بأقلامنا

مصطفى معروف سعد … رمز يختصر قضية … وقضية تختصر أمة – بقلم طلال أرقه دان

ثمانية عشر عاماً مضت على رحيل رمز المقاومة الوطنية اللبنانية الأخ القائد مصطفى معروف سعد .. مرت بومضة عين كأنها الآن .. إذ انه بارتحالك كنت أشد حضوراً بيننا، وكنا نؤوب إلى مبادئك وسيرتك كلما اشتدت الخطوب، وادلهمت النوائب في سماء الوطن، وتعمقت أزماته، واكفهر وجهه الكئيب.

كيف لا وأنت يا أبا معروف مقيم في وجدان كل المناضلين الذين لم تنطفىء لهم همة، ولم تبرد لهم عزيمة .. هؤلاء المناضلون الذين لم يضيعوا البوصلة يوماً، ولم يحيدوا عن درب فلسطين قيد أنملة، ولم يركبوا مركب المقاومة يوماً، ثم يتخلوا عنها يوماً آخر .. ولم ينتهزوا يوماً سانحة خطاب شعبوي مكشوف ينحاز شكلاً للفقراء والكادحين، في ما مطلقوه ممعنون في نهب المال العام باسم هؤلاء،  وفي تعميق مشكلاتهم الاجتماعية وتأبيد انسداد أي أفق أمامهم بحياة عادلة حرة كريمة.

رفاق مصطفى سعد وإخوانه هم أولئك الذين التزموا قضية الوطن بكل مناحيها، تماماً كما أوصاهم قبل ارتحاله، فهم أهل مقاومة متى دق النفير، وهم في الصفوف الأولى للدفاع عن رغيف خبز الفقراء، وفي معركة الحريات ومواجهة النظام الطائفي المولد لأزماتهم ومآسيهم، معتنقين فكر أبي معروف، مستلهمين تجربته المليئة بالعبر والدروس بدءاً من مقارعة الاحتلال الذي دبر محاولة اغتياله ذات ليل أسود، مروراً بالنضال المطلبي والاجتماعي، وبين هذا وذاك الكفاح في سبيل فلسطين قدس أقداسنا، ووجهة بنادقنا، ومحط جوهر عروبتنا التي لا تدانيها قضية ولا تضاهيها أي مؤامرة وجودية استهدفت شعباً عربياً عزيزاً عظيماً على مر تجارب الغزو والعدوان عبر التاريخ.

أبا معروف .. نستذكرك اليوم والمنطقة في ذروة غليانها ودوي طبول الحرب تسمع في المنطقة من أدناها إلى أقصاها .. وكأن المؤامرة تتبلس جلابيب كثيرة بين تهديدات أميركية يومية تجاه القوى الحية الملتزمة خيار المقاومة، وتصعيد صهيوني يومي يمتد مسرحه بين غارات على سوريا واستباحة للأجواء اللبنانية من جهة، ومن جهة ثانية محاولات تجويع شعوب المنطقة عبر الحصار والعقوبات المالية والاقتصادية بغية إخضاعها للقبول بالإملاءات الأميركية الصهيونية عن طريق فرض ما يعرف بصفقة القرن، وتقسيم الضفة، واقتطاع أجزاء منها بما يضيع الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية ويسقط حلم الدولة والاستقلال.

أمام قتامة هذا المشهد الكالح بتجلياته الشديدة السواد نؤوب إليك أبا معروف مفتقدين سداد الرأي الذي تحليت به وصلابة الموقف، وقوة العزيمة التي دفعت ثمنها غالياً من دمك وفلذة كبدك وأقرباء وأصدقاء كانوا معك ليلة الغدر الصهيوني الحاقد عام 1985 .. لذلك نقول لك كم نحن بحاجة إليك منارة تضيء لنا الطريق وموئلاً نستمد منه العزيمة، ومرجعاً نحتكم إليه كلما استغلقت في وجهنا آفاق النضال بجميع أشكاله بلوغاً لتحقيق حلمنا بوطن العدالة والحرية والتحرر والانعتاق.

في ذكراك أيا معروف .. نجدد العهد أن نبقى أوفياء لدمك .. سائرين على هدى مبادئك .. فإما أن نحيا بكرامة أو نستشهد بكرامة .. والشهادة كما علمتنا حياة جديدة للشهيد، وإشراق وخلود ومواقف عز وإباء وشموخ.

زر الذهاب إلى الأعلى