمرين وعملائهم المباشرين وغير المباشرين، والمتبوأة راهناً عملية إستكمال المقاومة والممانعة ضد الخطر الصهيوني المحتل لفلسطين والقاضم لأرضنا الجنوبية في مزارع شبعا وكفرشوبا.

من هذا الصرح التربوي المشع أدباً وعلماً وأعني الكلية الجعفرية ومن على شاطئ الصمود والمعرفة، يطيب لي أن أقدم كتاب الصحافي والإعلامي الدكتور السفير عماد سعيد “أوراق لها تاريخ” وأن أنقل للحضور معرّفاً وناقداً مادته ومحتواه في إطار الإطاحة به والإعلان عن صدوره.

بداية، أستهل كلمتي بالتعريف بمؤلف الكتاب. هو من مواليد هذه المدينة، غرف من أجوائها ومسارها المتوهج حركة وصراعاً مناهل المعرفة والوطنية والنضال، ليستقر لاحقاً، في مهنة المتاعب أعني العمل الصحفي والإعلامي، فكان في هذا الحقل بارعاً وناجحاً في عملية نقل الأحداث ومجريات التفاعلات الإجتماعية والتربوية والأدبية وحتى السياسية، كل ذلك في إطارها التعبوي الإيجابي الجامع للإرادات والنوايا الحسنة من أجل إعلاء شأن هذا الوطن. فإستحق لذلك لقب سفير النوايا الحسنة للشؤون الثقافية والمعرفية والإجتماعية في لبنان الصادرة عن الإتحاد الأوروبي.

لقد أسهم المؤلف خلال مساره بالنضال المقاوم لإسرائيل المغتصبة فإعتقل في سجن أنصار المشؤوم، وكان عضواً مؤسساً في لجنة متابعة قضية المعتقلين اللبنانيين في سجون العدو.

كما عمل على تأسيس التجمع الخاص بهؤلاء. كذلك دأب على الإنخراط في تأسيس وتنشيط عمل العديد من الجمعيات والنوادي الثقافية والإجتماعية، فإستحق أيضاً جرّاء نشاطه أن ينال مكافآت معنوية قيّمة. كأن يكون عضواً في منتدى أكاديميون من أجل السلام وحقوق الإنسان في اليمن، وأن يحوز على وسام الأسير اللبناني وشهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة الشعوب العربية في مصر.

أما في مجال التأليف فله العديد من الكتب بلغت مع هذا الكتاب الذي نحن بصدده العشرة.

عن مؤلفه الجديد هذا “أوراق لها تاريخ” يمتعنا الدكتور عماد بكل ما هو جميل من ذكريات ومسارات لأشخاص وأحداث من هذه المدينة، فيها وعنها، وعن مسائل وطنية وقومية وإنسانية عامة تخص العرب.

بعد الإهداء الذي يكرّم فيه والدته الراحلة رحمها الله وهذا نبل ملحوظ، يكتب في المقدمة التي خطّها الصديق الأستاذ الشاعر بلال رفعت شرارة رئيس الحركة الثقافية في لبنان عن صور، واقعاً ومآلاً وتاريخاً، مبرزاً لنا فيها بإختصار ودقة ملامح شخصية المؤلف وما أورده من معلومات وأفكار، لاحقاً، نقرأ في صفحات تلت المقدمة كلمة لباحث وناشر موقع حرمون الأستاذ سليمان الحلبي بعنوان “أشرعة ضوء لمجد صور” مهداة للمؤلف.

نخوض بعد ذلك غمار التعريف بمحتوى الكتاب الذي تضمن فصله الأول: صدى الدم بكل ما خطه المؤلف من نصوص وكلمات عن أشخاص عرفهم أو سمع عنهم، وأحداث خبرها وأثرت فيه نشر العديد منها في صحف ومجلات ومواقع الكترونية.

البداية جاءت مع نص تحت عنوان “تموز أيام هزت التاريخ” يتحدث فيه عن عدوان إسرائيل الغاشم في تموز عام 2006 وما تحملته المدينة من خيم وعدوان وأذى.

تلا ذلك، الكلام حول مجزرة قانا: صدى الدم وما عنته تلك المجزرة من إستفادة لآثام إسرائيل وعدوانيتها. زيارة المؤلف للحرم الشريف في مكة لأداء العمرة وردت، أثر ذلك، بأسلوب سلس وخشوع كبير.

تبع الزيارة كلمة عن البطريرك الراعي وزيارته الجنوبية لصور الذي إعتبره المؤلف “غير شكل” وظاهرة إيمانية خشعة وجميلة لرجل دين مسيحي كبير.

مقالة سقوط الطائرة الأثيوبية في بحر لبنان جاءت وصفاً للحديث المريع ومصرع كل ركابها وقد جسدّه المؤلف بكلمة مؤثرة عن الإغتراب وعذابات المغتربين وعدوانية إسرائيل من خلال أسئلة لم تجد جواباً عن مسؤوليتها لما حدث.

أيضاً، بعد ذلك، كلمة مؤثرة عن مصطفى هيثم أرناؤوط إبن صور الذي راح ضحية سقوط الطائرة المغدورة وتحت عنوان “العالم الثالث وحدة الجرح”.

يستطرد الكاتب عماد ليحدثنا عن خمسة عشر يوماً قضاها في ضيافة العراقة المصرية في القاهرة وغيرها فزودنا ببانوراما سياحية عن مصر وعظمتها وروعة آثارها الخالدة ودور صحافتها وإعلامها في عهد الراحل الكبير جمال عبد الناصر وصولاً الى زمننا الراهن، ثمّ يعود بنا مرة أخرى، ليتكلم عن صور، بحاراتها وطابعها الإسطنبولي في زمن الحكم العثماني – التركي.

تلا ذلك مقالة عن غزة الجريحة والمناضلة ضد الصهاينة فيقول: نحن معك يا غزة البطلة، ندعمك في مواجهة هذا العدوان الغاشم والمستمر ظلماً وعسفاً وإضطهاداً يستذكر في مقالة أخرى نضال وفكر الإمام المغيب السيد موسى الصدر بما يحتويه من إنسانية وعلم ووطنية وتضحية ومحبة للبنان وعداوة لإسرائيل فيقول: لقد إنتصر الإمام وإنتصرت قضيته رغم تغييبه… في أجواء إستذكار السيد الإمام ينتقل المؤلف بنا ليتحدث عن موقع مليتا الجنوبي النضالي: ذاكرة المكان ومكان الذاكرة.

في الفصل الثاني من الكتاب المهدى لوالده الحاج علي شحادة سعيد ينتقل عماد الى ذكر عدد آخر من الأسماء بأشخاصها ووصفاً لحياتها وهواجس ذاته مع نفسه ومعها.

عنوانين مثل: “مع أطيب التحيات”، “بطاقة وفاء”، ” حلم حريري للتقوى “، “الشمس ليست بعيدة”، “يسكن وجدان المدينة”، “رجل من بلادي”، “المطران يوحنا الحداد”، “عبد الحسين شرف الدين” في تكريمه وهل جاء متأخراً؟”، “وفيق قصاب يقلب المعادلة ” ويقول عن هذا الأخير  في تكريمه: إن الموت هو الثمرة الوحيدة التي تنمو داخل الإنسان لكن الأهم أن تبقى مجالاً للزمن الذي لا يرحم. هذا الدور تعلمناه منه عندما أفاق من صدمة رحيل زوجته ليعانق الضوء من جديد، وليستلهم الثقافة والفن والأدب، بطاقات مرور الى نزال مع عبثية الأقدار. كلمة أخرى بمناسبة تسنم القاضي الشيخ محمد دالي بلطة منصبه مفتياً لصور. يتبعها عرض لكتاب النائب الراحل محمد صفي الدين “رجل وذاكرة” الذي أعدّه المؤلف. كلمة في ” محمود قدادو” (أبو محمد) الذي غاب قسراً و”مرعي أبو مرعي”، إضافة الى عرض لرواية كتبها الدكتور السيد حسين صفي الدين بعنوان “بين غربتي الهروب والتعب” يقول عن هذه الرواية: من متلازمتين إقطاعية الأرض والإقطاع راهناً.. السياسي من هنا يبدأ الدكتور حسين لكأنما التاريخ كما هو يكرر نفسه مرتين. الأولى على شكل مأساة والثانية على شكل ملهاة لكن صفتهما واحدة: التحكم بمصائر الناس وعلى هذه القاعدة ” أمينة” بطلة الرواية تذوي أحلامها شيئاً فشيئاً، فالزواج كان بالنسبة لها فكاكاً من أسر العائلة، ولكنها تحولت الى خادمة (البيك) أيضاً يذكر لنا المؤلف العديد من الأسماء الصورية والجنوبية واللبنانية متحدثاً عنها وعن مآثرها ونشاطها مثل ” محمد بركات”، ” شريف وهبي”، “ترانيم سلوى الخليل الأمين”، ” وسام بّواب”، “سمير قنطار”، “الرئيس الياس الهراوي”، “الدكتور غسان فرّان”، “الفنانة سعاد السعيدي”، “الحاج حسن عكنان”، ” حسن أخمد حايك”، “حسين راشد أرناؤؤط”، “إم هاني صعيدي “، “شريف صفي الدين”، وغيرهم من الأسماء، مركزاً الكلام في كتابه على شخصيتين إحداهما غادرت مبكراً هذه الدنيا وهو الراحل الفنان الصديق غازي قهوجي وذلك في 4 تشرين الأول 2015. الكاتب السافر والإنتقادي بإمتياز الذي خلّف وراءه العديد من الكتب تحت عنوان” قهوجيات” فيرثيه عماد قائلاً: لم يقدر غازي قهوجي حتى الآن أن يحتضي بوطن، وهذا الوجع ليس مرثية له وحده، لكنه يتعدانا الى كلمات تحاول أن تستثير عواطفنا الراكدة تحت أهواء الآخرين، حيث يشكل الإمتثال لأوامرهم العليا إضطراباً في زمن لا نقوى فيه على الكلام، زمن يتكلم فيه سيف السلطان”.

ويتساءل: نرى هل يحاول الكاتب أن يستفزنا ضد الخوف، بتلك الرمزية المكثفة التي يخافها نفسه؟ إذا كان الأمر كذلك فقد وصلت قهوجياته مُرّة: إذا لم يكن بطعم العلقم”.

أما عن السيدة رباب الصدر شقيقة الإمام المغيّب السيد موسى فكتب عنها تحت عنوان فضلت العمل الإجتماعي على السياسي فيذكر أن مأثرتها “أنها إختارت أن تكون بين الناس وهمومهم ومشاكلهم.. وهذا التواصل المستمر مع المجتمع كانت له ثماره بنكهة مميزة”.

يقول عماد” القلة تعرف أن السيدة رباب بدأت عملها الإجتماعي بعشرة محتاجين فقط، لكن هذا الرقم تحوّل الى كرة ثلج عملاقة، فهناك بين جدران المؤسسة ما يزيد عن 120 محتاجاً ومحتاجة للرعاية والإهتمام والتوعية، وهذا الرقم هو خيالي قياساً بعمر المؤسسات الزمني والأعداد الى تزايد مستمر”.

يبقى في المحصلة أن كتاب ” أوراق لها تاريخ” هو سردية تاريخية بأسلوب أدبي عن بلدة وأشخاص كان لهم في مسيرة حياتهم بصمات تنويرية حضارية إجتماعية وفكرية على معالمها وإرتقائها. هو كتاب ما بين عرض للسيرة وتأصيل للإنتماء يؤرخ لنا فيه، أهمية هؤلاء الأشخاص ودورهم الفعّال في إغناء تراث هذه البلدة التراكمي، كاشفاً لنا في بانوراما حديثة تصويرية كيف تتواصل الأجيال المتعاقبة مع فصل حداثتها ومستقبلها خلال مسارها كما التطور الإجتماعي والسياسي لصيرورة التحرر والمعرفة والإنعتاق الذي تجسّد في واقعنا الراهن وفي نجمة الجنوب صور صموداً ومقاومة ضد الإسرائيلي الغاصب والأميركي المتغطرس حامل لواء إستراتيجية الهيمنة وقهر الشعوب وفرض الديمقراطية المشوهة خدمة لمصالح الإستغلال العالمي.

مدينة تمكن د.  عماد سعيد  بجدارة من تأريخ ماضيها الحديث وواقعها الراهن بأشخاصها وحركتها فشكراً له للجهد المبذول والعطاء المستمر.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى