بأقلامنا

ما قبل هيل ليس كما بعده ـ بقلم الأستاذ حسن الدّر

تجرّع الرّئيس سعد الحريري ذات الكأس الّتي أسقاها للمرشّحين المحتملين لرئاسة الحكومة، لكنّ كأس الحريري أكثر مرارة كونها جاءت من حليفه المحلّيّ سمير جعجع، ومن خلفه الادارة الأمريكيّة الّتي يعكس جعجع سياستها ومواقفها.

جاءت صفعة جعجع، بعد الخطوة المحسوبة الّتي خطاها شريك الحريري في التّسوية الرّئاسيّة، رئيس التّيّار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل، الّذي أعلن العزوف عن المشاركة في حكومة يفرض شكلها ومضمونها الحريري.

تفاجأ الحريري بموقف جعجع الّذي وضعه أمام تكليف هزيل، بعدد أصوات لا يتعدّى الـ ٥٩ صوتًا، بينهم ١٥ صوتًا مسيحيًّا، منهم ثلاثة من كتلة المستقبل، ما يعني غياب الغطاء المسيحي الوازن، وهذه سابقة لا يمكن تجاوزها.

في اللّعبة السّياسيّة خسر الحريري جولة أساسيّة في مرحلة حسّاسة، قد تقصيه نهائيًّا من المشهد الحكومي، في الأشهر المنظورة، وفي الأخلاق السّياسيّة، خسر أيضًا ثقة وتعاطف الّذين أحسنوا إليه، بعدما غدرت به حاضنته السّياسيّة.

بات الحريري أمام خيارين، إمّا العودة إلى حضن الثّلاثي(حركة أمل، حزب الله، التّيّار الوطني) وتشكيل حكومة تكنوسياسيّة، تواجه السّياسة الأمريكيّة، وهو أمر لا طاقة له به، وإمّا تسمية شخصيّة توافقيّة تخرجه من مأزقه، وهو شبه انتحار سياسيّ.والأرجح أنّنا ذاهبون إلى مرحلة فراغ طويلة، تترافق مع أزمة إقتصاديّة خانقة، قد تصل إلى حافّة المجاعة، الّتي حذّر منها الرّئيس نبيه برّي، وأحداث أمنيّة متنقّلة تضع لبنان في مهبّ الرّيح، بانتظار ما ستؤول إليه الحرب النّاعمة في المنطقة.

وما يزيد الموقف تعقيدًا وخطورة، استمرار التّوتر في الشّارع، وارتفاع النّبرة الطّائفيّة بالتّصاعد، وما شهدناه في ساحات بيروت وشوارعها، من جوقة الشّتّامين الّتي استقدمت من مناطق لبنانيّة مختلفة، لاستفزاز جمهور المقاومة واستدراجه إلى مواجهة مباشرة، تضع علامات استفهام كبيرة، وخطيرة، حول السّيناريو المرسوم للبنان، وليلة الاثنين الثّلاثاء عيّنة حيّة عمّا يمكن أن تؤول إليه الأمور، في حال استمرّت لغة الشّتم والاهانات والهتك، الّتي تخطّت كلّ السقوف الأدبيّة والأخلاقيّة، وتعدّت القامات السّياسيّة والوطنيّة إلى حدّ التّطاول على المقامات الدّينيّة!

في المقابل، يتسلّح الثّنائي الشّيعي بالصّبر والتّحمّل، والعمل المضني لضبط الشّارع المستفزّ، خصوصًا وأنّ قيادته تتعرّض لحملة افتراءات إعلاميّة منظّمة، تعمل على قلب الحقائق وتوتير الشّارع، ضمن منظومة فضائيّة محليّة وعربيّة، مدارة من غرف سوداء محترفة، تعرف متى تفتح الهواء ومتى تغلقه، بتزامن مشبوه، يؤكّد بأنّ الادارة واحدة، والهدف واحد.

في الأثناء، يصمّ الرّئيس نبيه برّي آذانه عن الأصوات النّشاز الّتي تحاول الضّغط عليه، والتّشويش على دوره الوطنيّ في مواجهة الموفدين الغربيين الّذين يحاولون فرض الشّروط الإسرائيليّة، المتعلّقة بالبلوك رقم ٩، وما بعد الزّيارة المرتقبة لمساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الاوسط ديفيد هيل، لن يكون كما قبلها، فهي الزّيارة الأولى لمسؤول أميركي يلتقي فيها مسؤولين رسميين وسياسيين لبنانيين، منذ انطلاق أحداث 17 تشرين الأول، لأنّ الرّئيس نبيه برّي سيكون كعادته سدًّا منيعًا، وحارسًا أمينًا، ومفاوضًا صلبًا حاسمًا وجازمًا وصارمًا في مواقفه الوطنيّة، دفاعًا عن كرامة لبنان وسيادته، وحقّه في ثرواته، مدعومًا بقوّة المقاومة العسكريّة، وترسانتها الصّاروخيّة الرّادعة للمطامع الاسرائيليّة، وقدرة السّيّد حسن نصرالله الاقناعيّة، في توجيه البوصلة، ومخاطبة الشّعب اللّبنانيّ، بقوّة المنطق، لتوضيح خيوط المؤامرة، وأبعادها وخلفيّاتها.

سيأتي هيل ويرحل كما أتى، لن يأخذ من النّفط كوبًا، ولن يستطيع التّسويق لنوّاف سلام، كرئيس لحكومة لبنان؟ ولن يأخذ معه جزّار الخيام، وبالتّأكيد، لن يقدر على فرض إخراج حزب الله من التّركيبة الحكوميّة، لكنّه، سيضع لبنان على أعتاب الفوضى الأمنيّة، والكارثة المعيشيّة، والفراغ في مؤسّسات الدّولة، آملًا في فرض إملاءاته وشروطه، تحت ضغط الجوع والأمن..

أسابيع، وربّما أيّام قليلة تكشف ما خفي، وهو أعظم، على أمل ألّا يكون هناك الكثير من الندم، فلن يجدي عندها نفعًا، ولن ينتج حلًّا!!

زر الذهاب إلى الأعلى