بأقلامنا

الحمد لله بقلم الأديب عصام حسين الحر

أضع بين أيديكم أعزّائي هذا النّصّ المأخوذ من كتابي «همَسات صاخبة» الصّادر عن «دار المحجّة البيضاء»:
” اعتدنا في حياتنا اليوميّة، وفي الإجابة عن الأسئلة التّقليديّة الّتي تُطرَح أن نقول «الحمدُ لله». كلمتان صغيرتان تحملان الكثير من المعاني، ومع ذلك يلفظهما الواحد منّا بطريقةٍ آليّة، ومن دون أن يلتفت إلى ما تحملانه من دلالات.
والواقع أنّنا لو تأمّلنا في حياتنا ووجودنا وما أفاضه الله تعالى علينا من نِعَم لوجدنا أنّ نِعَمَه عزّ وجلّ تغمرنا، وتطمرنا، ولو أردنا شكره عليها لَما كان العُمر برمّته كافيًا لذلك {وإنْ تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها إنّ الله لغفور رحيم}.
فالحمدُ لله على أنْ أوجدَنا، والحمدُ لله على أنْ أبقانا، والحمدُ لله على أنْ متّعَنا بالصّحّة والعافية، والحمدُ لله على أنْ منَّ علينا براحة النّوم، ونشاط اليقظة، وبلذيذ الطّعام، وهناءة الشّراب، وعلى أنْ هدانا إلى العبادةِ طريقًا إليه، وسخّر لنا كلّ ما في الطّبيعة لتستقيمَ حياتنا، سخّرَ لنا الحيوانات والبهائم نمتطيها، ومنحَنا العقل والتّفكير. نشقّ الأرض ونقتات بما تُنبتُه لنا، كما نقتات بلحوم الأنعام.
الشّمسُ تشرق وتغيب، والأرضُ تدور وتدور، والقمرُ يطلّ ويأفل، واللّيل والنّهار يتعاقبان، والفصولُ تتتالى، والكواكبُ في حركةٍ دائمة. كلّ ذلك لخدمتنا ومن أجلنا. كلّ هذه العناصر تتكامل أدوارُها لتنتظمَ حياتُنا. لو غاب عنصر واحد من هذه العناصر لما كانت لنا حياة، ولما استمرّ لنا وجود.
تنشر الشّمسُ أشعّتها فيتبخّر شيء من ماء البحار. تسبح الغيوم في الفضاء لتنتهيَ مطرًا يسقي ويروي. ترتوي الأرضُ فتُنبت، ويرتوي الإنسانُ فيحيا { وجعلنا من الماء كلّ شيءٍ حيّ}. إنّها دورةٌ سبحانَ مَن نظّمَها ونسّقها وسخّرها لخدمة البشر على هذا الكوكب.
كلُّ تفصيلٍ من هذه التّفاصيل يستحقّ أن نحمدَ الله تعالى عليه، على أنّ كلّ ذلك نضعُه في كفًّة، ونضع في كفّةٍ مقابِلة الإنسانَ نفسَه. هذا الإنسان الّذي خلقَه اللهُ عزّ وجلّ في أحسن تقويم. عينان تُبصران. أُذُنان تسمعان. أنفٌ يشمّ. يدان تعملان. قدَمان تسعيان. لسانٌ يتذوّق. أسنانٌ تمضغ. قلبٌ ينبض ويوزّع الدّم على الأعضاء والجوارح. معدةٌ تهضم. رئتان تستقبلان الهواء النّظيف. باختصار: عدّة أجهزة تعمل معًا، جهاز تنفّسيّ، جهاز هضميّ، وجهاز عصبيّ، إضافةً إلى بنْيةٍ عظميّةٍ تشكّل هيكلًا يُتيح للإنسان الحركة والسّعي والعمل وما إلى ذلك.
كلّ ذلك يدعونا إلى التّفكّر والتّأمّل، وإلى إعمال العقل لنصلَ إلى الإيمان بالله تعالى الّذي خلقَ فسوّى، والّذي قدّر فهدى، والّذي أخرجَ المرعى، والّذي منحَنا القوّة والقدرة والطّاقة، وسخّرَ لنا كلّ ما في الطّبيعة من ماء وخُضرة وسماء وشمس وقمر وكواكب ونجوم، وهي عطايا تستوجبُ منّا أن لا تكفّ ألسنتنا عن الحمد والشّكر، وأن لا نبتعد عن العبادة، علمًا بأنّ العبادة إنّما تحملُ الخيرَ لنا، لأنّها طريقُنا إلى التّقرّب إلى الله تعالى، وإلى الفوز برضاه، ودخول جنّته.
أخيرًا، يجدر بنا أن نحمد الله تعالى انطلاقًا من وعينا وإدراكنا لنِعَمِه جميعًا، لا من باب لقلقة اللّسان وتقليد الآخرين.
فالحمدُ لله ربّ العالمين. الحمد لله مالك المُلك. الحمدُ لله بارئِنا. الحمد لله خالقنا. الحمد لله هادينا. الحمد لله ربّ السّموات السّبع، وربّ الأراضين السّبع، وربّ العرش العظيم”.
مع تحيّات عصام حسين الحُرّ

زر الذهاب إلى الأعلى