بأقلامنا

رحيل الأديب والشاعر الأستاذ عبد الباسط حدرج بقلم الدكتور حسن دياب

غادرتنا على حين غفلة، نحن الذين كنا نؤوب اليك كل مساء مستدفئين بعطر كلامك ، مستنيرين بدماثة خلقك، وسعة معارفك، وحسن معشرك. غادرتنا في هذا الزمن الصعب وكأنك آثرت الرحيل لتسكن بعيداً عن وجع الناس وآلامهم، وأنت الذي كنت في حياتك بلسماً لجراحات المرضى والمعدمين. فيا أيها الباحث الهارب من زيغ الدنيا، لقد أحببتَ الناس وإنفعلت لمعاناتهم. والظلم اللاحق بهم أثار أساك ، وأضرم غضبك، وعمّق غربتك، فرحتَ تجر بقلمك الحبر المضمخ بالألم والأفكار والأحلام. ترنو الى التغيير ، وتحنو على وطن مهيض. كنت تثأر بهذا القلم للمقاومين المجاهدين على أرض الجنوب، كما تثأر للمرضى المقعدين، وللجياع المتضورين، وللشيوخ العاجزين والنساء الثكالى.
سبعة وثمانون عاماً قضيتَها وأنتَ تقيمُ نفسك متراساً في الدفاع عن اللغة العربية التي ولجتها من بابها الواسع من القرآن الكريم. وإن إهتمامك التكويني باللغة هذه، وإندفاعك الى إكتناه حقائقها، وإنطلاقتك من هذا الإكتناه من معطيات الألسنية الحديثة، قادك الى منهج مركزي في البحث والتنقيب عن أسرار لغة الضاد وفهم خفاياها ومواجهة مشكلاتها. فكنت تأنس لسماع الكلمة الجميلة المتسامية عن الأخطاء اللغوية والقواعدية، كما تأنف من سماع ما يعاكسها من تخبط وجهل وتحطيم لتلك القواعد العلمية الدقيقة.
لقد غادرتنا أيها الطيب ونحن ندخل من مأساة الى مأساة، ومن كارثة الى كارثة. ولكنك كنت قد أوصيتنا بألا نيأس ولا نهجر “الميدان” الذي قد تحتله الفوضى وتعيث فيه فساداً وخراباً ، قبل أن نسمع صرخة ميلاد وطنٍ جديدٍ تُعلن قيامة الحرية الكاملة لمجتمع ديمقراطي ، لا طائفية فيه ولا تعصب أعمى ، ولا تمييز عنصري بل وطن لجميع أبنائه يعيشون في مجتمع مدني عصري متطور، متساوين في الحقوق والواجبات.
عبد الباسط حدرج سنظل نقرأ غدنا في جلساتك الأنيسة، وكلماتك العذبة، وحديثك اللبق، حول كؤوس من الشاي مع ثلة من أصدقائك ومحبيك.
أيها الطيب
يا أبا أحمد ومحمد ولاميس والزوجة الثكلى نجوى ، فها هم يهدونك الشوق والتحية ، فأنت في عيونهم دمعة، وفي قلوبهم غصة، وفي حياتهم قدوة. رحيلك وجع جديد يُضاف الى أوجاعنا الكثيرة الظاهرة منها والمستترة .
نم أيها الصديق الحبيب … فلن يكون غدٌ من دون هسهسة الحروف المشتعلة ببوح ذواتٍ كتبتَ أنتَ قصتها مع الريح والظل والحياة والوجود.، ولن تختزلك حروفٌ تُعلن رحيلك، بل ستبقى سؤالاً يستعصي على الموت والرحيل، كما ستبقى رمزاً من رموز فقه اللغة وتجلياته ، وعلماً لا ينتسى من أعلام التربية والفكر والأدب والثقافة. وسيعلن الآتي كلماتك الأجمل.
عبد الباسط حدرج ، إلى اللقاء أيها المسافر بغير وداع….

 

زر الذهاب إلى الأعلى