بأقلامنا

– الرئيس وضع النقاط على الحروف، كما وضع الإصبع على الجرح بقلم الحاج رفعت شناعه

إن سيادة الرئيس أبو مازن، رئيس دولة فلسطين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، والأهم أنه قائد حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح التي تأسست العام 1959، وانطلقت كثورة مسلحة العام 1/1/1965. هذه الحركة الرائدة التي تمكنت من تحقيق الانجازات العظيمة والهائلة، فهي أهم وأعظم وأطول ثورة شعبية وطنية في العصر الحديث، وهي التي كرَّست م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي التي استعادت الهوية الوطنية الفلسطينية، والتي تجسدت في رسم الخارطة الفلسطينية من جديد، لتؤكد وجود هذا الشعب السياسي والوطني في كفاحة ضد الاحتلال الصهيوني. وهي صاحبة القرار المستقل، وهي المدرسة النضالية الوطنية والتاريخية، والتي بلورها الرمز ياسر عرفات ورفاق دربه من قيادات حركة فتح، ومن باقي القيادات الفلسطينية.

ولأنَّ حركة فتح تتميَّز بهذه الاهمية، وبهذه الادوار العسكرية، والسياسية والجماهيرية، والأمنية، والاعلامية، فإنها بشهادة كل الشهداء الذين استشهدوا فيها، وكل القادة والمناضلين الذين أغنوا مسيرتَها، وحملوا أعباءَها وهمومها من الأسرى والمعتقلين، ومن الجرحى، ومن الرموز التي قاتلت ودافعت عن الكرامة، وعن الرمزية الوطنية، وكافحت في وطيس المعارك الوجودية، من أَجل حماية هذه المسيرة الثورية. بشهادة جميع هؤلاء، فإنهم اكدوا بأن هذه الحركة الوطنية هي عملاقة، ورائدة، ومتجذِّرة في أعماق الأوفياء والمخلصين من أبناء الشعب الفلسطيني، وأثبتت من خلال دماء الشهداء، وعذابات الأسرى، ومعاناة اللجوء، والتشرد، والمخيمات، والمجازر بأنها الحركة الأبية، التي لا يستطيع أحدٌ إمتطاءها، ولا يجرؤ أحدٌ على ليِّ ذراعها، ولا يستطيعُ أحدٌ استخدامها، أو تطويعها، أو الاستفراد بها، أو محاولة التجرؤ على شرفها وكرامتها وعفتها، تسهيلاً لعملية تقاسمها، أو اقتطاع جزءٍ منها للمتاجرة به، ولتعزيز مصالحه الشخصية أو الجهوية، أو العائلية، أو العشائرية. وهؤلاء الذين تجرؤوا في الماضي، ثم فشلوا لأنَّ حركة فتح استمرت بعنفوانها وكبريائها، يصونها الشرفاءُ من أبنائها، الذين لا يبحثون عن المواقع، والمراكز، وعن الاستقواء بفريق ضد فريق، وانما كان همهم الوحدة الحركية، من أجل أن يكون القرار فلسطينياً مستقلاً، بعيداً عن المساومة، والبيع والشراء. وقد أثبتت هذه الحركة الوطنية التاريخية أنها عصيةٌ على التدجين والاستخدام، فهي حركة أصيلةٌ قادها العظماء، وكان قائد مسيرتها منذ البداية الرمز ياسر عرفات. ثم أخذ الراية من بعده المؤتمن على ثوابت ياسر عرفات الوطنية الرئيس محمود عباس، الذي أثبت قدرته على أخذ القرار، وتحديد المواقف، والصلابة والتماسك في مواجهة أعتى المؤامرات.

وبعد هذه المقدمة أعود لما تفضَّل به، وأكد عليه الأخ الرئيس أبو مازن، قائد هذه الحركة الذي انتخبناه بالإجماع في المؤتمر الحركي السادس ثم السابع، وكان إجماعنا في الاختيار نابعاً من الثقة العميقة، ومن التجربة القاسية التي لا يستطيع تحملها إلاَّ عظماء القادة.

وأنا شخصياً أثّمن وأقدِّر عالياً ما ورد في كلمة سيادة الرئيس أمام أعضاء الأقاليم المنتَخَبين في الداخل- ونحن نتمنى لأخوتنا أعضاء وقادة الأقاليم في الاراضي المحتلة التوفيقَ والنجاح، وهم أهلٌ لذلك، علماً أن المسؤوليات صعبة ومعقدة، والقضايا مصيرية – وكل ما ورد في كلمة الرئيس مهم للغاية، وفيه تقويم، وتصويب، وتحذير، وتشجيع، وفيه دعوةٌ صريحة لإعادة النظر في العديد من المفاهيم السائدة، والتي تُمارَسَ على الارض دون محاذير، ودون رادع، علماً أن فيها مخالفاتٍ حادةً لا يمكن السكوت عليها.

وهنا سأتناول جزءاً مما ورد في الخطاب، وأذكر الملاحظات الاساسية على أمل أن يتحمل قادةُ الأقاليم، وأعضاء الأقاليم، والمناطق مسؤولياتِهم كاملةً في الخارج والداخل لأن الأمر جِدُّ خطير، ولو لم يكن كذلك لما أضطر سيادة الرئيس أبو مازن أن يدخل في التفاصل علناً وإعلامياً، وبجرأةٍ  صاخبةٍ ملؤُها التحذير، والتنبُّه، والوعيد، لأنَّ ما يحصل من قبل بعض المسؤولين من مغالطات مقصودة، ومُخَطّطٍ لها تدخل في باب المحرمات، وليس فقط الممنوعات، والانذار الذي وجَّهه الأخ الرئيس أبو مازن كان موجَّهاً للكبار قبل الصغار، لأنه لا يجوز للكبار أن يختبئوا وراء الصغار المُكَلَّفين بالتحريض، والتهديد لفلان من أجل إفشاله واسقاطه، لأنه ليس من هذه العشيرة أو تلك، أو ليس من هذه الجهة أو تلك، أو ليس من هذا الحلف أو ذلك الحلف. وهنا تضيع الكفاءات، ويتم قهرهم وابعادهم، والاساءة إليهم، والتحريض عليهم، من أجل أن يستولي الفريقُ الآخر على المسؤوليات، وتوزيع الامتيازات، والبدء بإبعاد الفريق المغلوب، والتنكيل به. وهكذا تتولَّدُ الشحناء، والبغضاء، وتبدأ الصراعات الداخلية الخفية والعلنية، وتبرز علاقاتٌ حركية قائمة على الغالب والمغلوب.

وأخيراً أٌذكِّر وأُلخِّص ما قاله سيادة الرئيس حتى لا تغيب الحقيقة، وحتى لا يسقط المزيد من ضحايا جشع وطمع الآخرين:

” أَسمُع أن هناك ضغوطاً من بعض الشخصيات والافراد: انتخبوا فلاناً، ولا تنتخبوا فلاناً، وهذا كلامٌ لا يجوز بأي حالٍ من الأحوال، وغير مسموح به إطلاقاً أن يحصل، ولو صدر عنِّي شخصياً)). وهذه فتوى حركية سياسية، وأخلاقية، واجتماعية حاسمة. (( القائد المسؤول هو قائدٌ للجميع، وليس قائداً لواحد أو لفرقة، ومن الآن فصاعداً أقول للتعبئة والتنظيم ولكم: لا يجوز أن نقول انتخبوا فلاناً ولا تنتخبوا فلاناً إطلاقاً، والحاضر يبلِّغ الغائب)).

إنَّ سيادة الرئيس يتحدَّثُ بألمٍ ومرارة، ويتوقَّف عند المحَّرمات التي إنتهكها البعض بعيداً عن المحاسبة، وعن المراقبة بحثاً عن الأطماع الشخصية، واضعين النظامَ الداخلي خلف ظهورهم. علماً أننا وفي مثل هذه الظروف المأساوية والمؤلمة التي نعيشها داخلياً وخارجياً، نحن بأمس الحاجة لاستعادة صلابة، وقوة، واستقامة جسمنا الفتحاوي، وهذا لن يتحقق إلاَّ إذا التزمنا بالقيم الدينية  والأخلاقية، وفي المقدمة مضمون النظام الداخلي الذي تربينا على الالتزام به كناظمٍ لحياتنا التنظيمية والحركية… فهل من مستجيب؟!

وأخيراً أتمنى تلبيةً لنداء الرئيس أن تأخذ لجنة الرقابة الحركية المركزية، دورها المعهود، وأيضاً لجنة المتابعة التنظيمية المعنية بتحصين التنظيم، وحماية النظام الداخلي، والمتابعة الدقيقة لكل الاختراقات والتجاوزات، وأخذ الاجراءات المناسبة.

                                                          الحاج رفعت شناعة

عضو المجلس الثوري لحركة فتح

                                                  2/3/2020

زر الذهاب إلى الأعلى